فؤاد يحيى العرشي

قراءة شعرية: فؤاد يحيى العرشي / لا ميديا -

الديوان:
يقع الديوان في 235 صفحة من القطع المتوسط طول 21 سم وعرض 14.5 سم تقريبا.
يحتوي على 140 قصيدة متنوعة بين الفصيح والشعبي (الحميني).
صدر عن مركز عبادي للطباعة والنشر صنعاء ضمن سلسلة إبداعات يمانية.
صدرت الطبعة الأولى 1433هـ الموافق 2012.
يحتوي الديوان على فهرس مميز يتضمن أسماء القصائد وأمام كل قصيدة تم إنشادها اسم المنشد.
وهذا جميل جداً كأبجدية للتوثيق عموماً وتوثيق (الحقوق المجاورة) في ما يخص المنشدين، ومن خلال الفهرس يتضح لنا أن عدد القصائد المنشدة هو 109 قصائد.. هذا إلى تاريخ طباعة الديوان.
وينقسم الديوان من حيث الأغراض الشعرية إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
1. قسم الروحانيات: والذي يحوي قصائد المدائح والعشق الإلهي والنبوي والمقامات الشريفة، وهو القسم الأهم والأبرز.
2. القسم الثوري والوطني: ويحتوي على عدد من القصائد الوطنية والثورية، وبخاصة تلك القصائد التي ظهرت منذ بداية ثورة 2011.
3. قسم المناسبات: وهو عبارة عن قصائد التهاني في المناسبات، وبخاصة تهاني الأعراس، وكذلك المراثي.
ومن الملاحظات على الديوان في الشكل والمظهر:
1. لم يتم التوضيح عن نوع القصائد الفصحى والحميني الشعبي كعنوان صغير جانبي مثلاً.
2. وجود الكثير من القصائد بدون تاريخ.
3. تم تذييل عنوان الديوان بالعبارة التالية “ديوان الإنشاد”، وكأن الشاعر يريد إخبارنا أنه جمع كل قصائد التجربة الإنشادية له في هذا الديوان حتى تاريخ صدوره، وهذا لا يكفي باعتقادي.

مدخل:
في بداية شهر مايو من العام 2022، حصلت على نسخة من الديوان وفي أثناء قراءتي للديوان لفت نظري:
1. التنوع الإبداعي من حيث البناء، وسنأتي على ذكره لاحقاً بتفصيل أكثر.
2. الكم الكبير للقصائد المنشدة، والتي نرددها دائماً دون أن نلقي بالاً لعددها الكبير.
وهذا يؤكد قناعتي أن الشاعر عبدالحفيظ حسن الخزان هو رائد القصيدة الإنشادية (المدائح الإلهية والنبوية والعلوية) في القرن الخامس عشر الهجري.

الروحانيات:
سأبدأ معك أيها القارئ الكريم من حيث بدأت أنا وبما لفت نظري من الوهلة الأولى لنتأمل هذه المطالع معًا:
مطلع قصيدة “رأيت الله”:
رأيت الله في ذاتي
وما فكرت في ذاته
إلهٌ واحدٌ حكمٌ
تنزه عن خليقاته

مطلع قصيدة “جل في عُلاه”:
بسم الله لا         رب لي سواه
خالق الملا         جل في عُلاه

مطلع قصيدة “الشوق في أضلعي”:
الشوق في أضلعي توقد
والحب قد أسكر الفؤاد
لمن له العشق قد تأكد
يا رب حقق لنا المراد

ومن قصيدة “لأنك أنت وحدك”:
رضيتك سيدي والقلب يرضى
بما يسمو ليقتاد الفنارا
بدأت أحس للنبرات معنى
يسجل فيك للبشر اعتذارا

ومن قصيدة “من ذكريات الشمس”:
فليس كالشمس في الحفّاظ ذاكرة
كم شاهدت مدناٌ عظمى وبوابة
من عصر (يوشع) مازالت مواليةٌ
تشاهد الأمر أو تعطيه أسبابه

مطلع قصيدة “جئت أشتم أريجاً”:
عند شلال الغدير العلوي
تحت ظل الدوحتين
حيث تم الله نوره
في لُحيظات الوداع النبوي
جئت أشتم أريجا
لم يزل يسكنه العشق طريا

قبل أن نتكلم عن هذه المطالع والأبيات ودلالتها يجب أن نعرف أن الشعر الإنشادي يتصف غالباً بالتسطيح والمباشرة والتقريرية والأهم في الشعر الإنشادي هي المطالع، لأنها التي ستحفظ عند عامة الناس وسترددها الألسن، ونادرا ما يحفظ الشعر ذو اللغة الجزلة والتراكيب البلاغية المختلفة.
الجدير بالذكر من خلال هذه المطالع وغيرها من المطالع المشابهة لها والتراكيب البنيوية للقصائد وجدتُ شيئاً هاماً، لقد كتب الشاعر هذه القصائد بتنوع بنيوي عجيب ابتداءً من السهل الممتنع والمباشر، مروراً بالجزالة والقوة وانتهاءً بالرمزية والإسقاطات التاريخية والفلسفية كما هو واضح في الأبيات التي أوردناها.
وهنا تبادر إلى ذهني سؤال: لماذا اختار الشاعر الكتابة بهذا التنوع، وهو ذلك الأستاذ العالم والعارف باللغة والبلاغة والأدب قديمه وحديثه؟
فالمتتبع للنتاج الشعري للشاعر عبدالحفيظ الخزان بتأمل وتمعن سيعرف الإجابة.
لقد حمل هذا الشاعر قضيته المتمثلة في الحفاظ على الثقافة الإيمانية الأصيلة النابعة من المعرفة بالله سبحانه وتعالى وبرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبآل بيته الأطهار عليهم السلام، وذلك في مواجهة الثقافات المغلوطة التي كانت ومازالت تشكل خطرا على الفكر الإسلامي الحقيقي، وقد أراد أن تصل إلى كل الناس بمختلف أعمارهم وثقافاتهم، فكتب إليهم هذه الأناشيد بهذا التنوع الفريد والخصب.
وها هي ذي القصائد بين أيدينا في هذا الديوان تخبرنا عن مدى براعة هذا الشاعر الممتلئ حباً وشوقاً وعشقاً لهذه المقامات العالية والعظيمة في حب الله ورسوله وآلِ بيته تجده خليطاً من “دعبل، والحلاج، وابن الفارض، والبرعي، والهبل، وجابر رزق، وشوقي” وغيرهم من الذين برعوا في مجال المدائح الإلهية والنبوية والعلوية، ولكن بأسلوب عصري جديد ومتميز استطاع من خلال لغته الصافية وأسلوبه العذب ونفسه الخاص الذي لا يشبه أحدا والتنوع البنيوي والمعنوي في قصائده جذب كافة المنشدين إلى إنشاد كل نتاجه الشعري تقريباً في هذا العصر.
اعتمد الشاعر في كتابة قصائده على البحور المجزوءة والمشطورة والخفيفة ذات التفاعيل الأقل، وكذلك قام بإدخال قوالب الشعر الحميني على الشعر الفصيح كالرباعيات والموشحات، إضافة إلى ابتكار أسلوب جديد في الشعر الإنشادي عن طريق كتابة بعض هذه القصائد بطريقة شعر التفعيلة، كل هذا أعطى الملحنين من المنشدين مجالاً واسعا للإبداع في التلحين الجديد، وكذلك تطوير بعض الألحان التراثية.

كما نلاحظ القصائد المختلفة في التراكيب وأسلوب تناول الممدوح الواحد من زوايا متعددة، وهذا يدل على الثراء اللغوي والفكري والمعرفي والخيال الخصب والعبقرية الفذة لهذا الشاعر.
تميز الشاعر عبدالحفيظ عن سابقيه بأنه أضاف القضايا المعاصرة للأمة في قلب القصيدة الروحانية فجمعت هذه النوعية من القصائد صفة “الروحانية والثورية”، مثال على ذلك:
في قصيدة “سيد الكونين طه”:
سيد الكونين طه
بك رب العرش باهى
يا خياراً من خيارٍ
أنت أعلى الناس جاها

ثم يقول:
يا رسول الله نفسي
لك تشكو ما دهاها
أممٌ مالت علينا
واكتوينا من لظاها
أنت أوضحت طريقاً
وانشغلنا بسواها

ويقول في قصيدة “دلائل أشواقي”:
أبا القاسم الأبهى من الشمس هديه
تدارك رسول الله  فالخطب فادحُ
تداعى علينا الظالمون وأسرفوا
وضاقت أمانينا فما قام فاتحُ
ففي باحة الأقصى دماء بني أبي
وفي النجف الأسمى تقوم النوائحُ

من خلال المثالين السابقين نجد أن الشاعر تمرد على القصيدة الروحانية التقليدية، ليس في البناء والمعنى فقط ولكن بجعل  قضايا الأمة جزءا من روحانيتها، وهناك قصائد مباشرة لهذه القضايا ومن أجمل هذه القصائد:
قصيدة “القدس كربلاء”:
القدس كربلاء
تحكي الحسين ثائرا
وتلعن القياصرة
وساسة القرود
والطعنة (المجوشنه)
وهذه القصيدة شكلت عندي فارقا في الشعر الإنشادي، وستظل علامة في تاريخ الإنشاد المعاصر شعراً بالمقام الأول ولحناً وهي تحتاج إلى دراسة نقدية خاصة بها.
تميزت قصائد المديح بقيمة إضافية وهي: القصائد التي قالها الشاعر في السيدة الزهراء (عليها السلام) كتجربة فريدة وغنية أعادت وأحيت فينا علاقتنا بالسيدة الزهراء (عليها السلام).
وقد كتب الشاعر هذه القصائد بأرقى ما يمكن أن يُكتب به الشعر الإنشادي.
حيث ضم الديوان 16 قصيدة مباشرة خاصة بالسيدة الزهراء (عليها السلام)، ذكر فيها فضلها ومناقبها وصفاتها الإيمانية، وجعل منها أنموذجاً للاقتداء والفخر والعزة والكرامة، ومما قال فيها من قصيدة “قالوا وثمة من يقول”:
قالوا وثمة من يقولْ ماذا ستنشدُ للبتولْ؟
قلتُ الدراري جمةً والقولُ في الزهراء يطولْ

ومن قصيدة “سلام عليها”:
سلام عليها سلام سلامْ فتاةُ المعالي وبنتُ الكرامْ
إليها تسامى ربيعُ الهوى وفيها تهادى جميلُ الكلامْ
لها في المزايا عظيم الهدى تقوم المعالي لها باحترامْ

ومن قصيدة “يا ابنة المصطفى”:
يا ابنة المصطفى أفيضي علينا بعض ما فيك من جلالِ الفضيلةْ
أنتِ بنت العفافِ أمُّ أبيها أطهرُ الغانيات أزكى سليلةْ
أنتِ من صورَ الحياءَ وأذكى سرَّ ما فيه من معانٍ جليلهْ
ومن الجميل أن نجد 12 قصيدة منها قد تم إنشادها، إنها بحق تجربة فريدة ومتميزة.

القسم الثوري والوطني:
بتلك العذوبة والجمال والسلاسة كتب الشاعر قصائد للوطن بذلك القلب العاشق والمحب.. يقول في قصيدة “لولاك يا وطني”:
وطني أحبك في قولي وأفعالي
لولاك يا وطني ما طاب موالي
إلى أن يقول:
في دفتر الكون تبدو أنت بسملة
وفي معانيه تبدو الجوهر الغالي
ويقول في قصائد ثورية، مثل قصيدة “حرمات وشجب”:
حرمنا من الماء والكهربا
حق لنا اليوم أن نشجبا
ويقول في قصيدة “مدينتي”:
مدينتي مدينة
وديعة حزينة
جمالها ما مثله
في الأرض من مدينة
ومن قصائده الثورية أيضاً قصيدة “توحدوا في موكب”:
هيا انصبوا الخياما
وأعلنوا اعتصاما
لأنكم شبيبة
هيهات أن تضاما

قسم المناسبات:
وردت في هذا الديوان مجموعة من قصائد التهاني في ما يخص الأعراس تحديداً وكذلك مجموعة من المراثي، والمتعارف عليه في هذا النوع الشعري أنه يغلب عليه النظم أكثر من الشعر، وخصوصاً في قصائد الأعراس، وهنا وجدنا قدرة الشاعر على ملامسة مشاعر الآخرين في مناسبات الأعراس ونراه محلقاً بمشاعره الفياضة والصادقة في قصائد المراثي، والتي استوقفني الكثير منها فلاحت في ناظري وخاطري كنهر من الأحزان تجلى فيه نبوغ الشاعر في تلك الشوارد من الأبيات البديعة، وعلى سبيل المثال:
في قصيدة “لماذا لا أموت معك؟” حيث يقول:
لماذا لا أموت معكْ؟
وقد أورثتني وجعكْ
لماذا؟ كيف؟ تسألني!
فضائل كنَّ منتجعكْ
أعاني حر لوعتها
وأقسم بالذي رفعكْ
أضيق أضيق مختنقا
وأسأل عنك متسعكْ
فهذه القصيدة لوحدها تستحق أن تقدم لها دراسة نقدية خاصة لما تزخر به من وجد وعاطفة ودلالات بلاغية وفلسفية عالية في السبك والمعنى.

الإرث الحضاري:
عندما يصل عدد القصائد المنشدة لهذا الشاعر بما يقرب من 150 قصيدة تردد في كل المناسبات التي تعتمد على فن النشيد وتردد بشكل يومي في مجالس الأعراس والموالد والمناسبات الدينية، فهذا يعتبر إرثا حضاريا وفكريا وأدبيا وفنيا لحقبة زمنية هامة في تاريخ الأمة لا يمكن تجاوزها أو إغفالها.
وهنا نقول إن الشاعر عبدالحفيظ الخزان قد حفر اسمه بأحرف من نور في صفحة تاريخ هذه الأمة من خلال نتاجه الباذخ.. ولهذا نتمنى ألا تخلو الأسواق من دواوين الشاعر عبدالحفيظ الخزان حيث صارت مرجعا ومعيناً سينهل منها الأجيال القادمة.
ملاحظة: مازال في الديوان الكثير ليدرس فما ورد في هذه القراءة إلا النزر اليسير.
في الختام أتمنى للشاعر عبدالحفيظ الخزان المزيد من التألق والإبداع.

أترك تعليقاً

التعليقات