اليمن بالحبر الغربي -
يستمر نشاط أنصار الله في البحر الأحمر في النمو. ونفذت حركة أنصار الله أكثر من مائة هجوم باستخدام الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار والزوارق غير المأهولة خلال الأشهر العشرة للحرب البحرية.
وأثر التصعيد في البحر الأحمر على مصالح الكثير من الدول، إضافة إلى 29 شركة كبرى للطاقة والشحن. ورغم محاولات التأثير على أنصار الله فقد فشلت محاولات الحد من نشاطهم.
وتسبب الهجوم اليمني الأخير على الناقلة اليونانية (MV Sounion) في الكثير من الضجيج. لم تكن هذه هي الحالة الأولى التي تتعرض فيها سفينة شحن لأضرار جسيمة؛ ففي هذا الوقت، كان أنصار الله اليمنيون قد أرسلوا بالفعل سفينتي شحن على الأقل إلى القاع («توتور» و«فيربينا») وكادوا أن يُغرقوا الناقلة «مارلين لواندا». ومع ذلك، فقد انتشرت لقطات (MV Sounion) المحترقة في جميع وسائل الإعلام العالمية.
وفي وقت الهجوم، كان من الممكن أن تكون الناقلة، التي (ألحقت أضرار جسيمة بخزاناتها) تحتوي على ما يصل إلى 150 ألف طن من المنتجات النفطية، وهذا ما جعل التسرب المحتمل واحداً من أكبر التسربات في تاريخ المنطقة.
ورغم عدم تقديم أي بيانات موضوعية عن التسريبات التي تم تحديدها، فإن الولايات المتحدة تروج بنشاط لموضوع كارثة البحر الأحمر، متهمة أنصار الله بالإرهاب البيئي.
وفي الوقت نفسه، كما أفاد البنتاغون، تعمد أنصار اليمن إلى مفاقمة الوضع، من خلال منع زوارق القطر من الاقتراب من الناقلة المحترقة والتهديد بضرب سفن الإنقاذ.
ويعتقد الغرب أيضاً أن أنصار الله اختاروا السفينة (MV Sounion) كضحية مقدسة؛ فقد أفادت التقارير بأنه بعد الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار على الناقلة، صعد مجموعة من المقاتلين على ظهر السفينة وزرعوا متفجرات لتفجيرها عن بعد وضمان عدم التسرب.
لكن ممثلي الحركة يشككون في هذه الاتهامات. وبحسبهم، فقد تمت السيطرة على التسرب ولم تدخل أي منتجات نفطية إلى البحر الأحمر، خاصة وأن التسرب النفطي المحتمل سيعرض أمن اليمن بأكمله، بما في ذلك المناطق التي تسيطر عليها أنصار الله، للخطر.
إضافة إلى ذلك، لم يتدخل اليمنيون في إجلاء طاقم السفينة المنكوبة، كما وافقوا، بعد بعض المداولات، على السماح بسحب السفن إلى منطقة الحرائق البحرية، بشرط ألا تستغل واشنطن والقوى الغربية الأخرى هذا الهدوء للقيام باستفزازات.
رغم ذلك كان أنصار الله على استعداد للمساعدة في السماح للشركات الأجنبية بالدخول إلى «المنطقة المتضررة»، لكن مع إخضاع أعمالهم للسيطرة الكاملة من قبل قوات الأمن اليمنية.
إن الهدف النهائي لمثل هذه الإجراءات الإعلامية واضح تماما: تأمين وضع أنصار الله كطرف غير قابل للتفاوض، وتحويل جيرانهم في المنطقة ضدهم، وبالتالي استفزاز حلفاء إيران ودفعهم إلى صراع مع دول أخرى في الشرق الأوسط.
ورغم وجود عدد كبير من أدوات النفوذ (بما في ذلك القوة)، فإن الولايات المتحدة غير قادرة حتى الآن على فعل أي شيء لمواجهة نشاط أنصار الله اليمنيين.
فالضربات الجوية على البنية التحتية للحركة لم يسفر عنها نتائج تذكر. كما أن وجود مهمات بحرية قوية في المنطقة («حارس الازدهار» و»أسبيدس»، والتي يتم تعزيز تركيبتها باستمرار) لا يؤدي إلا إلى زيادة حماسة حلفاء إيران.
ولا يستهدف اليمنيون بشكل منتظم السفن المدنية فحسب، بل يستهدفون أيضاً السفن الحربية (بما في ذلك حاملات الطائرات)، وبالتالي يقوضون صورة التحالف.
وفي الظروف التي تفتقر فيها الولايات المتحدة إلى القوة اللازمة للتأثير بشكل مستقل على أنصار الله، يأتي الشركاء الإقليميون (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) إلى الواجهة. إن استخدامهم لتأخير قوات أنصار الله يبدو خياراً محفوفاً بالمخاطر؛ لكنه مغرٍ.
ومع ذلك، فإن العرب ليسوا في عجلة من أمرهم للعودة الكاملة إلى الصراع اليمني. فالمملكة العربية السعودية هي الأكثر نشاطاً في تجنب التفاقم مع أنصار الله اليمنيين، وتجنبت المشاركة في العمليات الانتقامية الأمريكية البريطانية والإسرائيلية، حتى دون تزويد شركائها بـ»استخدام مطاراتها».
بالإضافة إلى ذلك، استقبل السعوديون مهمة «حارس الازدهار» البحرية دون الكثير من الحماس، وقلصوا مشاركتهم فيها إلى مشاركة اسمية.
أما الإمارات العربية المتحدة فقد أضرت «الحرب البحرية» التي شنها اليمنيون بالرفاهية الاقتصادية للبلاد؛ إذ انخفض حجم النقل عبر موانئ الإمارات العربية المتحدة أكثر من النصف مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، وتكبدت الشركات الوطنية المسؤولة عن تنظيم الشحن خسائر كبيرة.
بالإضافة إلى ذلك، ونظراً للعلاقات التجارية الوثيقة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، فإن أبوظبي هي افتراضياً «تحت تهديد السلاح» اليمني، كما ذكر ممثلو الحركة مراراً وتكراراً. وحتى الآن، تمكنت إيران، التي أقامت معها الإمارات «سلاماً بارداً» في العلاقات، من كبح جماح حماسة اتهاماتها.
ومع ذلك، ونظراً للاستقلال الاستراتيجي لليمنيين، فحتى طهران لا تستطيع ضمان السلام المطلق للإمارات.
وأخيراً، فإن الإمارات حريصة على الانتقام في الصراع على النفوذ داخل اليمن بـ»النخبة الجنوبية»، التي نشأت بمشاركة أبوظبي؛ ولكن لم تتمكن قط من الانفصال خلال المرحلة الحادة من الصراع (رغم أنها أعلنت استقلال الجنوب عدة مرات)، وخلال فترة الهدوء وجدت نفسها مدفوعة إلى الخلف من قبل السعوديين من حكم «اليمن الموحد».
لذلك، تحتاج الإمارات إلى تعزيز سلطة الجنرالات الجنوبيين بطريقة أو بأخرى. والعملية ضد أنصار الله (والتي ستسمح أيضاً لأبوظبي بالبقاء خارج الصراع بشكل أساسي) مناسبة تماماً لذلك.
وقد تستخدم واشنطن وأبوظبي قريباً القوات الإماراتية بالوكالة في اليمن لتحويل أنصار الله عن العمليات البحرية.
وتتجلى هذه النية، على سبيل المثال، في حقيقة أن الجنوبيين بدؤوا فجأة مرة أخرى في تركيز قواتهم على طول خط التماس في المناطق المتنازع عليها، رغم أنهم توصلوا قبل عدة أشهر إلى اتفاق مع أنصار الله بشأن الانسحاب المتبادل للوحدات.
ويتم نقل الدبابات القليلة المتبقية لدى الجنوبيين إلى المنطقة، مما يدل على جدية نوايا وكلاء الإمارات.
ولتحقيق أهدافهما، لن يكون على الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة سوى استفزاز أنصار الله ودفعهم إلى الصدام مع الجنوبيين من أجل اتهامهم بتعطيل التسوية في اليمن.
وبطبيعة الحال، فإن مثل هذا المزيج لن يوقف «الحرب البحرية» بشكل كامل. ومع ذلك، فإنه سيصبح عنصراً آخر من عناصر صورة أنصار الله «الخطرين عالمياً»، والتي على أساسها ستواصل واشنطن توسيع التحالف لمواجهة كل من حلفاء إيران وإيران نفسها.

ليونيد تسوكانوف - صحيفة «ريجنوم رو» الروسية