بيان قائد الثورة بشأن «أرض الصومال» يقلق «إسرائيل» ويربك سرديتها
- تم النشر بواسطة عادل عبده بشر / لا ميديا
عادل بشر / لا ميديا -
منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها العدو الصهيوني اعترافه بإقليم "أرض الصومال" ككيان مستقل عن الصومال، لم يتعامل الإعلام العبري مع الخطوة بوصفها إنجازاً دبلوماسياً تقليدياً، بل قدّمها صراحة كتحرك ذي طابع أمني وعسكري يقرب "إسرائيل" من الساحة اليمنية التي طالما أقلقت مؤسستها الدفاعية.
عناوين وتحليلات عبرية تحدّثت بلا مواربة عن "الاقتراب من الحوثيين"، وعن تموضع جديد يفتح لـ"تل أبيب" نافذة ضغط مباشرة على صنعاء، بالرغم من تحذيرات بعض تلك الوسائل من خطورة اعتراف الاحتلال بـ"صوماليلاند" مؤكدة بأنها لن تحقق للكيان الانتصار الذي يرغب به ضد اليمن.
في هذا الصدد لم يكن تأكيد سيد الجهاد والمقاومة السيد عبدالملك الحوثي باعتبار أي وجود "إسرائيلي" في شمال الصومال، هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة اليمنية مجرد جملة عابرة في بيان سياسي، بل مثّل في القراءة "الإسرائيلية" لحظة انكشاف لخطوة أرادت "تل أبيب" استغلالها كمكسب استراتيجي يتيح للكيان مطلق الحرية للتحرك في المنطقة برمتها، فجاء الرد من صنعاء ليكسر هذا الوهم، ويُجبر الإعلام العبري على إعادة قراءة المشهد، من زاوية الردع اليمني وقدرته على فرض معادلاته خارج الجغرافيا التقليدية للصراع.
وكان سيد الجهاد والمقاومة قد أكد في بيان صدر عنه مساء أمس الأول، حول التطورات في الصومال، أن اليمن لن يقبل بأن "يتحول جزءٌ من الصومال إلى موطئ قدمٍ للعدوّ الإسرائيلي على حساب استقلال وسيادة الصومال وأمن الشعب الصومالي وأمن المنطقة والبحر الأحمر"، محذّراً من أن أي تواجد "إسرائيلي" في إقليم أرض الصومال سيكون هدفاً عسكرياً للقوات المسلحة اليمنية.
وقال السيد عبدالملك إن "إعلان العدو الإسرائيلي اعترافه بإقليم أرض الصومال ككيان منفصل عن الصومال هو موقف عدائي يستهدف به الصومال ومحيطه الإفريقي واليمن والبحر الأحمر والبلدان التي على ضفتي البحر الأحمر".
الإعلام "الإسرائيلي" التقط الرسالة بسرعة، فمنذ الساعات الأولى لتداول نص البيان، ركزت المنصات العبرية على العبارة التي اعتُبرت جوهر الرسالة اليمنية "أي وجود إسرائيلي في إقليم أرض الصومال، يُعد هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة اليمنية".
صحف ومواقع كـ"يديعوت أحرونوت" و"والا" سعت إلى تأطير بيان السيد عبدالملك الحوثي ضمن ما وصفته بـ"توسيع دائرة الاستهداف الحوثي"، في إشارة غير مباشرة إلى أن صنعاء لم تعد تحصر ردعها في البحر الأحمر وباب المندب، بل باتت تتعامل مع الجغرافيا بوصفها وحدة مفتوحة.
أما صحيفة "هآرتس"، المعروفة بقربها من دوائر التفكير الاستراتيجي، فذهبت إلى أبعد من الخبر المجرد، معتبرة أن صنعاء قرأت الاعتراف الصهيوني بـ"صوماليلاند" باعتباره مقدمة لتموضع "إسرائيلي" في القرن الإفريقي، وأن الرد لم يكن على خطوة دبلوماسية بقدر ما كان على ما يمكن أن يليها من حضور استخباراتي أو لوجستي يهدد خاصرة اليمن وخطوط الملاحة.
من جهتها صحيفة "معاريف" عكست بوضوح القلق الكامن داخل المؤسسة الأمنية، حين نقلت عن مصادر عسكرية صهيونية أن "تجاهل تصريح السيد الحوثي سيكون خطأً تقديرياً، لأن التجربة أثبتت أن الخطاب القادم من صنعاء غالباً ما يسبق أفعالاً ميدانية".
هذا التعاطي، وفقاً لمحللين، كشف سريعاً عن مأزق داخلي في الخطاب "الإسرائيلي". فالإعلام ذاته الذي روج قبل أيام قليلة للاعتراف بإقليم "أرض الصومال" باعتباره اقتراباً استراتيجياً من خصم لطالما أرهق وأرّق الكيان، وجد نفسه مضطراً إلى الاعتراف الضمني بأن هذا الاقتراب يحمل ثمناً مباشراً. والتحليلات التي تحدثت سابقاً عن تموضع متقدم "لإسرائيل" قرب اليمن، تحولت بعد بيان سيد الجهاد والمقاومة إلى نقاشات تحذيرية من أن تحويل القرن الإفريقي إلى امتداد للمواجهة قد يفتح جبهة إضافية في لحظة تعاني فيها "إسرائيل" من ضغط تعدد الساحات، حدّ تعبيرهم.
في هذا السياق، برزت في الإعلام العبري لغة جديدة أقل ثقة وأكثر حذراً. بعض المحللين العسكريين، خصوصاً في "معاريف" و"جيروزاليم بوست"، وصفوا الاعتراف بـ"أرض الصومال" بأنه مغامرة غير محسوبة، لن تحقق المكاسب الاستراتيجية التي سُوق لها، خصوصا في مواجهة صنعاء. بينما أقر آخرون بأن السيد الحوثي قلب معادلة التوقعات، إذ حول ما قُدِّم "إسرائيلياً" كخطوة هجومية ذكية إلى عامل استنزاف أمني محتمل، يفرض على المؤسسة العسكرية إعادة تقييم فكرة "التموضع البعيد".
القنوات التلفزيونية "الإسرائيلية"، وعلى رأسها القناتان 12 و13، عكست هذا الارتباك بطريقة أكثر تحفظاً. فقد أدرجت البيان ضمن تقارير عن "التحديات الإقليمية المتزايدة"، من دون التقليل من خطورته، ومن دون الذهاب إلى السخرية أو التهوين، كما كان يحدث في مراحل سابقة عند تناول تصريحات صنعاء.
الخلاصة التي انتهى إليها الإعلام "الإسرائيلي"، وإن بصيغ غير معلنة، أن الاعتراف بـ"أرض الصومال" لم يحقق عنصر المفاجأة الذي راهنت عليه "تل أبيب"، بل استدعى رداً أعاد رسم حدود حركة الكيان في المنطقة. وأن تصريح السيد عبدالملك الحوثي أربك السردية "الإسرائيلية" أكثر مما أزعجها إعلامياً، حيث كشف أن الاعتراف بـ"صوماليلاند" لن يمر دون ثمن، وأن اليمن بات يراقب ويفكك التحركات الصهيونية خارج ساحته المباشرة، ويضع لها خطوطاً حمراء واضحة، وأن أي خطوة تُقَدَّم على أنها اقتراب من اليمن ستُقرأ في صنعاء كاقتراب من دائرة النار، ومخاطرة مفتوحة على سيناريوهات قد لا تخطر على تفكير صُناع القرار لدى عدو الأمة.










المصدر عادل عبده بشر / لا ميديا