أردوغان.. بُّق وبوق
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، خلال افتتاح السنة التشريعية الثالثة للجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، ألقى الرئيس رجب طيب أردوغان خطابا أعرب فيه عن مخاوف جدية بشأن «إسرائيل». وقال: «بعد فلسطين ولبنان، سيكون وطننا الهدف القادم للإدارة الإسرائيلية التي تتصرف بوحي من وهم أرض الميعاد». وأضاف: «العدوان الإسرائيلي يشمل تركيا أيضا. سنقف ضد إرهاب الدولة هذا بكل الوسائل المتاحة لنا من أجل وطننا وأمتنا واستقلالنا».
وقد أدت هذه التصريحات إلى تصاعد التوترات في العلاقات التركية – «الإسرائيلية» وزيادة الاستياء العام ضد «إسرائيل» في تركيا. مع الأخذ في الاعتبار الاستراتيجيات العسكرية والحقائق الجيوسياسية والديناميات السياسية الحالية في المنطقة، هل هناك احتمال لهجوم عسكري «إسرائيلي» على تركيا؟ وهل حقا تنظر «إسرائيل» وتركيا إلى بعضهما البعض على أن كلا منهما تهديد عسكري للأخرى؟
في 8 تشرين الأول/ أكتوبر، عقدت الجمعية الوطنية الكبرى جلسة مغلقة لمناقشة الهجمات «الإسرائيلية»، وأطلع خلالها وزير الخارجية حقان فيدان، ووزير الدفاع يشار غولر، أعضاء الجمعية على التطورات في الشرق الأوسط. والجلسات المغلقة هي اجتماعات خاصة تُناقش فيها أمور تتعلق بالأمن القومي والعلاقات الخارجية وأسرار الدولة والظروف الاستثنائية، وهي ليست مفتوحة للصحافة، وتبقى محاضرها سرية لمدة عشر سنوات، ويحظر على المشاركين فيها الكشف عن أي تفاصيل. مع ذلك، بعد الاجتماع، قال زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل: «عندما أجرينا تقييماتنا الخاصة، وجدنا أن هجوم إسرائيل على تركيا لن يكون ممكناً بناء على العقل والمنطق؛ قوة إسرائيل، قوة تركيا، وواجبات المنظمات الدولية». إذا كانت حكومة أردوغان تعتقد حقا بأن «إسرائيل» تشكل تهديدا وشيكا لتركيا، فهناك خطوات ملموسة يمكنها اتخاذها. أولا، كعضو في الناتو، يمكن لتركيا الاستناد إلى المادة (4) من معاهدة الناتو، التي تنص على أنه «يتعين على الأطراف التشاور معاً كلما رأى أي منها أن سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي أو أمن أي من الأطراف مهدد». مع ذلك، لم تطلب تركيا مثل هذا التشاور بشأن التهديد «الإسرائيلي» المزعوم.
سياسة خطوط الأنابيب
تحتفظ أذربيجان حاليا بعلاقات سياسية وعسكرية وثيقة جدا مع «إسرائيل». في الوقت ذاته، تصف تركيا وأذربيجان علاقتهما بـ»دولتين وأمة واحدة». وقد رفع «إعلان شوشا»، الموقّع في 15 حزيران/ يونيو 2021، علاقتهما إلى مستوى التحالف، بما في ذلك الالتزام المتبادل بدعم بعضهما البعض إذا تعرض استقلالهما أو سيادتهما أو سلامة أراضيهما أو أمنهما القومي للتهديد. وهذا يعني المساعدة العسكرية المتبادلة إذا لزم الأمر. لذلك، إذا كانت تركيا تتوقع حقا تهديدا عسكريا من «إسرائيل»، فيمكنها، وفقا للإعلان، أن تطلب من أذربيجان إعادة النظر في علاقاتها مع «إسرائيل» وتقديم الدعم الدبلوماسي. إلا أنه لم يُقَدَّم مثل هذا الطلب.
تتلقى «إسرائيل» نحو 40 في المئة من نفطها عبر خط أنابيب باكو - تبليسي - جيهان (BTC)، وهو ممر حيوي للطاقة يمتد من بحر قزوين عبر أذربيجان وجورجيا وتركيا إلى ميناء جيهان التركي، ومنها عبر الناقلات إلى الموانئ «الإسرائيلية». ينقل خط الأنابيب بشكل رئيسي النفط من حقل أذربيجان - شيراغ - ديب ووتر غوناشلي (ACG) في أذربيجان والمكثفات من حقل شاه دنيز. وتدير شركة «بريتيش بتروليوم» (BP) حقل (ACG) نيابة عن شركة أذربيجان الدولية للتشغيل (AIOC)، وهي اتحاد من شركات النفط الدولية. كما يقوم كونسورتيوم آخر، يضم (BP) و(SOCAR) و(MOL) و(Equinor) و(TPAO) و(Eni) و(TotalEnergies) و(ITOCHU) و(INPEX) و(ExxonMobil) و(ONGC Videsh)، بتشغيل خط أنابيب (BTC) وتسويق النفط على مستوى العالم. واعتبارا من 10 أيار/ مايو، أعلنت (BP) عن مشاركة هذا الكونسورتيوم في إدارة خط الأنابيب. وفي الوقت الحالي، يعد خط الأنابيب طريقا مهما يربط بحر قزوين بالبحر الأبيض المتوسط، وهو قادر على نقل 1.2 مليون برميل يوميا. ووفقا للبيانات الأخيرة الصادرة عن اللجنة الإحصائية الحكومية في أذربيجان، ارتفع حجم النفط المنقول عبر خط أنابيب (BTC) بنسبة 1.6 في المائة عام 2023، ليصل إلى 30.2 مليون طن حُمِّلَت على 313 ناقلة في ميناء جيهان. بالنظر إلى الحصة الكبيرة من النفط الكازاخستاني والأذربيجاني في إمدادات النفط الخام «الإسرائيلية»، يعد خط أنابيب (BTC) محورياً في تسهيل تجارة الطاقة هذه.
التغلب على القيود القانونية
ورغم اعتماد «إسرائيل» على النفط من ميناء جيهان، تفتقر تركيا إلى سلطة وقف تدفق النفط، إلا في ظل ظروف قاهرة، وفقا للاتفاقيات الموقعة مع الكونسورتيوم الذي تقوده (BP)؛ إذ إن «اتفاقية الحكومة المضيفة» (HGA) و»الاتفاقية الحكومية الدولية» (IGA) التي تدعم مشروع خط أنابيب (BTC) تلزم أنقرة قانونا بضمان تدفق النفط بشكل مستمر. وتتضمن هذه الاتفاقيات أحكاما تلزم الدول الموقعة، بما فيها تركيا، بالتزامات تتجاوز القانون الدولي النموذجي للمعاهدات. وعلى وجه التحديد، فإنها تجعل الدول الموقعة مسؤولة من دون قيد أو شرط عن أي تأخير في البناء أو نقل النفط، بغض النظر عن السبب. وهذا يمنح الكونسورتيوم الدولي وضعا قانونيا متميزا على الدول الوطنية، ويتطلب من الدول التخلي عن بعض السلطات السيادية، مثل التشريع وحقوق التقاضي. لذلك، حتى لو أرادت تركيا تعليق تدفق النفط إلى «إسرائيل» لأسباب سياسية، فمن المرجح أن تمنع بنود المسؤولية الصارمة والأحكام الأخرى في اتفاقيات بيتكوين ذلك قانونيا. ومع ذلك، إذا كانت حكومة أردوغان تعتقد حقا أن «إسرائيل» تشكل تهديدا عسكريا لتركيا، فيمكنها إخطار الأطراف المعنية والمطالبة بإعادة التفاوض على (HGA) و(IGA)، بحجة أن الظروف قد تغيرت منذ توقيع المعاهدات عندما كانت لـ»إسرائيل» وتركيا علاقات جيدة. ورغم تأكيدات الحكومة بأن «إسرائيل» تشكل الآن تهديدا للأمن القومي، لم يُقَدَّم مثل هذا الطلب لإعادة التفاوض.
التجارة التركية مع «إسرائيل» عبر فلسطين
ورغم موقف تركيا الرسمي بوقف كل أشكال التجارة مع «إسرائيل»، يبدو أن الشركات التركية تتحايل على هذا الحظر من خلال توجيه الصادرات عبر فلسطين. وتوضح البيانات الصادرة عن مجلس المصدرين الأتراك (TIM) ارتفاعا كبيرا في الصادرات التركية إلى الأراضي الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، زادت صادرات الصلب التركية إلى فلسطين، والتي بلغت 156,000 دولار في عام 2023، بنسبة غير عادية بلغت 30,930٪، لتصل إلى 68 مليون دولار هذا العام. وبالمثل، بلغت صادرات الأسلاك التركية إلى فلسطين 1,366 دولارا فقط في عام 2023، ولكن في آب/ أغسطس 2024 وحده، ارتفعت هذه الصادرات إلى حد بعيد بنسبة 128,000٪ لتصل إلى 1.75 مليون دولار. وتشير التقارير إلى أن هذه الصادرات، المتجهة رسميا إلى فلسطين، تصل في الواقع إلى «إسرائيل»، وتحديدا الجيش «الإسرائيلي». وتشير معلومات إلى أن شركة «باموكالي» للأسلاك في دنيزلي هي المورد الرئيسي للأسلاك للجيش «الإسرائيلي».
المواقف السياسية في مقابل العلاقات العملية
وتثير هذه التطورات تساؤلات حول موقف تركيا الحقيقي من «إسرائيل» باعتبارها تهديدا أمنيا. فرغم الخطاب العدواني لحكومة أردوغان، صرح الرئيس «الإسرائيلي» إسحاق هرتسوغ في خطاب ألقاه أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى أن «إسرائيل» ليس لديها نوايا عدائية تجاه تركيا، مؤكدا أنه ليست هناك خطط ضدها. وهذا يشير إلى أن كلا البلدين، في الممارسة العملية، لا ينظران إلى بعضهما البعض على أن أياً منهما يشكل تهديداً وجودياً للآخر، رغم المواقف السياسية التي تشير إلى عكس ذلك.
في آخر المطاف، لا يعني الخطاب السياسي المتوتر بين تركيا و«إسرائيل» بالضرورة أن البلدين ينظران إلى بعضهما البعض على أن أياً منهما يشكل تهديدا عسكريا للآخر. وتعمل العلاقات الاقتصادية والحقائق الجيوسياسية والاتفاقيات الدولية كعوامل مقيدة مهمة في علاقاتهما الثنائية. ويمكن اعتبار تصريحات الرئيس أردوغان رسائل موجهة إلى الداخل. مع ذلك، لا يزال من غير المؤكد كيف سيؤثر هذا الخطاب على العلاقات التركية – «الإسرائيلية» على المدى الطويل ويشكل الديناميات الإقليمية. وسيستمر مستقبل العلاقة المعقدة بين البلدين في التطور في إطار التطورات الإقليمية والتوازنات العالمية.
الباحث سوات ديلغن -
ضابط متقاعد في البحرية التركية
* العنوان الأصلي:
«هل تكون تركيا الهدف التالي لإسرائيل؟!».
المصدر «لا» 21 السياسي