تجربة الهدنة خلال عام
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
اكتمل عام من عمر الهدنة التي بدأت في 2 أبريل 2022، كانت الهدنة موقفاً اضطرارياً في مسار العدوان الذي تحطمت قوائمه طوال سبعة أعوام، وتحولت اليمن من موقف الدفاع إلى الهجوم وعمليات الردع، فهي شكل من أشكال الهزيمة غير المُعترف بها ووصول العدوان إلى أفق مسدود على الصعيد العسكري، ومساع سياسية لتجنب تحمل تداعيات إعلان الهزيمة العسكرية، وأثبتت التجربة أن تحالف العدوان غير جاد في تحويل الهدنة إلى سلام عادل.
ارتبطت الهدنة بخطوات تمهيدية أبرزها إزاحة السعودية لعلي محسن الأحمر وهادي من السلطة، ومحاولة توحيد القوى العميلة الفاعلة على الأرض في ما سُمي "مجلس القيادة الرئاسي".
بدأت الهدنة في أبريل 2022، ثم جددت مرتين، وانتهت في أكتوبر 2022، إلا أن حالة "اللاحرب واللاسلم" استمرت حتى نهاية مارس 2023.
شهد شهر يناير الماضي (2023)، حراكاً سياسياً عاصفاً من مختلف الأطراف؛ فقد كان هناك تقدم في الجهود التي تبذلها سلطنة عُمان في تقريب وجهات النظر بين صنعاء والرياض، كما ظهرت تسريبات إعلامية عن وصول السفير السعودي إلى صنعاء، تزامنت مع نشر قناة "الحدث" مبادئ عامة لتجديد الهدنة متعلقة بالجوانب الإنسانية.
في الربع الأول من شهر يناير الماضي (2023)، شهدت قوى العدوان حالة نفير، مع تواتر الحديث عن مباحثات مباشرة بين صنعاء والرياض تجري برعاية مسقط.
ظهرت خلال هذه الفترة نبرة خطاب روسي جديد أكثر واقعية في تأكيدها على ضرورة الاستماع إلى صنعاء وعدم تخطيهم، وكذلك الإشارة إلى اهتمام الغرب بإعادة تصدير النفط والغاز اليمني لا تحقيق السلام اليمني.
وبحكم الأمر الواقع استمرت الهدنة غير المجددة علناً، لتأتي اتفاقية إعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وتفتح الآمال مجدداً في أن يجري تقدم في الملف اليمني، كنوع من التأثيرات الإيجابية للاتفاقية السعودية الإيرانية، وباعتبار الملف اليمني محكاً لاختبار فاعلية هذه الاتفاقية كما ترى العديد من مراكز البحوث.
في 20 مارس، أنجزت خطوة إلى الأمام في المسار السياسي، باتفاقية تبادل الأسرى التي تم التوصل إليها في جنيف بين كل من ممثلي صنعاء والرياض وعدن، إلا أن الوقت الذي استغرقته المباحثات (10 أيام) يُشير إلى تعقد الملف اليمني في حد ذاته ولن يحل ببساطة حتى مع وجود دعم إقليمي لتوجهات السلام.
أبرز العراقيل في كل جولات المفاوضات، والمبادرات التي قدمتها القوى الوطنية اليمنية كان هناك معوقات من قبل الطرف الآخر ممثلاً بدول تحالف العدوان وبشكل أخص دول الرباعية (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات)، وإعاقات من قبل الحكومة الموالية للتحالف وفصائل العدوان المختلفة. كان البُعد السياسي المتعلق بالمصالح الجيوسياسية لتحالف العدوان هي التي تقف ضد مساعي السلام، حيث يسعى تحالف العدوان إلى إخضاع السيادة اليمنية أن تكون هناك حكومة ضعيفة يمتلك قرارها الأمريكيون والخليجيون، بالطريقة ذاتها التي كانت عليها اليمن قبل ثورة 21 أيلول/ سبتمبر 2014، والطريقة التي يتعاملون بها مع الحكومة العميلة الراهنة، التي لا تملك القرار، وتخضع لرغبات دول التحالف وهي تاريخية ملموسة لا يمكن إنكارها وانعكست في الكثير من التصريحات على لسان وزراء في الحكومة العميلة وشخصيات وأحزاب سياسية مؤيدة للعدوان.
الموقف السياسي الاستراتيجي لدول التحالف المعتدية هو المعيق للعملية السياسية اليمنية بما فيها عملية السلام، وتحت هذا الموقف تندرج الكثير من المعوقات التكتيكية، التي اتضحت خلال تجربة 8 أعوام من الحرب والسياسة، وقد كان التشديد على تجزئة الحلول أحد الأساليب المتبعة من قبل قوى العدوان في مختلف جولات المشاورات.
من هذه الإعاقات الجزيئة، نفي الطابع الدولي للحرب بين اليمن من جهة وبين السعودية والإمارات من جهة أخرى بدعم غربي، إلغاء هذا الطابع الدولي للحرب يصعب عملية التوصل إلى السلام، فالطرف الأقوى في العدوان صاحب القوة والقرار بعيد عن طاولة المفاوضات وينكر انخراطه في هذه الحرب ويدفع بالحكومة العميلة التي لا تملك قرار إيقاف الحرب أو رفع الحصار، لأنها واقعياً ليست من يسيطر على أرض المعركة.
استمرار الحرب العدوانية الأجنبية، وبقاء الحكومة العميلة دمية في يد التحالف يعوق توصل الأطراف اليمنية إلى السلام، فاليمنيون مستعدون لتقديم التنازلات البينية وحل قضاياهم الداخلية وعملياً جاء العدوان وهم في ظل مشاورات سياسية مثمرة كادت تصل على حل تاريخي لولا التدخل العسكري كما شهد بذلك المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر الذي كان يرعى هذه المشاورات، وتصورات الحل الواقعية موجودة، وتتمثل في تشكيل حكومة وطنية من مختلف الأطراف، وكذلك مجلس رئاسي، وجمعية عامة، تكون بمثابة سلطة انتقالية تعمل على تطبيق مخرجات الحوار اليمني المتوافق عليها واتفاق السلم والشراكة الوطنية، وهناك إجماع عليها من قبل مختلف الأطراف اليمنية، لكن الإرادة الأجنبية عبر الحكومة العميلة هي التي تعوق التوصل إلى مثل هذه الحلول.
عدم حيادية المبعوثين الأمميين إلى اليمن والتأثير عليهم من قبل دول تحالف العدوان كان إحدى الإعاقات أمام السلام، ويُعد المبعوث إسماعيل ولد الشيخ نموذجاً لذلك، ومن ضمن إعاقات السلام، محاولة تحالف العدوان تحقيق الأهداف التي عجز عنها عسكريا عبر المفاوضات والسياسة.
وضمن التعقيدات أمام السلام الموقف الذاتي للحكومة العميلة والفصائل التابعة للعدوان، فالقوى السياسية العميلة تتخوف من وقف الحرب خشيةً على مصالحها الأنانية، خاصة وأن هذه القوى ارتهنت نفوذها التاريخي في اليمن بالاعتماد على الدعم السعودي، وهي لا تتصور مستقبلها السياسي في دولة كاملة السيادة بدون المساعدة السعودية.
وفي تجربة الهدنة الراهنة، من الملاحظ أن تحالف العدوان والحكومة العميلة (حكومة عدن) يتعاملون مع الهدنة بطابع مزدوج، فمن جهة يريدون الهدنة، فهي احتياج موضوعي لعجزهم عن الاستمرار في الحرب العسكرية ووصول السعودية والإمارات إلى قناعة بأنهم في خطر حتى مع وجود الباتريوت الأمريكي، ومن جهة ثانية فلا يريد العدوان والمرتزقة التأكيد على حقائق الواقع والخضوع للسلام العادل ويجدون في الهدنة فرصة للتهرب من الالتزامات وتعليق الوضع في اليمن بين "اللاحرب واللاسلم".
وفي مواجهة هذه السياسة المعيقة للسلام، تتمسك القوى الوطنية في صنعاء، بموقف الفصل بين القضايا الإنسانية وبين القضايا السياسية، والبدء بإنجاز الخطوات الإنسانية، من أجل دخول المفاوضات حول الحل الشامل بجدية وندية بدون ضغوط اقتصادية وإنسانية.
لم تنقطع صلة المباحثات بين صنعاء والرياض في مسقط، ويُعد فتح ميناء الحديدة أمام الحركة التجارية، مؤشراً إيجابياً على تواصل وجود تقدم في هذا المسار، إلا أن صنعاء تتهم الولايات المتحدة بإعاقة المباحثات، كما تشترط رحيل القوات الأجنبية من اليمن كأولوية للسلام، ومازالت العراقيل مستمرة على مطار صنعاء الدولي، ويأمل اليمنيون أن تلعب اتفاقية استعادة العلاقات الدبلوماسية بين كل من السعودية وإيران دوراً محفزاً للعملية السياسية في اليمن.

أترك تعليقاً

التعليقات