أنس القاضي

أنـس القاضـي  / لا ميديا -

يعمل إعلام العدوان على أن يُعرف الحرب الجارية اليوم في اليمن، بأنها مجرد نزاع يمني يمني تقف المملكة مع أحد أطرافه، وبأن هناك خطراً على السعودية من اليمن باعتبارها وكيلاً لدولة أجنبية، فيُبرر التدخل السعودي وفقاً لما سبق، وهي ادعاءات زائفة وعملية تسطيح متعمدة يكشفها الواقع الراهن وتاريخ الصراع السعودي اليمني، فدائماً يكون بنو سعود هم الطرف العدواني، فيما اليمن هو المُضطهَد والمُعتدى عليه، باختلاف أنظمة وتوجهات الحُكم فيه، من ملكية وجمهورية، و"يمينية" و"يسارية".

استفتحت السعودية الوهابية عدوانيتها الإجرامية ضد اليمن الوطنية المستقلة عن العثمانيين بمجزرة "تنومة" 1923، حيث ارتكب الوهابيون فيها جريمة قتل ما يقارب ثلاثة آلاف حاج يمني.
يعود التوسع السعودي في الأراضي اليمنية إلى مطلع القرن التاسع عشر، مروراً بالاحتيال على الإدريسي، واحتلال نجران وجيزان وعسير واتفاقية الطائف 1934م. واستمرت السياسات والممارسات العدوانية السعودية في اليمن وصولاً إلى العهد الجمهوري، بدءاً من موقف السعودية وقوى الاستعمار الأمريكية البريطانية الداعمة لها من ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال، ودورها المحوري في الحرب الأهلية اليمنية، ثم إفراغ الجمهورية من محتواها الوطني الديمقراطي، وضغط الرياض من أجل تنصيب عملائها في الحكومات اليمنية في عهد الجمهورية العربية اليمنية.
حين جاءت ثورة 14 أكتوبر 1963م وقفت السعودية ضد الثورة وضد النظام الوطني في الجنوب، فدبرت لليمن الديمقراطية عدداً من المؤامرات، وقامت بتجنيد مرتزقة وتأليب القوى الحاكمة العميلة في صنعاء لشن الحرب ضد عدن. ويُعد التوسع السعودي الراهن في حضرموت والمهرة امتداداً للتاريخ التوسعي السعودي وعمليات استقطاع أراضي المحافظات الجنوبية اليمنية.
مثلت الوحدة اليمنية ملفاً مزعجاً للسعودية، فوقفت ضد الوحدة كموقف وسياسة استراتيجية للمملكة ترتبط بنهجها العدواني في تقسيم منطقة شبه الجزيرة العربية والتوسع واستقطاع أراضيها، كما قامت بتأليب النظام الحاكم في الشمال ضد النظام الوطني في الجنوب، والدفع نحو المواجهات الحدودية بين شطري اليمن وتفجير الحروب الأهلية، وكذلك عرقلت المملكة تنفيذ مختلف اتفاقيات الوحدة التي وقعها حكام الشمال والجنوب آنذاك. وصولاً إلى الوقوف ضد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م، ثم دعم التوجه الانفصالي في حرب صيف 1994م. 
تُعد جريمة اغتيال الرئيس الحمدي (11 أكتوبر 1977م) إحدى أهم محطات العدوان السعودي سبقتها ثلاث محاولات فاشلة، وضغوط مارستها المملكة على الحمدي فيما يتعلق بالخبراء السوفييت، وجرت عملية الاغتيال الناجحة عشية زيارة مرتقبة للحمدي إلى عدن ولقاء الرئيس سالمين للتباحث حول إعادة تحقيق الوحدة اليمنية.
اضطهاد المغتربين اليمنيين من عمال وتجار، أحد الملفات العدوانية السعودية، على الرغم من دورهم في بناء الدولة السعودية عمرانياً وفي الاستثمار في الاقتصاد السعودي. تتجاهل السعودية هذا الدور الذي قام به اليمنيون في المملكة، وتمارس أبشع أشكال الإجرام والظلم والقهر والاستغلال والنهب، والتأثير على الاقتصاد اليمني بعمليات ترحيل المغتربين اليمنيين عمالاً وتجاراً، ونهبهم في محطات بارزة بعد حرب الخليج الثانية 1990-1991م وفي العام 2013م وفي العامين 2017- 2018م.
وتقوم السعودية بممارسات غير إنسانية بحق المغتربين اليمنيين من عمليات قتل وانتهاك حقوق الإنسان، التي بلغت حد احتجاز اليمنيين من مواقع أعمالهم والدفع بهم إلى الجبهات الحدودية للحرب دفاعاً عن المملكة، وهو ما وثقته ودانته منظمات حقوقية عالمية.
"المبادرة الخليجية"، هي الأخرى مؤامرة عدوانية سعودية وأدت الحراك الثوري الشعبي اليمني 2011م، وقامت بحماية سلطة الاستبداد والفساد العميلة للرياض، وتثبيت الهيمنة السعودية عبر هذه المبادرة، التي جددتها السعودية بشكل وقح بما عرف بـ "اتفاق الرياض" بين المرتزقة (حكومة هادي العميلة والمجلس الانتقالي الجنوبي)، الذي يُعطي السعودية مطلق الحرية في القرار في الشأن العام اليمني في المناطق المحتلة ويجعلها في موقع الانتداب والاحتلال المباشر. 
واستمراراً للنهج العدواني السعودي الممانع لكل نهج ثوري يمني منذ سبتمبر وأكتوبر من ستينيات القرن الماضي، قامت السعودية بنشاط تخريبي وعمليات إرهابية واغتيالات ودعم مليشيات عميلة منذ بداية ثورة 11 فبراير 2011م وحتى ما بعد ثورة 21 سبتمبر 2014، وصولاً إلى مرحلة العدوان 26 مارس 2015م، وهو تسلسل يعكس التنظيم السعودي الممنهج لأعمال التخريب الأمنية والسياسية في اليمن. حيث دعمت السعودية حربي "كتاف" "دماج" وحصار صعدة من عمران وأرحب وحرض، وذلك في فترة مؤتمر الحوار الوطني، وجدير بالذكر أن معركة "دماج 1" كانت بعد توقيع "المبادرة الخليجية" العدوانية، الذي عارضها أنصار الله، ومعركة "دماج 2" قرب ختام مؤتمر الحوار الوطني. تلتها أعمال اغتيالات استهدفت أعضاء أنصار الله في مؤتمر الحوار الوطني، كالدكتور عبد الكريم جدبان والبروفيسور أحمد شرف الدين، وشخصيات أكاديمية وصحفية بارزة في المجتمع مثل الدكتور عبد الملك المتوكل، والصحفي عبد الكريم الخيواني.
سبقت هذه المرحلة تفجيرات -أثناء حكومة هادي- استهدفت مستشفى "العرضي" (5 ديسمبر 2013) نفذها إرهابيون معظمهم سعوديون، وكذلك استهداف قوات الأمن المركزي في السبعين أثناء عرض تدريبي، والتفجير الذي استهدف الطلاب المتقدمين لكلية الشرطة (27 يوليو 2012)، وسيطرة "القاعدة" على قيادة المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت. 
وبعد انتصار الثورة (21 سبتمبر 2014م) استمرت التفجيرات الإرهابية، وأبزها تفجير التحرير بالمتظاهرين (9 أكتوبر 2014)، وصولاً إلى تفجير جامعي بدر والحشوش ومحاولة تفجير جامع الإمام الهادي بصعدة (20 مارس 2015)، ليأتي بعدها بأسبوع العدوان السعودي وتتحول المجازر من التفجيرات إلى الغارات الجوية. 
النظام السعودي ورغم ترحيبه بمؤتمر الحوار في "موفنبيك" واتفاق السلم والشراكة في 22 سبتمبر 2015م؛ إلا أنه دعم انقلاب هادي على هذه الاتفاقيات الهامة التي رعتها الأمم المتحدة. وجدير بالذكر أن المبعوث الأسبق إلى اليمن جمال بن عمر صرح في أبريل 2015م لصحيفة "وول ستريت جورنال"، قبيل ساعات من تقديم تقريره إلى مجلس الأمن الدولي حول المفاوضات السياسية المعلّقة التي قادها قبل استقالته قائلاً" إن الوصول إلى اتفاق سياسي كان وشيكاً قبل بدء الغارات السعودية مما ساهم في تصلب مواقف الأطراف المتنازعة.

تاريخ التدخلات العدوانية السعودية في اليمن
في هذا البحث التاريخي، سنتطرق إلى قضايا محددة تُظهر التدخلات السعودية والسياسية العدوانية تجاه اليمن، فمن الصعب على بحث أو دراسة الإلمام بكل الملفات والقضايا التي تُظهر العدوانية السعودية تجاه اليمن، فالأمر يتطلب مؤلفات، وهناك كُتب عديدة كتبت منذ السبعينيات إلى مطلع الألفية الجديدة تتحدث عن هذه القضايا، والبعض منها استخدمتُها كمراجع لهذه المقاربة البحثية، فيما يتم الإشارة إلى الحاضر من قبيل الاستشهاد على وحدة السياسة العدوانية السعودية واستمراريتها، أما ملفات الحاضر فتحتاج إلى مؤلفات خاصة لذكرها بشكل مفصل.

أشكال الاعتداءات السعودية على اليمن
تعود السياسات والممارسات العدوانية السعودية تجاه اليمن إلى مطلع القرن التاسع عشر (مع قيام الدولة السعودية)، في بداية الأمر تبلورت هذه السياسات والممارسات العدوانية كنزعات وعمليات غزو واستقطاع للأراضي اليمنية أثناء توسع هذه الدولة، ثم تطورت إلى غزو وتدخلات سياسة في أنظمة الحكم اليمنية وتدخلات مُباشرة في مجريات حياة المجتمع اليمني سياسياً وثقافياً واقتصادياً، رافق ذلك عمليات عسكرية عدوانية انتهكت سيادة البلد ودعم وتمويل انقلابات والوقوف ضد الثورات، وتنفيذ عمليات اغتيالات لرؤساء اليمن مِمَّن لا يروقون للمملكة، واستقطاب شخصيات سياسية ووجاهات كعملاء ووكلاء لها في الوطن اليمني بما يعرف "باللجنة الخاصة" التي كان أعضاؤها يستلمون مرتبات عالية ومتفاوتة من المملكة السعودية، والوقوف ضد إعادة تحقيق وحدة اليمن، ومنع استخراج الثروات اليمنية كثروات الجوف النفطية، والوقوف ضد الوحدة اليمنية ودعم أطراف انفصالية، والضغط على الحكومات اليمنية للأخذ بعين الاعتبار الرضا السعودي عن شخوص المُعينين في رئاسة الحكومة والوزارات السيادية. وعلى سبيل المثال مارست السعودية الضغط عدة مرات لإقالة محسن العيني من رئاسة الوزراء أثناء الحكم الجمهوري، كما مارست ضغطاً مماثلاً من أجل تعيين حسن العمري الموالي لها، كرئيس للوزراء أربع مرات، بل بلغت التدخلات السعودية من الوقاحة أن يُصبح السفير السعودي قادراً على تحريك طائرات عسكرية يمنية من خلال علاقاته الشخصية كما في واقعة قيام السفير السعودي بتهريب علي محسن الأحمر من صنعاء 2014م.
يلخص المؤرخ اليمني د. محمد علي الشهاري هذه الحقيقة في كتابه "معالم سياسة العدوان السعودية تجاه اليمن" (يُعد الشهاري أبرز مَن أرخ بشكل دقيق للأطماع التوسعية السعودية في اليمن وله مؤلف بهذا العنوان):
"اتضح أن الرجعية السعودية لا تحارب فقط حق شعب اليمن في تقرير مصيره واختيار نوع الحكم الذي يريده، وإنما تحارب أيضاً حقه في أن يرفع رأسه، وأن تكون له كلمة مسموعة، وتصر على إبقائه في ربقة العبودية والتخلف والجهل، وحرمانه من الحق في الحياة والوجود السياسي المستقل. واتضح أن السعودية لا تعتبر ما يحصل في اليمن شؤوناً داخلية تخص شعبها، وإنما عملاً خارجاً عن حقوق الوصاية التي منحتها لنفسها، وتريد فرضها على اليمن، وإرغامها على تقبلها، ولو بقوة الحديد والنار".

أترك تعليقاً

التعليقات

جلال سعيد صدام الجهلاني
  • الأثنين , 27 يـونـيـو , 2022 الساعة 8:25:55 AM

صح لسانك واضيف تدريب وتاهيل الكادر في كل البرامج وبصوره متواصله الدكتور عبد الملك ابن محمد المتوكل تاريخ لتعز بالمنجزات الذي قدمها