أيوب في الـ«ريتز» والـ«فاجومي» في الساحل الشمالي
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
دخل علي عبدالله صالح فجأة على عبد ربه منصور هادي (بعدما صار الأخير رئيساً) والأخير يردد مطلع الأغنية الشهيرة: «اليمن بلادنا و...»، وتوقف عن الغناء بعد أن وجد «صالح» أمامه، وليصيغ كلماتها بشكل مقلوب وعلى النحو التالي: «اليمن بلادكم و...».
أتذكر هكذا طرفة وأنا أستعيد مشاهد ترديد النشيد الوطني اليمني في محافل المرتزقة وتحت مكيفات الهواء ورعاية طحنون أو آل الجابر أو السفير الأمريكي الصهيوني.
مؤخراً قرأت مقالاً لكاتب مصري يقارب ما سبق من زاوية أشد حصرية وأكثر حصاراً، متناولاً سرقة من نوع جديد لأغنية «شيّد قصورك» الشهيرة لأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، وهي كما هو معروف كانت الأغنية التي كانت تُغنى في ميادين العواصم العربية ومقاهيها وتصدح بها حناجر جماهير نزلت بصدور عارية لمواجهة الظلم الاجتماعي والاستبداد، كانت رمزاً للثورة والعزم وصوت المهمشين، ليتراقص اليوم على كلماتها وألحانها -التي أعاد توزيعها شاب سوري يُدعى أمين، فر من سورية ضمن ملايين وأسس فرقة في منفاه ألمانيا تُدعى «شكون» تمزج بين الموسيقى الغربية والألحان الثورية العربية- أبناء اللصوص وأولاد المال الحرام.
«ففي حفل باذخ الثراء في ملهى بمدينة العلمين الجديدة تابع لمنتجع (Silver Sands) الفاخر في مصر يتحدث رواده العربية برداءة بينما يُفصح لسانهم بالإنجليزية متفاخرين بتعليمهم الأجنبي الذي يحدد موقعهم الاجتماعي في دولة يعيش أغلب شعبها تحت خط الفقر، تتصاعد نغمات غريبة لأغنية كلماتها مألوفة لكثير من المهمشين، لتتشكل مفارقة حادة مع المحيط ربما لم يدركها المستمعون في الحفل، إذ كانت الأغنية يوماً ما صوتاً للثوار والفقراء، بينما تُغنى الآن لجمهور ربما لا يحمل هم معانيها.
هناك، وسط هذا المشهد الباذخ لا ترى سوى أجساد متوهجة بالحماسة والنشوة تتمايل على أنغام أغنية تحمل في كلماتها انحيازاً واضحاً للثوار والفقراء. لكن المفارقة القاسية تكمن في أنها تُغنى اليوم على أرض مجرفة لم تُجرد فقط من زرعها بل ومن فقرائها أيضاً؛ من الفلاحين والطلبة والعمال، لصالح سجن كبير من البذخ المصطنع يزدان بالقصور الفاخرة التي كانت تمثل كل ما كان يرفضه الشيخ إمام رمزاً للفخامة الزائفة التي تعلو فوق معاناة البسطاء وتتجاهل جذور الأرض وأهلها.
يبدو أن الزمن قد غير الكثير، فالأغاني التي كانت تُرفع كرايات ضد الإمبريالية صارت اليوم مجرد ديكور للمتعة والابتهاج في حفلات الأثرياء، متماهية في الإطار الفني الذي ترسمه أنظمتنا الحديثة التي لا تناهض الاستعمار، بل تدفعنا إلى التداخل والتماهي مع مهمة نشر الحضارة كما يراها المستعمر» (انتهى الاقتباس).
هكذا تبدو المشاهد متشابهة ومتداخلة بين ما يحدث في منتجع (Silver Sands) في الساحل المصري الشمالي، وبين تلك التي نبصرها في فنادق الريتز كارلتون في الرياض والقاهرة وأنقرة وغيرها من عواصم المنافي الباذخة، والتي يردد في قاعاتها المرتزقة وهم يرتدون المشالح ويقبضون على المسابح كل الأغاني والأناشيد الوطنية، إلا أغنية واحدة لا يطيقون سماعها فكيف بترديدها، وهي أغنية «ارجع لحولك»؟!
المصدر «لا» 21 السياسي