خليفة «الخيار» الاستراتيجي
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي
«لا» 21 السياسي -
عبر حسابه على إنستغرام، بثَّ عضو البرلمان التركي المعارض مصطفى ينر أوغلو، مقطع فيديو، يستجوب فيه حكومة أنقرة بخصوص تصدير وقود وأسمنت ومواد غذائية وحديد وصلب، فضلاً عن وقود طائرات، عبر 300 سفينة شحن من الموانئ التركية إلى نظيرتها «الإسرائيلية» منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
البرلماني نائب رئيس حزب «ديفا» المعارض، عضو الجمعية الوطنية التركية الكبرى، وجَّه تساؤلات استنكاريةً إلى حكومة بلاده: «كيف تفسِّرون تمرير تلك الشحنات؟! هل تدعم تركيا بشكل غير مباشر الجرائم ضد الإنسانية في فلسطين؟! كيف يمكننا تفسير احتجاجكم على الرأي العام المحلي في مواجهة تلك الاتهامات؟! هل هناك تفسير لإمداد إسرائيل بنسبة 65% من الحديد والصلب الذي تستخدمه في صناعتها العسكرية؟! هل ينبغي على تركيا إعادة النظر في دعمها لإسرائيل، والتراجع عن تواطئها مع جرائم الحرب الإسرائيلية، وإظهار موقف أكثر إقناعاً للرأي العام في هذا الشأن؟!». وأضاف: «إنّا لمنتظرون».
وفي بيان صحافي على موقعه الإلكتروني، أوضح ينر أوغلو أن وزارة التجارة التركية، وبموجب قرار من الرئيس رجب طيب أردوغان، فرضت حظراً على تصدير بعض السلع إلى «إسرائيل» اعتباراً من 9 نيسان/ أبريل 2024، أي بعد نحو 6 أشهر من العدوان على قطاع غزّة، وأعلنت في 2 أيار/ مايو 2024، تجميد حركة التجارة مع «إسرائيل» تماماً.
إلا أن بيانات معهد الإحصاء التركي عن شهر آب/ أغسطس 2024، التي استند إليها البرلماني التركي، تؤكد أن التجارة ازدادت بشكل فلكي مع شركات فلسطينية برغم توقفها مع «إسرائيل»، وطرأ ارتفاع غير مسبوق على مبيعات بضائع مثل «الأسلاك الشائكة»، و»الحديد والصلب»، ما يعزز ادعاءات استمرار التجارة التركية مع «إسرائيل»، ولكن عبر شركات فلسطينية.
بيانات أكثر تفصيلاً، أشارت إلى ارتفاع بنسبة 423% في معدل الصادرات التركية إلى فلسطين خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، مع ارتفاع الصادرات في آب/ أغسطس وحده، بأكثر من 1،150%. وأثارت هذه الزيادة تكهنات بوصول البضائع إلى «إسرائيل» عبر منظومة الجمارك الفلسطينية؛ فالبضائع التركية التي كانت تتجه في السابق إلى «إسرائيل»، تتجه الآن إليها أيضاً ولكن عبر الأراضي الفلسطينية.
وتشمل القطاعات الرئيسية المستفيدة من إعادة توجيه التجارة التركية إلى «إسرائيل»، الصلب والكيماويات ومنتجات التعدين. على سبيل المثال، قفزت صادرات الصلب إلى فلسطين بنسبة 8,722%، خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، حيث ارتفعت من 430 ألف دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، إلى 37.9 ملايين دولار. وفي آب/ أغسطس، ارتفعت صادرات الصلب وحدها بنسبة مذهلة بلغت 125,437%، حيث ارتفعت من 17,400 دولار في العام الماضي، إلى 21.8 ملايين دولار. وبالمثل، ارتفعت صادرات المواد الكيميائية إلى فلسطين بنسبة 3,388% في آب/ أغسطس، في حين ارتفعت صادرات منتجات التعدين بنسبة 62,174%، بحسب موقع (turkishminute) التركي.
طبقاً للغة الأرقام، ارتفع معدل صادرات تركيا إلى موانئ «إسرائيل» بنسبة 526% بعد دخول قرار الحظر حيز التنفيذ؛ وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري 2024، ارتفعت الصادرات إلى الأراضي الفلسطينية بنسبة 35% لتصل إلى 49.4 ملايين دولار، وفقاً لبيانات جمعية المصدرين الأتراك (TIM).
وبينما عدّ وزير التجارة التركي عمر بولات، «مزاعم إسرائيل» حول تخفيف أنقرة الحظر التجاري مع «إسرائيل»، «محض خيال ولا علاقة لها بالواقع»، تلاقت الأرقام الرسمية التركية، وقاعدة بيانات مؤسسة (statista) الإحصائية الدولية، لتشير إلى أنه «بعد فترة من التراجع انتعش حجم الصادرات التركية إلى إسرائيل بداية من الربع الأول لعام 2024». إلا أن البيانات «الإسرائيلية» كانت أكثر انكشافاً على الإشكالية، وأكدت استغلال «إسرائيل» ثغرة الشركات الفلسطينية، وحوّلتها إلى طريق سريع لتمرير الصفقات.
وفقاً لصحيفة «غلوبس» المتخصصة في الشأن الاقتصادي، حصلت خلال تموز/ يوليو الماضي، «قفزة مباغتة في معدل صادرات تركيا إلى فلسطين بنسبة 1,180%، والتي ينتهي طريقها في حقيقة الأمر إلى إسرائيل. وبعيداً عن قرار الحظر، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى فلسطين 119.6 ملايين دولار، مقابل 9.3 ملايين دولار فقط في تموز/ يوليو العام الماضي 2023».
وتقول الصحيفة «الإسرائيلية» إنه «وضع مربح للجانبين، حيث يكفي المستورد الإسرائيلي الذي عمل لسنوات عديدة مع مورّد تركي، العثور على رجل أعمال أو شركة فلسطينية، لتحريك البضائع بسهولة ويُسر من تركيا إلى إسرائيل. الفلسطينيون أيضاً يستفيدون من الوضع، إذ تتراوح عمولة الفلسطيني في الضفة الغربية ما بين 5% إلى 8% من إجمالي قيمة الصفقة، لمجرد تسجيلها باسم شركته؛ كما يسمح التسجيل بوصول البضائع إلى الموانئ في إسرائيل».
وفيما نص قرار أردوغان على حظر تصدير 54 منتجاً تركياً إلى «إسرائيل»، لاسيما مواد البناء، كشفت بيانات «غلوبس» زيادات في نسبة استيراد المواد نفسها خلال تموز/ يوليو الماضي. ففي الأسمنت بلغت الزيادة 46.3% قياساً بالعام الماضي 2023، فضلاً عن زيادة بنسبة 51% في الفولاذ؛ وفي ما يتعلق بقطاع السيارات، وصلت الزيادة إلى 5,000%، والمنتجات المعدنية 14.3 ملايين دولار؛ بالإضافة إلى منتوجات لم يعتد الفلسطينيون استيرادها من تركيا، بحسب جمعية المصدرين الأتراك، ومنها: المجوهرات التي ارتفعت من صفر إلى 170 ألف دولار، والأثاث بـ12 مليون دولار خلال شهر تموز/ يوليو فقط.
التفاف آخر على قرار الحظر التركي، ابتكرته وزارة الزراعة «الإسرائيلية» خلال تموز/ يوليو الماضي. وبحسب تقرير للصحيفة نفسها، اعتمدت الوزارة إجراءً يهدف إلى مساعدة المستوردين على تفادي قرار الحظر عبر استيراد الفواكه والخضروات بما في ذلك الطماطم التركية من خلال دول ثالثة. ونظراً إلى تأثير الظروف المناخية على محصول الطماطم خلال آب/ أغسطس، نشرت وزارة الزراعة «الإسرائيلية» في 26 من الشهر ذاته، «تعليمات استيراد الطماطم من تركيا في أثناء الأزمات أو الطوارئ»، موضحةً أنه بموجب هذا الإجراء، يتمكن المستوردون «الإسرائيليون» من نقل البضائع التركية إلى دولة ثالثة ومن هناك إلى «إسرائيل».
ومنذ يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وحتى 11 شباط/ فبراير 2024، بلغ عدد أطنان صادرات الفواكه والخضراوات الواصلة إلى «إسرائيل»، 119.715 طناً، من بينها 65.410 أطنان، بلد المنشأ لها تركيا والأردن، وتفوق كمية تصدير الخضار لـ»إسرائيل» من شركات الدولتين، ما تم تصديره من دول مثل أمريكا وإيطاليا وهولندا والصين، إلى «إسرائيل».
وصدّرت شركات تركية لوحدها 39.713 طناً من الخضراوات والتفاح، فيما صدّرت شركات أردنية 25.697 طناً من أنواع مختلفة من الخضراوات. وجميع صادرات الطماطم التي وصلت إلى إسرائيل منذ بدء الحرب، مصدرها الأراضي التركية والأردنية، حيث صدّرت شركات تركية 18004 أطنان من الطماطم، فيما صدّرت شركات أردنية 11113 طناً.
كذلك فإن المصدر الوحيد لصادرات الخيار التي وصلت إلى «إسرائيل» منذ بدء الحرب هي شركات تركية وأردنية، وتظهر البيانات أن الشركات الأردنية لوحدها صدّرت 9975 طناً (80.4% من المجموع الكلي لصادرات الخيار)، في حين صدّرت الشركات التركية 2425 طناً.
أيضاً كانت الشركات التركية والأردنية المصدر الوحيد لخضراوات أخرى وصلت إلى «إسرائيل»، مثل الكوسا، والفلفل.
على خط موازٍ، تواترت التعليقات على ازدواجية الموقف الرسمي التركي والتفاف «إسرائيل» عليه، وفي حين يرى معدّو تقرير (turkishminute)، وهو موقع تركي معارض في ألمانيا، أن أردوغان الذي يقدّم نفسه دائماً باعتباره مؤيداً قوياً للقضية الفلسطينية، وغالباً ما ينتقد تصرفات «إسرائيل» في المنطقة، ما زالت علاقة بلاده الاقتصادية مع «إسرائيل» مهمةً للغاية، إذ وصل حجم التجارة الثنائية بين الجانبين إلى 6.3 مليارات دولار في عام 2023.
أما الدكتور تشاي إيتان كوهين يانروجاك، الخبير في الشؤون التركية في مركز موشيه ديان في جامعة تل أبيب والقدس، فيقول لصحيفة «غلوبس»: «خلافاً لقرار أردوغان بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، يضاهي «المال» في هذه الحالة «الماء»، لا يعترف بالجدران ويجد طريقه عبرها»، ويضيف: «لا تترك البيانات الرسمية مجالاً للشك في أن رجال الأعمال الأتراك والإسرائيليين وجدوا طريقةً للتحايل على قرار الحظر الذي فرضه الرئيس التركي».
المصدر «لا» 21 السياسي