بشرى الغيلي/ لا ميديا

يخدعون الكثير بأساليبهم المتعددة، يوهمونهم بجديةِ ما ينشرون من إعلانات هنا وهناك، ويقعُ في فخهم الكثير من الشباب والشابات الذين يسعون لتطوير مهاراتهم واكتساب لغاتٍ أخرى.
نعم إن تطوير المهارات والتأهيل يحتاجه الجميع، فقط أن يكون في إطار عملٍ منظم ورسمي لضمان الاستمرارية والمصداقية. والمعاهد التي تنتشر في أحياء أمانة العاصمة بغرض تعليم اللغات وتأهيل المتدربين كثيرة، حتى صارت بلا رقابة من قبل وزارة التعليم الفني والتدريب المهني، التي حمّلها المسؤولية جميع من التقت بهم صحيفة (لا). ووجدت الصحيفة أثناء تتبع الحالات نماذج لضحايا وقعوا فريسة لدكاكين اللغات، وما تسوّقه من وهمٍ. ووجد التحقيق أن القليل يعملون رسميا وبتصاريح رسمية منذ  بدء مزاولة المهنة. كما أوضح مصدر رسمي من وزارة التعليم الفني أن قيادة الوزارة لا تتحمل وحدها مسؤولية الرقابة، بل جميع مكاتب الوزارة سواء بالعاصمة أو المحافظات.

ريبة...!
أخذت منفذة التحقيق أوراقها واتجهت إلى معهدٍ كان قد احتال على بعض الطلاب رسوم تسجيل. وأثناء استقبالها من قبل موظفة الاستقبال التي كانت شبه متخوفة من الحديث، خاصة بعد أن أبرزت بطاقتها الصحفية، وأنها تريدها في دردشة صحفية لا غير، فوافقت في البداية، وأثناء كلامها قالت: (انتظري حتى تأتي المديرة لأنها مش موجودة). ردت منفذة التحقيق بأنها دردشة بسيطة لا تحتاج وجود المديرة طالما هي غير موجودة. وأثناء الدردشةِ معها تبيّن فعلا أن المعهد لم يمر على افتتاحه سوى شهرين، ورغم ذلك لديه تصريح اتضح أنه استخرج مؤخرا بعد مشاكل حدثت مع الجهات المختصة. المهم أن معدّة التحقيق سألت موظفة الاستقبال عن رأيها بالمعاهد التي تكذب على الطلاب وتأخذ الرسوم منهم، ثم يأتون وقد اختفت. وكأنها ارتابت من الأمر فقالت من ضمن ردودها: (بالنسبةِ لنا لا نأخذ رسوماً إلا ونحن ندرسهم ريثما يكتمل العدد)، ثم أشارت إلى قاعتين صغيرتين بأنهما لاستقبال الطلاب وكأنها تود تقول: هذه القاعات شاهدة على ذلك.

نصب جماعي...!
صحيفة (لا) أثناء نزولها الميداني وتتبعها لما يحدث في أزقةِ الحارات التي يتم مزاولة عمل تلك المعاهد فيها، وجدت الكثير من الضحايا ممن تم الاحتيال عليهم، كأن يذهب الطالب أو الطالبة للتسجيل ويتم أخذ ما لا يقل عن ألف ريال رسوم تسجيل، وقد يتجاوز المبلغ ذلك، فيتفاجأ الطالب أنه تعامل مع وهمٍ لا أكثر.
نجلاء عبدالله (طالبة جامعية) روت قصتها مع معهدٍ احتال عليها ومجموعة من زميلاتها. بالصدفةِ كانت موجودة بالقربِ من ذلك المكان الذي كان فيه المعهد وهي تتحدث إلينا، فحدثتنا وهي تُشير للمكان بإصبعها عند تلك العمارةِ الكبيرة كان ذلك المعهد (النصّاب). تضيف: (ذهبنا أنا وزميلاتي لنسجل دبلوم انجليزي، قالوا لنا شامل الرسوم مع الشهادة، كذلك وزعوا إعلانات، فصدقناهم، ودفعنا رسوم التسجيل وجزءاً من مبلغ الدبلوم، رغم أننا استغربنا أن ندفع قبل أن نبدأ الدراسة). تضيف وهي تضحك ضحكة استهزاء: (المهم تشجعنا على ذلك لأننا فعلاً نحتاج أن نتعلم لغة غير لغتنا). وتستدرك نجلاء: (لكن للأسف طلعوا نصابين، وكل واحدة نصبوا عليها ثلاثة ألف ريال، فذهبنا إلى أحد الأقسام وقدمنا شكوى، فتجاوب القسم معنا لكنهم عندما وصلوا إلى مكان المعهد كان قد اختفى ولم يعد له أي وجود)!

قرحونا جو...!
انتهت قصة نجلاء وزميلاتها، لكننا لم ننتهِ من البحثِ عن حالاتٍ مشابهة، حيث وجدنا أثناء دخولنا أحد المعاهد، رمزي عبدالرحيم (ثانوية عامة)، لا يريد دراسة اللغة فقط، بل يريد أن يؤهل نفسه لامتحانات القبول الجامعية ليلتحق بكليةِ الطب حسب قوله، حيث أجاب بغصة: (وقعتُ ضحية نصبٍ لأحد المعاهد التي تنشر إعلاناتها بمواقع التواصل الاجتماعي، وتوزع بروشورات أنها ستقدم دورات تقوية للمواد العلمية، وتقدمت لأحد المعاهد بناءً على إعلانات نشروها سابقاً، فأكدوا أننا سندرس المواد العلمية التي تؤهلنا لامتحانات القبول، ودفعنا مبالغ رمزية أنا ومجموعة من الزملاء، وعندما جاء الوقت الذي حددوه جئنا، وأخبرونا الذين كانوا بالمكان أنهم نقلوا لجهة أخرى، وأخبرونا بالمكان وذهبنا فعلاً ولكننا للأسف لم نجد لهم أي أثر، فقلتُ لزملائي: قرحنا جو! لا فلوسنا رجعت ولا درسنا).

الطلاب ليسوا أغبياء!
المهندسة رقية أبو رشود، مديرة إدارة أحد المعاهد مر على فتحه ستة أشهر، توضح أن المعهد يقدم منحاً مجانية مدعومة من منظمة ريادة الأعمال، ولا يدفع الطالب سوى قيمة الكتاب. وعندما سألناها عن رأيها بمن يفتحون معاهد لابتزاز الطلاب، كأن يجمعوا أكبر قدر من الرسوم ثم يختفون، أجابت: (أولا الجهات المختصة يجب أن تقوم بدورها الرقابي، وقبل كل ذلك الضمير والأمانة لدى المعهد الذي يستقبل الطلاب والطالبات، كما أن الطلاب ليسوا بذلك الغباء، فبرغم أننا معهد افتتح قريباً، وخلال احتكاكي بهم مباشرة إلا أن معظمهم يأتون إلينا ويسألون عن ترخيصنا، وهل شهادتنا معتمدة، وأي جهة نتبع، وغيرها من الأسئلة).
تختم أبو رشود: (على المعاهد ألا تنظر إلى الجانب المادي والربحي، على حساب المخرجات التي تفيد الطالب، وتؤهله لسوق العمل).

شهادة اعتراف...!
قد يكون لانتشار تلك المعاهد بعض المبررات التي أوضحها خالد الروحاني، المدير التنفيذي لمؤسسة إعلام اليمنيين، قائلاً إن أبرز تلك الأسباب العدوان الذي يواجهه اليمن، وانقطاع المرتبات، وخروج أغلب الموظفين من الشركات الخاصة التي أغلقت، فتم تسريح معظم الموظفين والاكتفاء بالموجودين، فلجأ بعض ضعاف النفوس إلى أعمال الاحتيال هذه، وبما أن وزارة التعليم الفني هي الجهة المخولة بإصدار التصاريح، وليس من اختصاص أي جهة أخرى، فإن البعض اتجهوا إلى وزارة الخارجية ليستخرجوا تصاريح من أجل الشهادة المعترف بها، فاختلف الجميع بشأن الجهة الرقابية المخولة بذلك.

مشاركة القطاع الخاص
كل تلك الإشكالات التي وجدتها (لا) طرحتها على سعيد عبده الخليدي، وكيل قطاع المعايير والجودة  بوزارة التعليم الفني والتدريب المهني، الذي شكر (لا) على اهتمامها ومتابعتها لموضوع المعاهد، وقال: (إن وزارة التعليم الفني والتدريب المهني في توجهاتها الجديدة تعمل على توسيع مشاركة القطاع الخاص في استثمار التعليم والتدريب في مجال اللغات غير الناطقة بالضاد ولكن وفق معايير محددة، تمنح بموجبها أصحاب هذه المؤسسات تراخيص مزاولة التعليم والتدريب، إلا أن هناك ضعاف نفوس يوهمون الطلاب أن لديهم مؤسسات تقدم تعليماً وتدريباً في هذا المجال ، دون علم الوزارة، وفي حال اكتشاف الوزارة لهذا الإجراء من خلال تلقيها شكاوى، فإنها تقوم بإجراءاتها ضد القائمين على هذه المؤسسات).

المعايير المطلوبة
أما المعايير التي يفترض أن تتوفر في أي معهد يدرب ويؤهل، والتي بموجبها  تمنح الوزارة تراخيص مزاولة التعليم والتدريب في مجال اللغات الأجنبية، فأوضح الخليدي أنها تتمثل في توفر المكان المناسب والملائم، والكادر التعليمي، والتجهيزات والوسائل التعليمية المناسبة، والبرنامج التدريبي، والأثاث، والكادر الإداري... وأصحاب هذه المؤسسات الملزمون بتوفير تلك المتطلبات التي بموجبها تمنح الوزارة تراخيص مزاولة التعليم والتدريب، وبشأنِ الإحصائية أضاف: (المؤسسات التي تقدم تدريباً قصيراً (أقل من سنة)، وفيها أو بعضها تعليم وتدريب على اللغات الأجنبية فهي غير ثابتة، فهناك أعداد تفتح وأخرى منها تغلق، لكن ما أستطيع قوله في هذا الصدد أن عددها يفوق المائة مؤسسة).
 
ربط شبكي
وعن دور الوزارة في عمليةِ الرقابة على هذه المؤسسات وجودة ما تقدمه للمتدربين، يقول: (الحقيقة أن عملية الرقابة والمتابعة تتطلب توفير موازنة لذلك، إلاّ أن الوزارة عازمة على إدخال نظام الربط الشبكي بين الوزارة وهذه المؤسسات ليتم متابعتها ومراقبتها من خلال ذلك النظام، علماً بأن المسؤولية لا تقتصر فقط على قيادة الوزارة بل يقع في المقدمة على مكاتب الوزارة في الأمانة والمحافظات).
وختم الخليدي: (ننصح من يطرقون أبواب هذه المؤسسات بأن عليهم أن يكون أول سؤال يطرحونه: هل لديكم ترخيص مزاولة المهنة من وزارة التعليم الفني والتدريب المهني؟ وهي الوزارة المختصة، وأن يطالبوا بمشاهدة أو نسخة من ذلك الترخيص، وإذا أرادوا التأكد أكثر فعليهم التوجه إلى مكتب الوزارة في المحافظة أو ديوان عام الوزارة للتأكد من ذلك).