أمريكا اللاتينية تنتصر لليسار
 

أنس القاضي

أنس القاضي / لا ميديا -
في غضون شهر شهدت أمريكا اللاتينية تقدماً لليسار الاشتراكي المقاوم للإمبريالية، بفوز مرشحيه في كل من هندرواس وتشيلي. انتصارات جديدة تحمل الكثير من الدلالات السياسية والاقتصادية على مستوى أمريكا اللاتينية والعالم وعلى مستوى الحركات الشعبية الثورية الجديدة.
في هندرواس فازت زيومارا كاسترو زعيمة حزب "ليبري" اليساري، في أكبر دولة في أمريكا الوسطى، وهي زوجة الرئيس اليساري السابق مانويل زيلايا، الذي أطاح به انقلاب رجعي في العام 2009. وفي تشيلي فاز مرشح حزب "التقارب الاجتماعي" اليساري، غابرييل بوريك (35 عاماً) بالانتخابات الرئاسية، ليعيد حكم اليسار إلى البلد بعد الانقلاب الأمريكي الرجعي على الرئيس سلفادور ليندي في مطلع سبعينيات القرن الماضي. سبق هذان الانتصاران عودة اليسار إلى بوليفيا بعد الانقلاب الرجعي الذي نفذته الإمبريالية الأمريكية ضد الرئيس المقاوم إيفو موراليس، فقد عاد حزب موراليس "نحو الاشتراكية" إلى سدة الرئاسة بانتصار رفيقه لويس آرسي (وزير الاقتصاد في عهد موراليس) في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2020، كما عجزت الولايات المتحدة عن الإطاحة بخليفة هوجو شافيز في فنزويلا الرئيس مادورو.
إن مختلف هذه الانتصارات في أمريكا اللاتينية ليست مصادفة، بل تحركها له قانونية معينة، ألا وهي تصاعد الحركات الشعبية الثورية وارتخاء قبضة الإمبريالية الأمريكية. ورغم أن قبضة الإمبريالية الأمريكية ترتخي أيضاً في منطقتنا العربية الإسلامية (وطبعاً الإمبريالية والصهيونية وأدواتهما يقاومون هذا الأمر)، إلا أن الحركات الشعبية الثورية في أمريكا اللاتينية -بخلاف مثل هذه الحركات في منطقتنا- كانت الأقدر على استثمار هذه المتغيرات، وذلك بسبب التصاقها الشديد بالمجتمع وهمومه الاجتماعية وتطويرها تجارب شعبية ثورية ديمقراطية، وهو ما تفتقده الحركات اليسارية في منطقتنا.
تُراكم القوى الشعبية في أمريكا اللاتينية تجاربها وخبراتها الثورية والديمقراطية، وتشهد نوعاً من التضامن الثوري والاستمرارية في الحراك الشعبي والديمقراطية، على أساس التمسك بالثوابت السياسية من السيادة الوطنية ومواجهة الإمبريالية الأمريكية والحركة الصهيونية، وتجديد الشعارات الاقتصادية الاجتماعية وفقاً لتطورات الواقع. حالة الحركة المستمرة هذه هي التي تمكنها من التطور، على عكس حالة التذبذبات الشعبية الثورية التي تشهدها المنطقة العربية.
صعود اليسار في أمريكا اللاتينية يثبت مسألتين مهمتين: الأولى: أن الإمبريالية الأمريكية لم تعد قادرة سياسياً واقتصادياً على الهيمنة على أمريكا اللاتينية ولا تمويل مشاريع اقتصادية كمشروع مارشال، ولا فرض تفوق حلفائها من الحركات الليبرلية واليمين المعتدل واليمين المتطرف بدون اللجوء إلى الانقلابات، ناهيك عن الضعف النسبي الذي بدأ يدب في كيان الولايات المتحدة، والذي يتجلى في المنطقة العربية والإسلامية، إلا أن هذه المنطقة في الوقت ذاته لا تزال إحدى ركائز الهيمنة الأمريكية، وخاصة في مجالات الطاقة والطرق البحرية التي تمثل أهمية للتفوق الأمريكي استعمارياً في العالم.
المسألة الأخرى هي أن النماذج الاقتصادية الليبرالية التي تأتي بها القوى الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تلقي بظلالها على الجماهير الشعبية وتحمل الفقراء والكادحين عبء المحافظة على الحركة الاقتصادية وتأمين الفائض والتراكم المالي لكبار الشركات، هذه السياسة الرأسمالية المتوحشة ليست خاطئة فقط على المستوى الفلسفي والمنطقي، بل إنها باتت مرفوضة عملياً على المستوى الشعبي، والخيار البديل هو خيار السوق الاجتماعي التي تجمع ما بين السلعية الرأسمالية التي تشهدها هذه البلدان وما بين الالتزام الفعلي الصارم من قبل الدولة بمراعاة الحالة المعيشية والاجتماعية للشعب، وفي مقدمته الفرقاء والمحرومون، فالجماهير الشعبية التي فازت في هذه الدول وحطمت الانقلابات والأنظمة الموالية للولايات المتحدة وأعادت الأحزاب اليسارية إلى الحكم في هذه الدول إنما أعادت مثل هذه السياسة الاقتصادية التي تراعي مصالح الطبقة الشعبية، وهذا الأمر يؤكد ضرورة أن يحمل كل حراك تحرري واستقلالي وعادل -سواء كان ثورياً كفاحياً أو سلمياً سياسياً- مضموناً معادياً لسياسة الاحتكارات الرأسمالية وللنيوليبرالية.

أترك تعليقاً

التعليقات