من الأحمر إلى الكاريبي..اعتراف دولي جديد بانهيار التفوق البحري الأمريكي أمام الردع اليمني
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
لم يعد الحديث عن التحولات التي أحدثتها صنعاء في معادلات الصراع البحري مجرد خطاب سياسي يمني أو دعاية عسكرية محلية، ويبدو أن تداعيات معركة البحر الأحمر بين القوات المسلحة اليمنية والبحرية الأمريكية قد تجاوزت حدود الإقليم، لتتحول إلى مادة تحليل في الصحافة الفرنسية والدوائر السياسية الروسية، بعدما أظهرت الأشهر الماضية أن الولايات المتحدة، وبعد أربعة عقود من الهيمنة على طرق الملاحة الدولية، باتت تواجه تحديها الأخطر على يد قوة غير تقليدية قادمة من اليمن.
ففي الوقت الذي نشرت فيه مجلة «فوتورا سيونس» الفرنسية تقريراً مطولاً وصفت فيه ما حدث لحاملة الطائرات الأمريكية «هاري إس ترومان» في البحر الأحمر بأنه «إذلال للبحرية الأمريكية»، خرج نائب رئيس لجنة مجلس الدوما للسياسة الاقتصادية في موسكو، ميخائيل ديلياجين، بتصريح لافت حول عملية «الرمح الجنوبي» التي تنفذها البحرية الأمريكية قُبالة فنزويلا، محذراً من أن ظهور «نسخة يمنية» هناك سيُغير ميزان القوة بالكامل ويجبر أمريكا على التراجع بدل الهجوم.
انتكاسة وإذلال
تقرير مجلة «فوتورا سيونس»، الذي نشرته على موقعها الالكتروني، أمس الأول، بعنوان «إليكم عودة حاملة الطائرات ترومان، التي يُنظر إليها على أنها إذلال للبحرية»، أفاد بأن «البحرية الأمريكية شهدت انتكاسة كبيرة في البحر الأحمر، من بينها فقدان ثلاث طائرات «سوبر هورنت»، التي تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 60 مليون دولار»، موضحاً بأن «حاملة الطائرات ترومان، التي كان من المفترض أن تُبرز القوة الأمريكية في وجه الحوثيين، شهدت سلسلة من الأعطال الفنية والبشرية خلال مهمتها التي استمرت ستة أشهر، وهو فشل استراتيجي يُثير شكوكاً حول فاعلية الأسطول الرائد عالمياً».
ولفت التقرير إلى أن المقاتلين اليمنيين، رغم تواضعهم تقنياً مقارنةً بالأسطول الأمريكي، تمكنوا من مواصلة الضغط، متحدّين بذلك الهيمنة الأمريكية في هذه المياه الاستراتيجية.
واستعرضت المجلة الفرنسية الحوادث المكلفة والمحرجة التي شهدتها مهمة حاملة الطائرات الأمريكية «ترومان» قبل عودتها ذليلة إلى «نورفولك»، مشيرةً إلى أن «الضرر الذي لحق بهيبة البحرية الأمريكية وقدرتها العملياتية كان كبيراً».
وأكدت أن «فشل البحرية الأمريكية في البحر الأحمر يثير تساؤلات حول الفاعلية العملياتية للقوة البحرية الرائدة في العالم»، مضيفة: «فإذا كانت البحرية الأمريكية قد عانت كل هذا العناء في مواجهة الحوثيين، فكيف سيكون حالها في مواجهة البحرية الصينية سريعة التوسع في المحيط الهادئ؟».
نموذج يمني في فنزويلا
في المقابل، قدّم نائب رئيس لجنة مجلس الدوما للسياسة الاقتصادية، ميخائيل ديلياجين، قراءة مختلفة ولكنها تتقاطع تماماً مع الخلاصة الفرنسية.
ففي تحليله للعمليات البحرية المسماة «الرمح الجنوبي» التي تنفذها الولايات المتحدة قبالة فنزويلا بمشاركة حاملة الطائرات العملاقة «جيرالد فورد»، قال ديلياجين إن الهدف الحقيقي من نشر حاملات الطائرات هذه في منطقة البحر الكاربيبي ليس مكافحة تهريب المخدرات، كما تزعم واشنطن، بل الاستيلاء على الساحل الفنزويلي، حيث تتركز منشآت النفط الاستراتيجية، أو الدفع نحو انقلاب سياسي في كاراكاس وإسقاط الرئيس نيكولاس مادورو بالقوة، بعد سنوات من العقوبات الأميركية ودعم المعارضة بقيادة خوان غوايدو، إذ فشلت في إحداث اختراق سياسي داخل البلاد.
غير أن الأهم في تحليله، الذي نشره، أمس، موقع «روسيا نيوز»، كان تعقيبه على نوايا واشنطن وخططها المبيتة لفنزويلا، قائلاً: «ومع ذلك، فإن هذه الخطط قد تُحبط في حال لو ظهر في فنزويلا نموذج يشبه الحوثيين، كقوة مزودة بتقنيات صاروخية متطورة».
وأضاف: «ماذا لو كان الحوثيون في فنزويلا؟»، ليُجيب بنفسه على هذا السؤال قائلاً: «في مثل هذه الحالة ستكون أمريكا هي من سيُحرر، أو بالأحرى، سيُحرر أسطولهم الذي يرزح تحت وطأة فائض حاملات الطائرات. وهكذا، ستُتاح للولايات المتحدة فرصة ممتازة لإخراج أكثرهم تهالكاً من الميزان العسكري».
ويرى مراقبون أن هذا التصريح، الصادر من شخصية برلمانية روسية رفيعة، يُقرأ بوضوح على أنه اعتراف بأن صنعاء نجحت في خلق مدرسة قتالية جديدة في الحرب البحرية، وأن هذا الطرح لا يعبّر فقط عن رؤية روسية ساخرة من الحجج الأمريكية، بل يعكس تحولاً استراتيجياً غير مسبوق في النظرة الدولية لقوة صنعاء. فالمؤسسة التشريعية الروسية، ومن داخلها خبير اقتصادي وسياسي بارز، تتعامل مع القوة العسكرية اليمنية بوصفها قوة عابرة للحدود يمكن نظرياً أن تعيد تشكيل ميزان القوى حتى في الغرب.
بمعنى آخر: إن ديناميكية الردع اليمني خرجت من البحر الأحمر وأصبحت نموذجاً عالمياً يُدرَس في غرف صنع القرار. فإذا كانت واشنطن غير قادرة على إنهاء المشكلة في محيط اليمن نفسه، فإن مجرد تصور ظهور «نسخة يمنية» في مسرح عمليات بعيد كفنزويلا وساحل الكاريبي يجعل احتمالات المواجهة البحرية غير مضمونة النتائج، وقد يجبر أمريكا على سحب حاملة طائراتها من الخدمة لتبرير الخسائر.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا