علي نعمان المقطري / لا ميديا

إن توازن القوى خلال الأعوام الثلاثة قد رسخ حقائق توازنات وقواعد اشتباك عدة، أبرزها أن عُرض الساحل الترابي المكشوف الطويل يعتبر ضيقاً جداً للمناورات والمعارك البرية الكبيرة، فهو لا يزيد عرضه عن 30 كيلومتراً في جنوبه ووسطه، وبعدها تبتدئ سلاسل المرتفعات الجبلية المترادفة صعوداً نحو الشرق والشمال، والنتيجة الموضوعية لهذه الحقيقة هي:
أن الهجوم البري العدواني على الساحل سيكون حتماً محكوماً بعرض وبمساحة المكان الذي يجري فيه الاختراق والتسلل. إن المكان هو سر الحركة ومآلاتها ونتيجتها، فكل شيء يجري على المكان وحسب شكل وأبعاد وأعماق وآفاق المكان، الأرض الجغرافية الاستراتيجية التي تجري عليها العمليات، والأرض التي يسيطر عليها صاحب الأرض تمنح الأخير القدرة على توظيفها دوماً كسلاح في المعركة ضد الغزاة. إن الأرض تصبح سلاحاً ضد الغازي كلما ضاقت مساحاتها وتقلصت عوارضها، فإذا أضيف لذلك مزايا التفوق البري العددي والمعنوي والحاضنة الشعبية المقاومة، تصبح النتيجة محسومة سلفاً للمدافع عن الأرض.
ومعنى هذا أن الاختراق العدواني الأخير في الساحل، هو عملية صبيانية حقيقة، ولكنها مع ذلك يجب أن تؤخذ كعملية مجنونة محسوبة وفقاً لخطة التفافية معدلة منسقة تعرف حدودها القصوى.
كيف يفكر العدو إزاء هذه المعضلة الاستراتيجية ويتصرف ويخطط؟
العدو يعرف هذه الحقيقة الموضوعية ويدرك نتائجها، فكيف يتعامل معها إذن؟
يواجه العدو تحديات الواقع عبر إعادة التكيف الاستراتيجي والتكتيكي، والالتفاف على التحديات من خلال:
معرفة العدو حدوده وقدراته القصوى في الظروف الملموسة، والإقرار بتفوق قوات الجيش واللجان الشعبية البري والمعنوي والعددي والجغرافي، والمراهنة على نقاط الضعف الحتمية لها ولأي جيش في وضع الدفاع الاستراتيجي، فالجيش في وضع الدفاع مهما كانت قوته لابد أن يفاجأ أحياناً بالهجمات التسللية والاختراقية في مواجهة التفوق الجوي البحري المادي والتقني، ولذلك يقيم العدو تكتيكاته بناء على احتساب تلك النقاط السوداء الفارغة في جدار الاستراتيجية الوطنية أو الثغرات التكتيكية الممكنة جزئياً، مثال ذلك الخيانة أو ضعف اليقظة الفكرية والعملياتية وضعف التوقع والتنبؤ بسلوك العدو ومخططاته المحتملة، وطالما لم تحسم الحرب ككل بعد فلابد أن نتوقع دوماً إعادة الكرة مرات ومرات بدون توقف رغم ما يتكبده العدو من خسائر، لأن العدو لا تهمه الخسائر البشرية كثيراً طالما هناك مرتزقة جاهزون لبيع الأنفس والولاءات للأجنبي، وهي عملية ليست بلا نهاية، ولكنها لا تأتي سريعاً كما نشتهي.
هناك مساحة من الوقت والمعاناة تنقضي ولا بد أن تنقضي قبل أن تضع الحرب أوزارها ويضع العدو أحماله على كتفه ويرحل بعد أن تكون الحروب والصمود قد أرهقته ودوخته.
ولكن مساحة الوقت تلك هي التي يراهن العدو عليها ويرمي بكل أحماله وقواه أملاً في أن يستنزف المقاومة مادياً ومعنوياً بفعل الحصار وطول الحرب والعدوان.

رهانات العدو التكتيكية 
هل نجح العدو في اختراقاته الأخيرة؟ وهل حقق أهدافه البعيدة والقريبة؟
لقد فشل العدو في تحقيق الأهداف البعيدة والكبيرة على الساحل، وهي السيطرة على الحديدة ومحيطها ومطارها ومينائها، والتأسيس لقاعدة تتوسع لاحقاً وحصار للمرتفعات الجبلية حيث يتركز الجيش واللجان وقوى الثورة.
خسر العدو الآلاف من مرتزقته ومئات المدرعات والآليات، في أكبر خسارة حربية عرفها تاريخه في اليمن منذ بداية العدوان، فلم يسبق أن تكبد خسائر بهذا الحجم وخلال هذا الزمن القصير.
وزيادة على ذلك، تعرض عدد من ألويته للحصار، وانتقل من الهجوم إلى الدفاع والتراجع نحو قواعده في الساحل البحري التي انطلق منها.. لقد خسر العدو معركة كبرى، لكنه لم يُسحق بشكل كامل، إنها هزيمة غير مكتملة بعد، وهذا هو الحد الأقصى الذي بلغته، فمازال هناك احتياطات كبيرة قادرة على إعادة الكرة والهجوم مجدداً.
ما الذي يمنع إحراز انتصارات كاملة للجيش واللجان؟
إنه التفوق الجوي للعدو، إنها ثغرة الدفاع الجوي، وهذه المعادلة تجعل انتصاراتنا ناقصة.. لماذا؟
لأننا لا نستطيع مطاردة العدو إلى قواعده بعد كل انكسار أو هزيمة نلحقها به، فهو يفر إلى السواحل والجزر والبحر، حيث تتوفر له حماية جوية ودفاع جوي مضاد -منظومة كاملة دولية- ولذلك فالمهمة الاستراتيجية الرئيسية للقيادة الوطنية حالياً هي الإسراع في إنجاز دفاع صاروخي جوي ولو محدود محلياً -ومنطقياً- بداية، وإن كان تحقيق هذا الأمر واجباً بعيد الأمد، وسيأخذ وقتاً.
لكن يمكن:
- الانتقال إلى تطوير أساليب القتال البري بحيث تحقق النتيجة المطلوبة أو تقترب منها باستمرار، وهي تطوير إنتاج الصواريخ البرية المضادة للدروع والآليات والعربات من أنواع مختلفة وبكميات كبيرة مضاعفة، وكذلك كميات كبيرة من الألغام.
- استغلال الأرض إلى الحد الأقصى ضد الغزاة، وخاصة على الساحل، نتيجة رخاوتها وسهولة تشكيلها.
- مضاعفة التعبئة المعنوية والفكرية والوطنية والشعبية، ومضاعفة إشراك الشعب في توفير الأمن والمعلومات ضد الغزاة وأراجيفهم وتحركاتهم، وزيادة التحشيد الشعبي المقاتل.
- استغلال دقيق لنقاط ضعف العدو المتسلل والمخترق وضرب عتاده العسكري بقوة وأهمها: العربات والمدرعات والآليات والأطقم والناقلات.
إن الآليات الحربية هي عصب المعركة البرية الحديثة، وعليها تعتمد الدول الامبريالية الإقليمية في حروبها، وفي بلادنا اعتمدت الإمارات والسعودية، إضافة الى الطائرات على أحدث المدرعات الخفيفة والمدولبة، وهذا الاتجاه لا يمكن تغييره أو حرفه، فهو توجه ثابت في بنية العدو، وهو عموده الفقري ونقطة الضعف في وقت واحد.
تصبح المعركة في جوهرها العملياتي العدواني مرتبطة أشد الارتباط، بمصير المدرعة خفيفة الحركة شديدة التصفيح عالية التقنية، ومصيرها محسوم سلفاً وغير مجدية أمام قدرات اليمن الصاروخية، فالدبابة صارت هدفاً سهلاً جداً، وهي تخلي مكانها للمدرعة الحديثة الأخف والأكثر مرونة.
ويتضح هذا من نسبة المدرعات المشاركة في المعارك العدوانية منذ اختراق عدن ومأرب والجوف قبل عامين، ودورها الكبير في تحقيق الصدمات والمفاجآت والاقتحامات السريعة والتمدد الجغرافي والمناورة بالقوات والتسللات والالتفافات، فيما يعتمد تقدم الجيش اليمني وإنجازاته على قدرته في توسيع ضرباته ضد الآليات بأنواعها.
والملاحظ والكارثي بالنسبة للعدو، أنه يعتمد على الآليات وبمقدوره تعويضها، لكن ليس خلال المعركة، إذ إن العملية تحتاج إلى إعادة إنتاج الرجال الذين يمتطونها للقتال، وهذا يتطلب وقتاً. وهذه هي الثغرة الاستراتيجية التي يمكن لقوات الجيش واللجان الشعبية أن تستغلها وتطور من إمكاناتها إلى الحد الأقصى.