عادل بشر / لا ميديا -
أكدت وسائل إعلام أمريكية أن الولايات المتحدة أُجبرت على التراجع عن عملياتها العسكرية في اليمن، بعد ثبوت عجز الخيار العسكري في ردع القوات المسلحة اليمنية، أو التأثير على قدراتها الحربية وإصرارها على الاستمرار في إسناد غزة، الأمر الذي دفع بالرئيس ترامب إلى البحث عن مخرج معلناً في 6 آيار/مايو الجاري، وقف إطلاق النار مع صنعاء مقابل التزام الأخيرة بعد استهداف سفن واشنطن في البحر الأحمر.

إضعاف الجيش الأمريكي
مجلة «ذا ناشيونال إنترست» أولت اتفاق وقف إطلاق النار بين واشنطن وصنعاء، اهتماماً كبيراً، حيث ركزت تقاريرها وتحليلاتها خلال اليومين الماضيين على هذا الأمر.
ووصفت المجلة «وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب» بأنه «خبر سار لأمريكا»، مؤكدة أن «الولايات المتحدة لا تستطيع هزيمة الحوثيين عسكريا، ومحاولاتها للقيام بذلك من شأنها أن تؤدي إلى إضعاف الجيش الأميركي بشكل أكبر».
وقالت إن هذا الاتفاق «ليس نصرًا عسكريًا بأي حال من الأحوال كما يحاول بعض الأمريكيين تصويره»، مضيفة: «في الواقع، أعلن الحوثيون بعد تصريحات ترامب بوقت قصير أنهم سيواصلون استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، وهو السبب الذي دفع الولايات المتحدة إلى بدء عملياتها ضد الحوثيين في المقام الأول. بل إن وقف إطلاق النار جاء نتيجةً لعجز البحرية الأمريكية عن هزيمة الحوثيين، مهما بلغ عدد الأهداف التي قصفت جوًا في اليمن».
وأشارت المجلة إلى أن من وصفتهم بـ»الحوثيين» في اليمن، هم «قوى محلية ذات روابط عميقة بالأرض والثقافة والشعب، وهزيمة مثل هذه القوى أمر شبه مستحيل بالنسبة للجيوش الأجنبية وخاصةً للقوات الاستكشافية من النوع الذي تُجسده القوات الأمريكية».. لافتة إلى أن صنعاء «نجحت في تقويض العلاقة الأمريكية الإسرائيلية المتوترة، ومع غياب أمريكا عن المشهد، سيسعى الحوثيون بالتأكيد إلى تركيز كامل قوتهم النارية على إسرائيل في الأسابيع المقبلة».
ورجحت المجلة أن يستمر وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن، كونه «وبالنظر إلى إدارة ترامب، فإنها تريد بوضوح الخروج من المأزق الذي وقعت فيه مع الحوثيين. علاوة على ذلك، لو استمرت حرب أمريكا ضد الحوثيين، نظرًا لاحتمال وجود أسلحة تفوق سرعتها سرعة الصوت في أيديهم، لكان الأمر مسألة وقت فقط قبل أن تتضرر أو تغرق إحدى حاملات الطائرات الأمريكية التي يُفاخر بها، وهو ما كان سيُمثل كارثة على الجيش الأمريكي».
وخلصت إلى القول: «في الوقت الراهن، هناك أمر واحد مؤكد وهو أن الأمريكيين غير قادرين على هزيمة الحوثيين عسكريًا، لذلك فترامب مُحق في إيجاد مخرج».

الحل إنهاء العدوان على غزة
وفي تقرير آخر قالت «ذا ناشيونال إنترست» إن «إدارة ترامب المعروفة بجهودها المكثفة لإبراز انتصاراتها السياسية، تدعي النجاح في الحملة المتجددة ضد الحوثيين منذ منتصف آذار/مارس الماضي، لكنها ترفض الكشف عن الكثير من الأدلة التي تؤكد هذا النجاح، مما يُقلّل من الثقة في مثل هذه التصريحات».
وأضافت: «بدلاً من التدمير الذي يدعيه كبار مسؤولي ترامب علنًا، قام الحوثيون مرة أخرى بتحصين مواقع حيوية وتفريق الموارد والأفراد، تمامًا كما فعلوا خلال حملة القصف التي قادتها السعودية بين عامي 2015 و2022. وفي الوقت نفسه، تبلغ تكلفة العملية مليارات الدولارات، بخلاف نجاح الحوثيين في إسقاط العديد من طائرات MQ-9 Reaper بقيمة 30 مليون دولار للطائرة الواحدة». مشيرة إلى أن «الخطر على القوات الأمريكية لايزال مرتفعًا أيضًا. في 28 نيسان/ أبريل، نجت حاملة الطائرات ترومان بصعوبة بالغة من نيران الحوثيين. وفي تلك الحادثة، سقطت في البحر طائرة إف-18، تبلغ قيمتها حوالي 68 مليون دولار. وفُقدت طائرة إف-18 أخرى في حادث غامض في 6 أيار/ مايو الجاري. ويصف مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى القتال بأنه الأشد ضراوة للبحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية».
وخلص التقرير إلى القول: «سيكون من الحكمة أن يستمع ترامب إلى جناح ضبط النفس في البيت الأبيض، ويختار حلاً للمشكلة القائمة منذ عام 2023، حيث يواصل الحوثيون ربط هجماتهم في البحر الأحمر بوقف إطلاق النار في غزة، وقد عملوا بناءً على الوعد بأن تلك الهجمات ستنتهي عندما تنتهي الحرب على القطاع، وإذا كان ترامب صانع صفقات بحق، فسيُدرك أن صفقة واحدة كفيلة أخيرًا بتهدئة الشرق الأوسط إذا تحلّى بالشجاعة السياسية اللازمة لتحقيقها» في إشارة إلى الضغط على الكيان الصهيوني لإيقاف العدوان ورفع الحصار عن غزة.

تكلفة كبيرة
من جهتها شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية نقلت عن مسؤول أمريكي مطلع على العمليات العسكرية للولايات المتحدة ضد اليمن، القول: «من الواضح أن الإدارة كانت تبحث عن مخرج لهذه الحملة ضد الحوثيين».
وأوضح مسؤول آخر لذات الشبكة أن «النجاح في القتال منذ آذار/ مارس كان من الصعب قياسه، فالطائرات بدون طيار الأميركية التي أُرسلت لتحديد ما إذا كانت الأهداف قد تعرضت للضرب غالبا ما أسقطها الحوثيون، ولم تكن هناك قوات أميركية على الأرض في اليمن يمكنها تقييم فعالية الحملة لصالح البنتاغون».
وأكد المسؤلان الأمريكيان أن الحملة التي قادها ترامب ضد اليمن «جاءت بتكلفة كبيرة وأدت إلى استنزاف المخزونات الأميركية العسكرية، حيث استخدم البنتاغون في قصفه لليمن خلال هذه الحملة قرابة ألفي قنبلة وصاروخ»، بخلاف نفقات نقل نظام الدفاع الجوي «باتريوت» والإمدادات العسكرية التي جرى نقلها بحراً وجواً.

تفوق الحوثيين
في غضون ذلك نشرت مجلة «فورين آفيرز» تقريراً بعنوان (كيف تفوق الحوثيون على أمريكا؟)، أكدت في ملخصه أن «الإدارة الأمريكية كانت تبحث عن مخرج، لذلك انتهت حملة القصف التي شنتها إدارة ترامب ضد الحوثيين في اليمن فجأة كما بدأت».
وعلق التقرير على إعلان ترامب وقف الهجمات على اليمن مقابل التزام صنعاء بعدم استهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر بالقول إن «موقف الحوثيين لم يتغير جوهريًا منذ أن بدأت إدارة ترامب حملتها الجوية المُتصاعدة في 15 مارس. عندما بدأت العملية، كان الحوثيون يستهدفون إسرائيل صراحةً وكذلك السفن المرتبطة بها وقالوا إنهم سيواصلون القيام بذلك حتى تُنهي إسرائيل حربها في غزة. كما أوضح قادة الحوثيين، حينها، أنه إذا أوقفت واشنطن القصف، فسيتوقفون عن مهاجمة السفن الأمريكية، لكن هجماتهم على إسرائيل ستستمر».
وأضاف: «بعد إعلان ترامب عن اتفاق 6 أيار/ مايو، كرر المتحدث باسم الحوثيين، محمد عبدالسلام، هذا الموقف.
وأردف التقرير: «بعبارة أخرى، بعد عملية عسكرية أمريكية كلفت أكثر من ملياري دولار، وكان من المفترض أن يكون لها تأثير بعيد المدى على القدرات العسكرية للحوثيين، فإن وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين لا يُسهم إلا في ترسيخ موقف الحوثيين الأصلي. ورغم أن ترامب زعم أن الحوثيين استسلموا، فإن الجماعة لاتزال تحتفظ بالسلطة ووصفت الاتفاق بأنه انتصار لليمن».
وأكد التقرير أنه «بالنسبة لإدارة ترامب، وفّر وقف إطلاق النار نهاية سريعة لحملةٍ كانت تزداد صعوبةً وغير قابلة للاستمرار على نحو متزايد»، مضيفاً: «باختصار، على الرغم من أن الحملة الأمريكية وضعت الحوثيين تحت ضغط هائل، إلا أنهم لم يُثنوا، ناهيك عن هزيمتهم».