تجد الثورة نفسها في مآزق عديدة بسبب التحالفات الاضطرارية الملتبسة مع جناح الفساد السابق، على الرغم من انكشاف طبيعته وأهدافه وأغراضه الاستراتيجية، ودوره في خدمة العدوان.. هناك أثمان وأكلاف كثيرة لهذه العلاقات تمس موقف الثورة وعلاقاتها بالشعب وبالقوى الوطنية والاجتماعية، حيث تجد نفسها مضطرة لغض الطرف عن العديد من المشكلات والممارسات السلبية من قبل الشريك السياسي.
فهل تلك الأكلاف مبررة وضرورية ولا خيار أمامها في المرحلة الحالية؟ ولماذا تجد الثورة نفسها في هذا المأزق؟ أهو الذكاء الخارق؟ أم هو القلق الفائض؟ أم الأوهام؟
كل هذه الاعتبارات لا تتطابق مع موقف الثورة الحالية، بل تزيد مواقفها صعوبة وتشابكاً وتعقيداً مع تصاعد الأزمة الحكومية الراهنة، وما يدفع الثورة إلى هذه الأزمة هو تشددها في الشراكة مع الفساد ومع قواه، وقد قدَّرت أنها بهذا التكتيك سوف تحقق أهدافاً هامة جداً هي عزل الفساد عن العدوان في المعركة الجارية معه.
ولكن هل حققت الثورة أهدافها إلى الآن، وعزلت الفساد عن العدوان، ومنعته من خدمته والتحالف معه؟ 
لا، لم تمنع الفساد من التعاون والتحالف مع العدوان، لكنها حققت نتيجة مزدوجة، من حيث إنها أجلت المواجهة مع الفساد لأعوام ثلاثة، ومنحت الثورة نفسها فرصة لإعادة تنظيم قواها في الداخل، وتوسيع منظوماتها الشعبية الجماهيرية استعداداً للتحديات القادمة، وأضحت أكثر قوة من ذي قبل عسكرياً وسياسياً وجماهيرياً ومعنوياً، وتتسارع خطى تحقيق تفوقات استراتيجية في الميادين التي ظلت حكراً على العدو، وآخرها إسقاط طائرتين للعدو خلال شهر واحد من أفضل طراز عسكري عالي التفوق، وخاصة الأخيرة (تايفون).
والنتيجة الأخرى، أنها منحت -في الوقت نفسه- الفساد الفرصة لإعادة تنظيم قواه وتموضعه، وتمكينه من الوزارات الإيرادية، مما جعله يتحكم في مصير الحالة الاقتصادية للشعب مراراً، محققاً بذلك أهدافه وأطماعه، ومتمكناً من إثارة الأزمة العامة الاقتصادية الاجتماعية التي تستفز الشعب للخروج إلى الشارع في ثورة لإسقاط الحكومة أو الحكم كله، وليس هناك من مآل آخر للسياسات الحكومية الراهنة التي أثخنت كاهل الشعب بالمعاناة والديون.
وباعتبار أننا أمام ثورة قادمة، فما هي طبيعتها؟ هل ستكون ثورة مضادة للثورة الشعبية الوطنية الحالية بقيادة الجيش الشعبي الثوري؟ أم ستكون ثورة ضمن الثورة الشعبية التحررية وامتداداً لها؟

الثورة قادمة حتماً.. قوتان متعارضتان متناحرتان تتحركان نحو الميدان
من طبيعة التطور الاجتماعي أن الشعب لا يقبل التحرك بالثورة للأمام إلا بعد أن يجرب طرق الدروب الأخرى، دروب السلامة والسلم الأهلي الاجتماعي والتعايش الطبقي والسياسي والشراكة السياسية بين المتناقضات، وهي تجربة تاريخية تم الخوض فيها إلى الآن، وها هي قد وصلت إلى نهايتها الآن، واستوفت أغراضها وضروراتها، ولم يعد ممكناً الاستمرار في هذا الحال، وإلا لما كانت بلغت هذا التأزم والانسداد الذي نعيشه اليوم.
والاستمرار يعني تراكم الإشكاليات والصعوبات والمعضلات. وقد كشفت الوقائع عن كامل مكنونات الوضع القائم، وهذا يقود إلى تنامي الحال التأزمي الصراعي بين الطرفين المتشاركين بعد أن استُنفدت كافة الإمكانات والتنازلات والمصالحات والمساومات، فلا يعود بعدها إلا القطع في علاقات التشارك والانغماس في الصراع المكشوف.

انعكاساتها الاجتماعية
إن هذا الصراع الطبقي قائم بين طبقات الشعب من جهة وبين الطبقات البيروقراطية الفاسدة السائدة السابقة من بيروقراطية العدوان والبيروقراطية الفاسدة في الداخل، من جهة مقابلة. وهذه الأخيرة كانت قد دخلت منذ 2011م في انقسامات بينية أدارها مديرها الدولي والإقليمي ضمن مشروع إعادة ترتيب تموضعات مراكز النفوذ الوكيلية بما يتواءم والمتغيرات الجديدة التي اجتاحت المنطقة والعالم.
كانت القوى الشعبية الثورية قد استغلت -في غمرة ذلك الانغماس في الصراع البيني على السلطة- إقامة تحالفات تكتيكية مع أحد أطرافها -الأقل خطراً- لتتفرغ للقوى الأكثر خطورةً وقوة، وتحسم معها، ثم ستقرر لاحقاً الظروف وموجباتها ماهية العلاقة مع القوى المؤجلة، إما تحالفاً والموادعة أو الصراع الواضح كخيار أخير لا يمكن استبداله بخيارات أخرى أقل تكلفة. 

الاستراتيجية البيروقراطية 
الخيانية العامة
لضمان مصالحها الاستراتيجية قررت البيروقراطية الخارجية العدوانية أنه لا يمكنها تحقيق أي اختراق في الجبهات اليمنية عسكرياً من الخارج بعد المحاولات الحثيثة في الفترة الماضية، الأمر الذي جعلها تتجه لتحقيق اختراق في التحالف اليمني الداخلي القائم بين الثورة والبيروقراطية الماكثة في الداخل، وبذلك بدأ بوصل وتقريب عدد من الحلقات والأجنحة البيروقراطية الداخلية للطغيان السابق وقواه الأكثر رجعية وتطرفاً ويمينية، لاسيما تلك التي كانت متخفية ومستترة، وهي من أغنى وأعتى الشرائح الفاسدة، محافظة بذلك على شبكات مصالحها وتعيد تدويرها وإعادة تشكيلها، محققة بذلك مكاسب اقتصادية جديدة على هامش التحالف الراهن على الرغم من خسارتها السياسية العامة.
إلا أن الثورة بينت وأثبتت أنه لا يمكن احتواؤها والسير معها إلى النهاية -لمن ليسوا معها ومستفيدين منها- دون تعارض وصدام ذلك أن تلك المصالح لا يمكن تحقيقها بدون سيطرة مطلقة على السوق الوطنية والإدارة بما يتيح لها تكرار الفرص والممكنات واحتكارها لمواصلة ممارسة أنشطتها خارج القانون والمصالح الوطنية، الأمر الذي يجعل -موضوعياً- مستقبل التحالف قصيراً وهشاً.

أبرز مجالات التعاون ضد الوطن والثورة
تمثل التعاون السياسي السري بين البيروقراطيات في شق الصف الوطني وتفكيك الجبهة الداخلية وإضعاف الصمود الشعبي ومعنويات المقاومة خاصة بدعوات (السلام) الملغمة والمبادرات الملغومة. وأكثر ما يفضح ذلك هو تهريب الفار هادي من العاصمة.
أيضاً، التعاون الاقتصادي التخريبي وتأزيم المجتمع معيشياً. وكذا التعاون العسكري مع العدوان وفتح الثغرات له في أكثر من واقعة من عدن إلى تعز إلى نهم وغيرها، وبغرض توجيه الضربات المميتة لقوات الجيش واللجان الأبطال، ما يضعف البنية الحربية للمواجهة وإدارة الحرب الوطنية التحررية.
ومما لا يخفى أيضاً، هو تماثل النشاط التحريضي الدعائي في الشارع ضد الثورة وقواها وأبطالها بالتزامن مع نشاط إعلامي تشويهي منسجم وتوصيفات إعلام العدوان وحملاته الشرسة على أبناء الشعب المحارب والمضحي..
ومن الهام بمكان، أن هذه الحملات أرادت إشغال الوطن وإدخاله في دوامة من الاضطرابات والتشوش في الرؤية، وشحنه بالإحباط واليأس، والإشغال عما يجري في الواقع من مخططات ومتغيرات وأوضاع، وتحاول جر الثورة إلى مربعاتها، خاصة النزق الإعلامي الفوضوي غير المنظم أملاً بإفراغ الخطاب والتوجهات إلى بؤرة مشاحنات سقيمة بعيدة عن أرض الواقع وتكتفي بذلك، أي بسجالات إعلامية فوضوية تضر الثورة وقوتها ووضوحها.
كما نشطت هذه الأجهزة في الداخل، على نشر قيم عن الحيادية السياسية في ما يسمونها (الحرب)، وقضايا واهية كالانتخابات و(الأطراف الثالثة)، والتحشيد الحزبي لا الوطني الجبهوي، والإغراق في القضايا المطلبية على حساب الجوهرية والمصيرية التي تحدد كل قضايا الوطن والشعب.
وأكثر من ذلك، هو العبث بالمال العام والاتجاه لإفساد الناس بالرشاوى والأنماط المعيشية المترفة، ومحاولة خلق حالة تأفف -استهدفت الثوريين- من عفة الثورة والكفاح والبساطة والتضحية والعصامية، ومحاولة إيقاعهم في خناق البيروقراطية والمكاتب والألقاب والمسميات الوظيفية كامتيازات شخصية لا ما تفرضه من واجبات ومسؤوليات مهيبة.
إن هذه الحالة من الاستهداف للوعي والقيم، سبق وواجهته الحركات الثورية والوطنية طويلاً سواء في اليمن أو خارجه، إذ إنها وسيلة فاعلة لتخريب الثورات وقواها من داخلها، ولا يصمد في هذه المعركة الضارية والمصيرية الأشد شراسة من أية معركة إلا رجال أشداء محصنون بالقضية والموقف والوعي العالي والإيمان وصدق الانتماء والإخلاص وعدم الثقة الكاملة أو الاستراخاء والركون.
ونفهم الآن، لم كان يطرح أهم منظري الثورات بأنه في ظل الثورات فالتكتيك هو (الجرأة دائماً، الجرأة دوماً، الجرأة أبداً.. الجرأة ثم الجرأة ثم الجرأة).
وتبدو الآن الجبهة الأكثر فاعلية لدى العدو، هي الاقتصادية والإدارية والأمنية الداخلية كمجال رحب للصراع ضد الوطن والثورة قواها.

سيناريوهات استخدام القوة
في الحالين المحتملين 
هناك احتمالين ممكنان لأسلوبي استخدام القوة الخيانية للطابور الخامس الاختراقي في العاصمة، وفقاً لأسوأ الاحتمالات التي تشي بها المؤشرات والمعلومات والوقائع الموضوعية.
الأول، دمج العنف بالسياسة، عبر التحركات الشعبوية التي يتم التحضير لها عبر التنظيمات البيروقراطية السلطوية القديمة المعادية للثورة التي تكون غطاء لتمويه العنف وتبريره بعد خلق صدامات بين الشعب المتظاهر طلباً للمرتبات مثلاً، وبين اللجان الشعبية والأمنية.
والآخر، استخدام العنف السري عبر الانقضاضات المباغتة لأهداف هامة والسيطرة على مواقع ومرتفعات وعمارات ونقاط حاكمة، يأتي ضمن تنسيق تام بين التحرك من الداخل والحركة من الخارج للعدوان.
إن أي تحرك عسكري تخريبي سيكون مرتبطاً بالضرورة بالسيطرة على المرتفعات المحيطة بجنوب وغرب العاصمة ومركزها بدرجة أساسية، وعبر السيطرة على العمارات والتباب المرتفعة داخل الأحياء الرئيسية للعاصمة، وبالمسارعة إلى السيطرة على أهم الساحات الشعبية في ميدان السبعين وبعض الساحات الفرعية الأخرى ضمن تحركات سياسية يجري الدعوة لها تحت أغطية عامة كافتعال تحركات وأحداث تكون مدخلاً وتبريراً لها.
وبالتأكيد، ستترافق بالتخريب الأمني التحريضي والدعائي والتشويشي الذي يستهدف وعي الشارع سواءً عبر الأجهزة الإعلامية أو الخلايا في الشوارع والإشاعات...
وأخيراً، وبمناسبة وصول صحيفة (لا) للعدد 100 والذي يتزامن مع حلول الذكرى السنوية الثانية لصدورها في أول نوفمبر، يتوجب علينا القول إنها، وبعد مرور عامين على ميلادها، تشبه (العود) كلما احترق تزايد ريح الطيب العطر. إنهما عامان حافلان لصحيفة صدرت تحت القصف، وولدت من رحم الثورة والمقاومة وإرادة الانتصار، فكانت عصامية قاسية الوقع على الظلامية وأغلالها المريدة تطويق الوعي.. إن كل عدد منها يخلد اسمها (لا) في ذاكرة التاريخ، وها هي تسابق لتقدم طريق الرفض والتحرر باهظ الكلفة، إلا على المؤمنين.
لجميع كادر الصحيفة منا أشد التحايا الثورية وبالغ الإجلال والتمنيات بالتوفيق في مشوارهم الكفاحي ووصول أعداد (لا) إلى ما لا نهاية..