غزو أم تحرير للجنوب؟
 

آزال الجاوي

آزال الجاوي / لا ميديا -

عندما انطلق الحراك كان لا بد من شحن الشارع وتحريضه على الانتفاض والثورة على النظام الحاكم، وكان لا بد من المبالغة في تشويه ذلك النظام (تشويه الخصم)، إلا أن الأمر تجاوز حدود تشويه النظام إلى تشويه الحقائق والثوابت الوطنية، وأصبحت بعض المبالغات بل بعض الأكاذيب في أذهان عامة الناس مسلمات غير قابلة للنقاش على طريقة "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الآخرون وتصدق نفسك"، وهو ما دفعنا لتفنيد حقيقة حرب 7/7 بعيداً عن القالب التقليدي لفهمها، لتجاوز ثوابت "الكذبة المقدسة" التي يحرم نقاشها، خاصة بعد أن اهتز النظام السابق (نظام عفاش) وتحالف بعض "الثوار" معه، وهم أيضاً من بقايا السلطة أو النظام السابق الذي ذهب للوحدة في مايو 1990 وهُزم في 1994 في محاولة لإعادة نظام ما بعد يناير 1986 ومحاصصة ما بعد 22 مايو 90م.
إن محاولة محاكمة وفهم حرب صيف 1994 ذاتها وليس مترتباتها أو نتائجها المتأخرة، وهل كانت فعلاً غزواً شمالياً للجنوب أم استحقاقاً جنوبياً جنوبياً ناتجاً عن إقصاء وتهميش كل الجنوب لصالح فئة اجتماعية صغيرة جداً لا يتجاوز حجمها المديريتين، حاولت ليس احتكار السلطة فحسب، وإنما احتكار كل الوطن وإقصاء كل الآخرين، بل اجتثاثهم بالمطلق، وهو ما دفع الآخر الجنوبي، والذي يمثل الغالبية بمساعدة النظام في الشمال، إلى تحرير الجنوب في تلك الحرب، إضافة إلى العديد من الأسباب التي تؤكد أن حرب 7/7/1994 هي حرب "تحرير" وليست حرب "غزو"، نورد من تلك الدلائل والأسباب التالي:
1 - إن من ذهبوا إلى الوحدة لم يكونوا يمثلون كل الجنوب، لا على أسس أيديولوجية ولا سياسية، ولا على أسس المناطق والمحافظات والمديريات، بل لا أبالغ إن قلت لا يمثلون كل الحزب الاشتراكي الذي كانوا لابسين قميصه، وإنما يمثلون تياراً جاء بالغلبة والقوة في يناير 1986، وبأبشع جرائم تجاوزت رفاقهم إلى التصفية بالهوية.
2 - من ذهب إلى الوحدة من قيادات الجنوب لم يعر الوحدة أي اهتمام بقدر اهتمامه بكيفية إنقاذ نفسه من الانهيار والصراع المحقق، وكذا كيف سيقتسم ويتحاصص السلطة بعد إقصاء كل مكونات المجتمع الجنوبي، في حين من كان في سلطة الشمال حرص على إشراك كل المكونات والفئات والمناطق، ليس في الشمال فحسب، وإنما أيضاً الجنوبيين أمثال الزمرة وجماعة عشال وجبهة التحرير وممثلي بعض السلاطين وغيرهم، وهم من قاتل بدرجة أساسية في حرب 94، فكيف بالله عليك نسميهم غزاة وهم ليسوا جنوبيين فحسب، بل يمثلون الطيف الأكبر والأوسع في الجنوب سياسياً وجغرافياً وكماً ونوعاً؟
3 - بدء الغزل بين سلطة الجنوب الناتجة عن حرب 86 ودول الخليج التي أسهمت في اذكاء الصراع ودفع البيض نحو الاعتكاف ورفض أية تسويات، ومن ثم دفعه نحو إعلان الانفصال، ليس حباً في الجنوب، وإنما من أجل مصالحها ومن أجل تمزيق الجنوب، ولو لم تحسم الحرب في 7/7/94 لأصبح الجنوب أكثر تمزقاً وانهياراً مما نشاهده اليوم.
4 - حرب 1994 لا يمكن فصلها عن الصراعات السابقة ليس بين الجنوب والشمال فحسب، وإنما أيضاً في إطار الجنوب نفسه، ولك أن تتصور لو لم يعلن عفاش الحرب هل كان بقية المقصيين والمشردين من الجنوب الذين رفض الرفاق المصالحة معهم، ناهيك عن تقاسم السلطة أو القرار، هل كانوا سيقبلون بحكم تلك الجماعة إلى الأبد؟ أو لنقل هل سيقبلون إقصاءهم من قبل مديرية أو مديريتين إلى الأبد؟ كما أن المنتصرين أنفسهم في حرب يناير 1986 لم يكونوا على وفاق تام والخلافات المناطقية تنخرهم في صميمهم والصراع بينهم مؤجل، لذلك كانت حرب 94 حتمية جنوبية قبل أن تكون مصلحة شمالية، وإن تقاطع الأمران فهذا يدل دلالة واضحة على انتفاء فكرة الاحتلال التي سوقها الطرف المهزوم وصدقناه نحن وعامة الشعب.
5 - موضوع المصالحة مع الآخر الجنوبي الذي بموجبه تم تسويق كذبة "الغزو" الشمالي لم يكن جاداً، وأكبر شاهد على ذلك صراع السيطرة على قيادة الحراك ومحاولات احتكار تمثيل الجنوب خلال الـ12 عاماً الماضية منذ انطلاق الحراك بمساهمة وبتحريك ممن فقدوا السلطة في 94، وهذا يؤكد إضمارهم الوثوب إلى القيادة والسلطة بالقوة والإقصاء، وأن الموضوع ليس تحرير وطن من "غزو"، وأن تلك كذبة دبرت بليل لتحقيق أمانيهم، والدليل هو واقع الحاضر وإعادة تحالفهم بالأمس في بداية الحرب 2015 مع الإصلاح، واليوم مع مؤتمر أبناء عفاش، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن توصيفهم لحرب 1994 بأنها "غزو" للجنوب، بأنه كذبة لمرحلة ما، وإلا كيف نفسر تحالفهم مع من غزاهم على حد زعمهم؟
6 - الواقع العملي يقول إنه لو كان هناك احتلال لما تم تسليم السلطة لجنوبيين أو لشق من الجنوبيين في 2011 وما بعدها إلى اليوم، كما أن مشكلة الجنوب لم تكن غزو الشماليين كما نزعم، وهذا يمكنك مشاهدته بالعين المجردة لما يدور في عدن من صراعات جنوبية جنوبية بينية دون أي وجود فعلي لأي جيش شمالي اليوم، بل إن القوات الشمالية أثبتت أنها لم تكن صمام أمان فقط، وإنما أشرف وأرحم ألف مرة من الحكام الجدد/القدماء، واتضح أنهم هم الاحتلال أو يمارسون دور الاحتلال الريفي المناطقي الهابط من الجبال لتدمير ونهب وتجريف كل شيء مدني أو كل شيء في غير مناطقهم بشكل أبشع من أي احتلال أجنبي إلى درجة تفقد فكرة الغزو التي تم إطلاقها على حرب 94 معناها اللغوي والاصطلاحي لتصبح كلمة جوفاء تنم عن غباء من يرددها مقارنة بما هو حاصل اليوم وما كان حاصلاً قبل عام 90م.
لا أريد الإطالة كثيراً، فتلك الشواهد تكفي لمن يريد أن يفهم، بل الواقع المرئي بالعين المجردة يكفي لكل ذي عقل طبعاً إذا تم تحرير الأفكار من تلك الأكاذيب والمصطلحات التي استخدمناها للتغرير بأنفسنا على أنفسنا وعلى الآخرين حتى صدقناها وأصبحنا حبيسين لها ونمارس الإرهاب المعنوي والفكري لكل من يحاول كسر تلك التابوهات.
إلا أنه يجب ألا نغفل حقيقة أننا ورغم تلك الأسباب التي أوردناها لإثبات أن حرب 7/7/94 إن لم تكن تحريراً فهي بكل تأكيد ليست غزواً شمالياً، كما أن ذلك لا يعني أنه لم يمارس على الجنوب النهب وعلى كل الجنوبيين دون استثناء الإقصاء والتهميش، إلا أن ذلك الإقصاء والتهميش لم يكن وليد تلك الحرب، فقد تمت ممارسته من قبل في الشمال، وكذلك في الجنوب الذي تجاوز فيه الفرقاء الإقصاء من الوظيفة إلى الاجتثاث من الحياة بكلها إما بالقتل أو التهجير، وأكثر من ذلك، وأما النهب أيضاً لم يكن محصوراً بتلك الحرب، بل بدأ منذ أكبر جريمة نهب عرفها تاريخ اليمن بشطريه في ما يسمى "التأميم"، والذي مازال قائماً حتى اليوم، إضافة إلى ما كان بعد كل ذلك من أحداث، وما هو قائم اليوم على يد الثوار الجدد/ الحكام القدماء، بل إن عصرهم الذهبي اليوم ابتدأ بنهب الأملاك العامة والخاصة وعلى رأس ذلك مبنى سكن محافظ عدن.
مازال الفرقاء الجنوبيون للأسف يسعون بخطوات حثيثة نحو تكرار كل نكبات الماضي من إقصاء وتصفيات واعتقالات وغير ذلك من جرائم، على أنه يمكننا التأكيد أيضاً أن مشروع الوحدة لم يرَ النور إلى اليوم بسبب المتصارعين على السلطة الذين أفقدوا الوحدة معناها ومضمونها، وهي براء من كل تلك الأعمال البشعة التي نسبت لها من قبل المتصارعين على السلطة، وصدقها البسطاء من عامة الشعب المشوش والمخدوع والمغلوب على أمره.

أترك تعليقاً

التعليقات