تقرير / لا ميديا -
في سياقٍ يشي بنية واضحة لفرض حالة عدوان دائم، يواصل العدو الصهيوني تصعيد خروقاته في قطاع غزة، ضمن سياسة خبيثة تهدف إلى تثبيت واقع العدوان كأمرٍ مفروض على الفلسطينيين وعلى المنطقة بأسرها. هذا التصعيد الجديد ليس حادثاً عابراً، بل جزء من استراتيجية احتلالية تسعى لتوسيع الاحتلال عبر السيطرة الفعلية والسيطرة النارية.
وفي أحدث حلقات هذا التصعيد، أكدت مصادر طبية في مستشفيات القطاع استشهاد 22 فلسطينياً جراء سلسلة غارات صهيونية استهدفت دير البلح والنصيرات ومدينة غزة خلال الساعات الماضية، في أوسع وأخطر تصعيد منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار. وتحدثت المصادر عن إصابات عديدة في صفوف المدنيين، معظمهم من النازحين الذين يعيشون أوضاعاً إنسانية متدهورة منذ بداية الحرب.
غارات مكثفة في أربع مدن وعمليات تدمير ممنهجة
ومنذ فجر أمس، شنت قوات الاحتلال عشرات الغارات الجوية وقصفاً مدفعياً مكثفاً على مناطق شرقي رفح وخان يونس، إضافة إلى حيي التفاح والشجاعية شرقي غزة، في مناطق واقعة تحت سيطرته وفق اتفاق وقف النار.
كما شهدت دير البلح توسعاً في عمليات القصف ونَسْف المنازل بواسطة عربات مفخخة، في تكتيك بات الاحتلال يستخدمه بشكل شبه يومي لفرض تغييرات ميدانية.
المشهد الميداني يوحي بأن العدو يسعى إلى تعديل مناطق السيطرة بشكل قسري، عبر تفجير البنية السكانية ودفع آلاف العائلات إلى النزوح من جديد، وهو ما يتكرر في المناطق الشرقية لغزة، حيث تتواصل موجات الخروج من حيي التفاح والشجاعية بسبب توسع التوغلات الصهيونية.
اعترافات «إسرائيلية» تؤكد الخرق الممنهج
وفي اعتراف جديد، أقر الاحتلال بأنه قتل خمسة فلسطينيين السبت، زاعماً أن ثلاثة «خرجوا من نفق في رفح»، فيما ادعى أن اثنين «عبّرا الخط الأصفر» في شمال القطاع.
هذه الاتهامات، التي تتكرر بعبارات مختلفة منذ أسابيع، تحولت إلى مبرر جاهز لإطلاق النار ومصادرة حياة الفلسطينيين في أي لحظة، حتى في مناطق لا تشهد أي مواجهات، بحسب مصادر طبية وميدانية.
على صعيد الأرقام، أعلنت وزارة الصحة في غزة استشهاد 318 فلسطينياً وإصابة 788 منذ بدء سريان الاتفاق، إضافة إلى انتشال جثامين 572 شهيداً من تحت الأنقاض خلال الفترة نفسها. وبذلك ترتفع حصيلة شهداء الإبادة في غزة إلى 69,733 شهيداً و170,863 مصاباً منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
هذه الأرقام المفزعة من الشهداء والجرحى في ظل وقف إطلاق النار يؤكد أن العدو يعامل الاتفاق باعتباره مجرد هدنة شكلية تتيح له متابعة العمليات دون إعلان حرب جديدة.
وتؤكد الوقائع المتسارعة اليوم أن العدو يسعى لفرض معادلة جديدة عنوانها: وقف إطلاق نار بلا وقف للعدوان.
حماس تحذر: الاتفاق ينهار
إزاء ذلك، قال مصدر قيادي في حركة المقاومة الإسلامية حماس إن الحركة أبلغت الوسطاء غضبها من استمرار العدوان رغم التزام الفصائل بالاتفاق.
وطالبت الحركة الوسطاء بالتدخل الفوري لإلزام «إسرائيل» بوقف عملياتها التي «تهدف صراحة إلى تقويض الاتفاق».
وأكد المصدر أن الاحتلال «يسعى إلى فرض تغييرات على خطوط الانسحاب، وإزالة الخط الأصفر تدريجياً، ودفع النزوح خارج المناطق المتفق عليها»، محذراً من أن هذا السلوك قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق بالكامل.
وفي بيان منفصل، قالت حماس إن الخروقات الصهيونية «أسفر عنها ارتقاء مئات الشهداء، وتغييرات ميدانية لا تخدم أي تفاهم سياسي»، مضيفة أن حكومة بنيامين نتنياهو «تستخدم الهدنة لتسجيل مكاسب على الأرض بعد عجزها عن تحقيق أي إنجازات استراتيجية طوال عامين من الحرب».
وطالبت الحركة الوسطاء بالضغط الجاد لوقف الانتهاكات، داعية الإدارة الأميركية إلى «الوفاء بتعهداتها» التي قطعتها بشأن ضمان التزام «إسرائيل» بالاتفاق.
واشنطن تعلن دعم الخروقات
وفي دليل إضافي على الشراكة الكاملة بين أمريكا والكيان في صناعة العدوان، نقل موقع «أكسيوس» الأمريكي عن مسؤول في إدارة ترامب قوله إن الولايات المتحدة تدعم الهجمات «الإسرائيلية» على غزة دعماً صريحاً. هذا التصريح لا يفضح انحيازاً فحسب، بل يكشف تورّطاً سياسياً وأخلاقياً وشراكة في الجريمة.
فالولايات المتحدة، التي تدّعي لعب دور الوسيط، تظهر هنا كفاعل رئيسي يدفع بعجلة التصعيد، ويمنح العدو الصهيوني التفويض المفتوح لتجاوز الاتفاق وفرض وقائع ميدانية بالقوة. ما تسميه واشنطن «دعماً للحليف» لا يعني سوى توفير المظلة السياسية لكي يواصل الاحتلال سياساته التخريبية، ويعيد تشكيل خطوط السيطرة في القطاع الذي يتعرض لأبشع وأعنف أنواع الحروب.
وهذا ما تؤكده المقاومة الفلسطينية مراراً: «إسرائيل» لا تتحرك في الظلام ولا تتصرف منفردة، بل تتحرك تحت ضوء أميركي ساطع، يحرص على مساعدتها في إعادة رسم المشهد بما يخدم مشروعها.
تدهور صحة أحمد سعدات... نموذج آخر لعقلية الانتقام
على جبهة الأسرى الفلسطينيين، كشف مكتب إعلام الأسرى عن تدهور خطير في الحالة الصحية لأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد سعدات (72 عاماً)، نتيجة اعتداءات جسدية ونفسية متكررة داخل الزنازين الصهيونية.
وبحسب البيان، فقد نُقل سعدات مؤخراً من عزل مجدو إلى عزل جانوت، وتعرض فور وصوله «للضرب الوحشي»، بعد سلسلة طويلة من الاقتحامات والتفتيشات المهينة، وتراجع واضح في وزنه، وإصابات وتنكيل متواصل.
وحمّل المكتب «إدارة السجون» الصهيونية المسؤولية الكاملة عن حياته، مؤكداً أن ما يتعرض له سعدات «ليس مجرد انتهاك، بل سياسة منظمة تستهدف تصفية رموز الحركة الوطنية داخل السجون ببطء».
وسعدات أمين عام للجبهة الشعبية منذ عام 2001، ويقضي حكماً بالسجن 30 عاماً منذ اختطافه عام 2006، على خلفية اتهامه بقيادة الجبهة في اغتيال «وزير السياحة الإسرائيلي»، رحبعام زئيفي، عام 2001.










المصدر لا ميديا