تقرير / لا ميديا -
في خضمّ الهدنة الهشّة التي يفكّكها العدو الصهيوني يوميا بمدافعه ومسيّراته، استيقظ قطاع غزة أمس على فصل جديد من مسلسل الخروقات المنظمة لاتفاق وقف إطلاق النار.
خمسة فلسطينيين استشهدوا برصاص وقذائف قوات الاحتلال وأصيب 15 آخرين في مناطق متفرقة من القطاع، في الوقت الذي تواصل فيه الآليات المعتدية إطلاق النار على محاور التماس، بما يشمل مناطق داخل ما يسمى بالخط الأصفر، الذي تحوّل إلى ذريعة جاهزة لقتل أهل غزة بشكل فوري.
في مستشفيات غزة، أفادت الطواقم الطبية بأن الشهداء الخمسة ارتقوا منذ ساعات الصباح الأولى، بينهم المصور الصحافي محمود وادي، الذي استُهدف بصاروخ من طائرة مسيرة أثناء تغطيته الأوضاع الميدانية وسط مدينة خان يونس. وادي، المعروف بشجاعته وملازمته للميادين، انضم إلى قافلة طويلة من الصحافيين الذين تحوّلوا إلى هدف مباشر لآلة الحرب الصهيونية خلال الإبادة، في محاولة بائسة لإسكات الحقيقة وحجب الجرائم عن عين العالم.
وبالتوازي مع استهداف الصحافي وادي، أعلن العدو الصهيوني قتله ثلاثة فلسطينيين بذريعة عبورهم الخط الأصفر في شمال وجنوب القطاع. مشهد مكرر لسياسة ميدانية واضحة: إطلاق النار المسبق، ثم صياغة رواية تبريرية جاهزة، تقدّم الجريمة على أنها «حق مشروع»، بينما الوقائع تؤكد أن الاحتلال يعامل المناطق الحدودية كمساحات مفتوحة للصيد البشري.

رفات أسير وغياب معلومات عن آلاف الفلسطينيين
على جبهة الأسرى أعلن العدو الصهيوني تسلّم عينات يُرجّح أنها تعود لرفات أسير، بينما يستمر في حجب أي معلومة حول الأسرى الفلسطينيين لديه، وخاصة من قطاع غزة. مفارقة فاضحة: كل معلومة تخصّ الأسير «الإسرائيلي» تُعامل كملف إنساني بالغ الأهمية، بينما حياة آلاف الفلسطينيين تضيع في مراوغات العدو الصهيوني الكثيرة.
ووسط هذا المشهد، وصلت مجموعة من المختطفين الفلسطينيين إلى مستشفى شهداء الأقصى في دير البلح بعد الإفراج عنهم من سجون الاحتلال، في ظروف صحية ونفسية تعكس حجم الجرائم والانتهاكات التي تعرّضوا لها.

خروقات الهدنة تتحول إلى سياسة يومية للقتل
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أكّد استمرار الخروق الصهيونية للاتفاق منذ 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، محصيًا ما لا يقل عن 591 خرقًا أسفرت عن استشهاد 357 فلسطينيًا وإصابة 903 آخرين. أرقام كافية لتؤكد أن العدو الصهيوني لا يتعامل مع الهدنة باعتبارها التزامًا، بل باعتبارها نافذة إضافية لتقليل الضغط السياسي بينما تستمر في عمليات القتل والاستهداف.

العدو يسخر الظروف لقتل الفلسطينيين
التحديات الإنسانية في القطاع تتفاقم بدورها. مدير المكتب الإعلامي الحكومي حذّر من أن المنخفض الجوي المقبل قد يؤدي إلى تسجيل حالات وفاة إضافية، في ظل غياب الوقود والمواد الغذائية والملاجئ الآمنة. 200 شاحنة تدخل يوميًا، كما يؤكد، لكنها تحمل مواد لا تملك أي قيمة غذائية حقيقية.

21 ألف مختطف في الداخل
في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، يتكرر السيناريو ذاته. نادي الأسير الفلسطيني أعلن أن العدو الصهيوني اعتقل منذ بدء الإبادة في 8 تشرين الأول 2023 ما يقارب 21 ألف فلسطيني، إلى جانب آلاف المعتقلين من قطاع غزة الذين يرفض الاحتلال التصريح بأي معلومات عنهم. الأرقام، حسب النادي، لا تعكس فقط ارتفاع وتيرة الاختطافات، بل أيضًا تصاعد القتل الميداني وانتهاكات الاقتحامات.
الأخطر هو الدفع نحو تشريع قانون يسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين. خطوة تصفها المؤسسات الحقوقية الدولية بأنها امتداد طبيعي لسياسات الاحتلال الرامية إلى سحق الوجود الفلسطيني، وتعزيز أدوات السيطرة، وتفكيك أي إمكانية للمساءلة.
وفي جانب آخر من الجرائم الصهيونية استشهد واختطف 40 أسيرا محررا بصفقات «طوفان الأقصى» على يد الاحتلال.
ووفق اعتراف صحيفة “يسرائيل هيوم” الصهيونية، أمس، فإنّ قوات الاحتلال قتلت أو اعتقلت نحو 40 أسيراً فلسطينياً محرراً من بين نحو 700 أُفرج عنهم إلى الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، ضمن صفقات “طوفان الأقصى”، منذ الصفقة.

عملية فدائية في الضفة
في المقابل أُصيب جنديان صهيونيان، أمس، في عملية طعن قرب مدخل مستوطنة عطيرت الواقعة شمالي مدينة رام الله في الضفة الغربية، وفق ما أعلن جيش الاحتلال الصهيوني، الذي قال إن قواته قتلت منفّذ العملية في المكان.
وأوضح جيش الاحتلال، في بيان، أن قواته هرعت إلى الموقع عقب بلاغ عن “مشتبه به” في محيط المستوطنة.
وأضاف البيان أن المنفذ -وفق الرواية الصهيونية- بدأ بطعن الجنود أثناء تفتيشه، قبل أن يردوا بإطلاق النار عليه ويقتلوه.

12 مؤسسة في الكيان: سلوك «إسرائيل» إجرامي
ولأن جرائم العدو الصهيوني باتت عصية على التغطية، اعترفت 12 مؤسسة داخل الكيان المحتل، في تقرير هو الأوسع من نوعه، أن الجرائم بحق الفلسطينيين التي كانت تُعد «استثنائية» في بداية الإبادة أصبحت الآن ممارسة يومية. التقرير يؤكد أن العام 2025 شهد «تدهورًا» غير مسبوق: تضاعف عدد الشهداء، اتساع التهجير ليشمل 1.9 مليون فلسطيني، والانهيار الكلي للبنية التحتية في القطاع. أما التجويع، فقد تحوّل إلى سياسة معلنة أدت إلى وفاة 461 شخصًا جوعًا في تشرين الأول وحده، بينهم 157 طفلًا.
المؤسسات هذه تحدثت أيضًا عن ظواهر جديدة لم يشهدها العام 2024، مثل استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية بشكل واسع، عمليات قتل قرب مراكز توزيع الغذاء، ترحيل عشرات التجمعات البدوية في الضفة، وارتفاع عدد «المعتقلين الإداريين» بلا أي تهمة، إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.
حتى مواقع التراث لم تسلم؛ غزة فقدت قصر الباشا وأرشيف بلدية غزة والميناء القديم، بينما توسّعت السيطرة على المواقع الأثرية في الضفة والقدس لإعادة صياغة الوجود المكاني والتاريخي بالكامل.
التقرير يعترف بوضوح: «إسرائيل» تجرم بلا قيود، تنتهك القانون الدولي بشكل ممنهج، وتحوّل الجرائم التي ترقى لجرائم ضد الإنسانية إلى سياسة تشغيلية يومية.