اليمن بالحبر الغربي -
إنه دليل على نجاح الحوثيين الراهن. فهو يضيف تكاليف هائلة إلى النقل ‏البحري للبضائع، وهو ما يسفر عنه تداعيات وخيمة على الاقتصاد العالمي.‏
ويشير تقرير وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية إلى أن استخدام طريق ‏بديل (الإبحار عبر رأس الرجاء الصالح، حول أفريقيا) «حوالى 11 ‏ألف ميل بحري، وأسبوع إلى أسبوعين من وقت العبور، وزهاء مليون دولار ‏من تكاليف وقود كل رحلة».‏
ويضيف أن «الشحن عبر البحر الأحمر يمثل عادةً ما يقرب من 10-15% ‏من التجارة البحرية الدولية، في حين ارتفعت أقساط التأمين على عبور البحر ‏الأحمر إلى 0.7 -1.0% من القيمة الإجمالية للسفينة، مقارنة بأقل من ‏‏0.1% قبل كانون الأول/ ديسمبر 2023».‏
ويشير تقرير لموقع «أكسيوس» -يقتبس من وثيقة وكالة الاستخبارات الدفاعية ‏الأمريكية- إلى أن البحرية الأمريكية أنفقت حتى الآن مليار دولار على ‏الذخائر في إطار مواجهتها لحملة الحوثيين العدوانية في البحر الأحمر.‏
وفي الأثناء، أغلق ميناء «إيلات» الجنوبي فعلياً منذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. يكفل كلٌّ من ‏ميناء أشدود وميناء حيفا تدفق التجارة الدولية إلى «إسرائيل». لكن إغلاق ميناء «إيلات» ‏كان له كبير على اقتصاد المدينة. كما استهدف الحوثيون المدينة ‏بالصواريخ الباليستية في إطار الحملة نفسها.
وفيما يتعلق بأشدود وحيفا، فحليف آخر لإيران، هو حزب الله، يملك صواريخ ‏متقدمة مضادة للسفن حصل عليها من إيران. إذا انزلقت الجبهة «الإسرائيلية» ‏اللبنانية إلى صراع مفتوح، كما هو مُرجح، فمن المحتمل أن يكون لهذا شق ‏بحري، إضافة إلى الشق البري، وهو ما قد يفضي إلى تداعيات على التجارة ‏في موانئ «إسرائيل» على البحر الأبيض المتوسط.‏
تشترك ساحة خليج عدن والبحر الأحمر في عنصر إضافي مع الجبهة «‏الإسرائيلية» اللبنانية: الجانب الموالي لإيران، في الحالتين، هو الذي أخذ زمام ‏المبادرة، وبدأ جولة الصراع الحالية.‏
تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها في البحر الأحمر، و«إسرائيل» في مواجهة ‏لبنان، إلى الدفاع لصد العدوان. ونظراً لقدراتهم التقليدية الكبيرة، فقد حققوا ‏نجاحات تكتيكية كبيرة.‏
ولكن في الحالتين، لم تترجم هذه الجهود إلى ما يشبه الإنجاز الاستراتيجي، ‏بل ظلت المبادرة الاستراتيجية في قبضة العنصر الموالي لإيران. وفي ‏السياق اللبناني «الإسرائيلي»، نجح حزب الله في فرض إخلاء المستوطنات ‏الحدودية «الإسرائيلية».‏
وفي منطقة البحر الأحمر، اختطف الحوثيون شرياناً رئيسياً للتجارة البحرية ‏العالمية ولم يظهروا أي مؤشرات تدل على التخلي عن السيطرة عليه. أشار ‏كليفورد ماي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في مقابلة أُجريت معه ‏مؤخراً، إلى أن الديناميكية الرئيسية والإشكالية تتمثل في اتباع الولايات ‏المتحدة استراتيجية دفاعية.‏
ولهذا الأمر تكاليف باهظة، ولم يقنع الخصم بالكف عما يفعله. كما أنه يعكس ‏مدى الضعف وانعدام الإرادة.‏
ما الدافع وراء هذا الموقف الإشكالي؟ التغطية الإعلامية العالمية مستمرة في ‏التركيز على قتال «إسرائيل» مع حماس، والتعامل مع حرب غزة باعتبارها ‏صراعاً على جبهة واحدة. وفي هذا السياق تعد جبهة البحر الأحمر والساحات ‏الأخرى مجرد عوامل ثانوية، سوف تنتهي (كما يوضح الحوثيون وحزب الله) ‏بعد انتهاء حرب غزة.‏
وقد قَبِل الغرب هذه الرؤية. ولذا، فإنه يبذل جهداً لاحتواء العدوان على ‏مختلف الجبهات الأخرى.‏
ومع ذلك، فإن قبول هذا التأطير للصراع يعني التنازل عن التفوق لصالح المعسكر ‏الموالي لإيران. الصراع الحالي هو أول ظهور للتحالف الذي انشغلت طهران ‏بتشكيله في المنطقة منذ أوائل الثمانينيات، ولقوة متجددة على مدى العقد ‏الماضي. وتنخرط حالياً، بطريقة جزئية؛ ولكن ذات أهمية بالغة، على ثلاث ‏جبهات، إضافة إلى غزة: البحر الأحمر، لبنان، سورية، والعراق.‏
تنطوي الجبهة اللبنانية على مواجهة مع «إسرائيل». وفي الوقت ذاته، يشمل ‏البحر الأحمر وسورية والعراق عميلاً إيرانياً (الحوثيون والمليشيات الشيعية ‏في العراق) يستهدف «إسرائيل»؛ ولكنه يضرب أيضاً أهدافاً غربية.‏
ولذا، فإن القضية التي هي قيد الاختبار حالياً لا تقتصر على قدرة «إسرائيل» ‏على الرد بفاعلية على هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الذي شنته حماس.‏
وبدلاً من ذلك، فإن الاختبار الأوسع يتمثل في ما إذا كان تحالف إيران قادراً ‏على فرض إرادته على المنطقة والغرب في الزمان والمكان الذي يحدده، أو ‏ما إذا كان الغرب وحلفاؤه قادرين على كبح مثل هذه المحاولات.‏
في الوقت الحالي، كما اتضح في خليج عدن والبحر الأحمر، يمكن أن يُفعّل ‏الإيرانيون وكلاءهم بأقل أو دون تكلفة، وتحقيق اضطراب شديد له تداعيات ‏على الاقتصاد العالمي، وإجبار الولايات المتحدة على إنفاق مليار دولار على ‏العتاد، وفي المقابل لا تتكبد إيران أو وكلاؤها أي تكلفة كبيرة.‏

يوناثان سباير - «جيروزاليم بوست» الصهيونية