خلال جولتنا داخل حارات مدينة صعدة القديمة تحسست أرواحنا روحانية الشجن الصوفي، ولامست عبق الماضي والحنين إليه، لقد مر الحسين عليه السلام من هنا.. تفوح الأسوار الطينية عطراً من عصر جميل لازال يحمل رونقه التاريخي والروحي إلى اليوم.
لقد أسرتنا روعة المكان وقداسته لنقف دقيقتين صمتاً من الشغف والذهول أمام جامع الإمام الهادي، وأرواحنا تشدو لأداء السلام عليه.
وبعد جولة قمنا بها داخل فناء الجامع الذي يعد أقدم معلم ديني بمحافظة صعدة، حيث يعود تاريخ إنشائه إلى أكثر من 1200 عام، نطلع القراء على نبذة مختصرة عن تاريخ الجامع ومحتوياته في التالي.
تاريخ النشوء
جامع الهادي أو جامع الإمام الهادي أحد مساجد مدينة صعدة التاريخية، ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية لمدينة صعدة القديمة، بني الجامع في 897م تقريباً، وسمي باسم الإمام يحيى بن الحسين الملقب بـ(الهادي إلى الحق)، مؤسس الدولة الزيدية، ويعد أقدم مقر لتعليم المذهب الزيدي في شبه الجزيرة العربية.
ثالث جامع تاريخي في اليمن
يتألف الجامع من صحن مكشوف في الوسط تحيط به 4 أروقة أعمقها رواق القبلة، ويمكن الدخول إليه عبر 13 باباً، وللجامع مئذنتان، الكبرى منهما تقع في الصحن، وتعد من أكبر المآذن في الجوامع اليمنية القديمة، إذ يصل ارتفاعها إلى حوالي 52 متراً، أما المئذنة الثانية فهي صغيرة وتقع في الفناء الجنوبي للجامع.
ويعد جامع الهادي ثالث جامع تاريخي في اليمن تلحق به مئذنة، بعد جامع فروة بن مسيك والجامع الكبير بصنعاء.
ولجامع الهادي قبتان إحداهما وهي القبة الخضراء بُنيت على شكل نصف دائرة، ويرقد تحتها الإمام الهادي وولداه المرتضى والناصر. كما يقف المسجد على 50 عموداً، وتم تقسيمه بحسب بعض المرويات التاريخية إلى محرابين يفصل بينهما فناء مكشوف، خصص أحدهما للأئمة والآخر للعامة.
كما أنه أقدم مسجد جامع تلحق به منازل للمنقطعين والمهاجرين، بالإضافة إلى أنه المثل الوحيد الذي تبرز كتلة محرابه عن سمت الواجهة بمستويين وتدرج يقل كلما ارتفع البناء بتصميم يعكس جمال العمارة الإسلامية في اليمن.
عمارة يمنية وزخرفة عربية
كما يحتوي الجامع على العديد من عناصر فن العمارة اليمنية، ويوجد فيه أيضاً منبر خشبي من أقدم المنابر ذات التاريخ المدون، إذ يرجع تاريخه إلى 310هـ/ 922م، إلى جانب 8 تراكيب خشبية حملت صفوفها شتى صنوف الزخارف العربية، بالإضافة إلى العديد من شواهد القبور التي نقشت عليها أنواع من الخطوط المحفورة في الحجر، والتي توضح إبداع الخطاط اليمني وقدرته ومهارته عبر العصور الإسلامية، كما تزين جدران المسجد زخارف هندسية ونباتية وكتابية متنوعة نفذت بمادة الجص بإتقان منقطع النظير.
جامعة علمية
وعلى امتداد الفترات التاريخية لليمن مثّل الجامع مقصداً لطلاب العلم، لا سيما في المواسم الدينية كشهر رمضان الذي يستغله الناس للتجمع في حلقات ذكر وقراءة للقرآن وتدبر آياته.
يعتبر الجامع على مدى أكثر من 10 قرون خلت، جامعة علمية ومنار إشعاع فكري وديني وثقافي بحسب ما ذكره المؤرخون، قبل أن تحوله غارات التحالف إلى ركام وغبار متناثر.
ترميم الجامع
تعرض جامع الإمام الهادي للقصف من قبل طيران العدوان السعودي في الـ9 من مايو 2015، مما أدى إلى إصابة الجامع بأضرار بالغة في البوابة الشرقية ومرافق الوقف المحيطة به، إلا أن السلطة المحلية بمحافظة صعدة بدأت منذ الأسبوع قبل الفائت، عملية ترميم واسعة للأماكن المتضررة في الجامع من الغارات، وتجري عملية الترميم بجهود ذاتية على نفقة السلطة المحلية بالمحافظة، والتي تقوم رغم الظروف الصعبة والإمكانيات الشحيحة بعمليات ترميم متواصلة لكل ما يدمره طيران العدوان من جسور وطرق ومدارس وغير ذلك من المنشآت العامة التي تُستهدف من قبله.
المصدر حلمي الكمالي/ لا