نستطيع أن نفعل .. نستطيع أن نكون .. يجب أن نفعل .. يجب أن نكون ..
صـــــناعـــة الــمـــستحيل


في الوقت الذي تهلل وسائل إعلام العدوان، لدخول أمريكي وشيك إلى مسرح الاشتباك العسكري المباشر في اليمن، مستمطرة كرامات (السوبرمان) لإنقاذ أدواته من وحل إخفاقاتها، ومستهدفة إيقاع الذعر في الشارع اليمني إزاء ما ترى فيه هي إلهاً مطلق القدرة، يتجلى سيد الثورة غامراً وريفاً وافراً كثيفاً ناصع المعنى وسديد البيان كهزيم رعد الغيث ونفاذ برقة في كبد أراجيف القحط وضلاليات اليباس.
وهل كنا خلال عامين من الاشتباك العسكري، نقاتل إلا أمريكا وإسرائيل؟! وإلا مشاريعهما للهيمنة والتعبيد والاستكبار والاحتلال؟! ومنذ طفرت السعودية ككيان وظيفي إلى سطح مسرح الفعل الإقليمي، هل كان نشاطها، على تباين أشكاله ومناحيه، ينصرف لغاية أو مغزى سعودي خاص جلي النفع غير (معاداة من يعادي إسرائيل أو معاداة من يناهض الهيمنة الأمريكية، وتفكيك البلدان والدول العربية والإسلامية والتآمر عليها، بما يصب - في نهاية المطاف ـ في خدمة الصهيوأمريكية)؟!
تكشف دوائر صناعة (البروبجندا) المعادية، عن ضحالة فهم مزرية لطبيعة شعب صدقت نبوءة رسول الله فيه، ولبنية (أنصار) أيديولوجية منيعة الحمى صلبة اللبنات، حين تحاول هذه الدوائر أن تخوِّف شعب الأنصار بما لا يخيفهم، بل ـ وأكثر من ذلك ـ بما يتشوقون ملاقاته، إذ ليس ثمة ما يحز في نفوس رجال الرجال أنكى من التلطي الأمريكي الصهيوني خلف الأدوات والمستخدمين والمأجورين والعناوين الداخلية في العدوان على اليمن، كما ليس ثمة ما يثير أشواق رجال الرجال كأن تسفر أمريكا عن وجهها الموارب خلف الأقنعة، وإذا كان أوان سفورها وشيكاً، فتلك بشرى تزف إليهم، لا أمر يستدعي الذعر بحسابات (البروبجندا) المعادية الضحلة.
على أن رجفة الذعر ـ إثر خطاب سيد الثورة بذكرى يوم الشهيد ـ ينبغي بالأحرى أن تسلخ جلود دوائر العدوان من (الرياض) إلى (أبوظبي) إلى (تل أبيب) إلى (واشنطن)، فالرسائل الباليستية التي حملها خطابه، تنذر ـ عن يقين ـ بجهوزية حربية يمنية لخوض الاشتباك العسكري في نطاقه المفتوح على مداءات أكثر رحابة مما هو عليه في الراهن، وبالمزيد من الضحالة يمكن للعدو أن يتلقى تلك الرسائل بوصفها دعاية ارتدادية تستهدف خض حساباته، أو أن يأخذها على محمل الجد.. ذلك شأنه، فقدراتنا الصاروخية بوسعها أن تطال ـ ليس الرياض فحسب ـ وإنما (ما بعد الرياض وما بعد بعد الرياض).
كما أن صناعتنا الحربية اليمنية تتهيأ لتفويج أنخاب من (طائرات الدرونز متعددة المهام والأغراض)، لا سيما وقد صار في مقدورها بهمة الرجال ومثابرتهم (تصنيع المدافع والذخائر). إلى ذلك، فإن ثمة (قدرات وإمكانات أخرى ستعلن عن نفسها على مسرح الفعل وأرض الواقع)، طبقاً لخطاب السيد عبدالملك الحوثي، في الذكرى السنوية ليوم الشهيد.
لقد استدعت جسامة التحديات جسامة الأدوار المنوط بنا النهوض بها في مجابهتها، و(أكسبتنا قوة إمكانات وقدرات العدو، قوةً وتجارب جديدة متحصلة من مواجهة لا سابقة لكوادرنا بخوض مثيلها، وبفعل بسالة الصمود ـ بعد الاعتماد على الله)، تضاءلت كثيراً فجوة الفارق بين ما يمتلكه العدو من قدرات هائلة وما توافر له من (أمهر خبراء أمريكيين وصهاينة ومن شتى أنحاء العالم)، وبين ما نمتلكه من قدرات متواضعة. وتجلت ثمرات الصمود مع الاعتماد على الله، عملياً في مضامير المعارك التي باتت خلالها (الأبرامز ـ فخر الصناعة الحربية الأمريكية ـ شبيهة بأرنب أمام مقاتلينا الأسود.. يطاردونها ويشعلون النار فيها بولاعة سجائر).
وفي غضون معركة احتسب العدو سقف حسمها زمنياً بـ(أسبوعين، ثم لجأ لتمديدها أشهراً وصولاً إلى عامين)، تمكن جيشنا ولجاننا من أن يلحق الألم بالعدو (فاستنفد ما بحوزته من فخر الدروع مراراً، واضطر مراراً لشراء المزيد)، هذا عدا عن (عشرات آلاف القتلى والجرحى في صفوفه)، بحيث باتت المعركة مكلفة جداً بالنسبة لـ(أكثر قوى الطاغوت العالمي ثراءً وإمكانات..) أمام أفقر شعب عربي، وودعت (السعوديةوالإمارات زمن الرخاء، وأصبحت تعاني ما كنا نعانيه من جرع وهيكلة واقتراض..) ستغرقها أكثر، ولن تسهم في تعافيها.

المواجهة أو المواجهة.. لا خيار آخر
(يريدوننا عبيداً ودمى طيعة كحال عملائهم ومرتزقتهم.. وانطلاقاً من تاريخنا وقيمنا الأصيلة وهويتنا الحضارية، تحركنا بالاعتماد على الله، واخترنا مواجهة العدوان، ومهما امتدت هذه المواجهة فمن الخطأ أن يعتقد العدو بأننا قد نفكر ولو للحظات في التراجع والاستسلام)..
على هذا النحو من الاختزال البليغ والموضوعي، يعيدنا سيد الثورة إلى ليلة الـ26 من مارس 2015، لنتشاطر معاً ـ شعباً وقيادة، وبقدر متكافئ من المسؤولية ـ لحظة البدء وتقييم التحديات وإحصاء الخيارات الممكنة حينها.. فجأةً وجدنا أنفسنا هدفاً لعدوان تحالف كوني، بشراً وتراباً، بلا استثناء.. طرح العدو خياراً وحيداً أمامنا (أن نستسلم وندخل في عبوديته)، ولم يكن لنا من خيار عدا أن نواجه كأحرار صلف العدوان، أياً كانت التبعات في سبيل حقنا المشروع في الحرية، وبما يمليه علينا واجبنا الفطري والإنساني والديني في الدفاع عن عرضنا وأرضنا.. أليس هذا ما حدث على وجه التحديد؟! ثم ألم يكن هذا خيارنا لا خيار بعضنا دون البعض الآخر؟!
أجل نحن نتألم، لكننا (نشعر اليوم بحريتنا واستقلالنا وكرامتنا أكثر من أي وقت مضى؛ ولو استسلمنا ورضخنا لأورثنا الذل للأجيال القادمة، ولكُنَّا مسبَّة الدهر..).
(لقد أثبتنا حريتنا بالفعل لا بالقول، وعلى أرض الواقع).. لا على مستوى التجريد المجازي.. و(لو لم نكن أحراراً لما كنا اليوم في مواجهة العالم، ولما كانت كل هذه القوى تقاتلنا).
وتبعاً لذلك، يذهب سيد الثورة لإحصاء المكاسب المبدئية والقيمية والأخلاقية والدينية المترتبة على هذا الانحياز للحرية والمواجهة كخيار لا بديل عنه، حيث تغدو الخسائر بالنسبة للأحرار قرابين مستحقة على مذبح هذا الخيار النبيل، ومن المعيب إحصاؤها، بل يتعين على الحر استرخاصها ومراكمة المزيد من القرابين تأكيداً لجدارة استحقاق الغاية المنشودة منها.
لذا فإن على العدو ألا ينتظر مجيء اليوم الذي يشعر فيه شعبنا الصامد الشريف بالأسف لأنه اختار المواجهة، فهو يوم لن يجيء.. كما أن رهان العدو على متغيِّر ميداني ما، يرى فيه ـ مخطئاً ـ عاملاً حاسماً لجهة تركيعنا، هو رهان خائب سلفاً، فخيار المواجهة بالنسبة إلينا خيار مبدئي، لا ينهض على رافعة حسابات الربح والخسارة والتكتيك، ولا يستشرف عدواً بالميسور الانتصار عليه، متهيباً عدواً آخر، ولا سقفاً زمنياً خفيضاً لمواجهة نخلد بعدها لسبات الشعور بالنشوة، تهيُّباً لمواجهة مديدة وعالية السقف.
إنه صراع وجود قائم في جوهره على قانون (التدافع)، وفي أتونه ولهبه ووجيب ناره تختبر  معادن الأمم، فتتصالب ويقوى عودها أو تنكسر وتتقصف، وفي هذا المضمار برهن شعبنا اليمني على مغايرته وجدارته بوجود وازن كامل الكينونة، ففي الوقت الذي تتسول خلاله قوى العدوان من دول الوفرة النقدية الريعية، أسلحتها من مخازن الغرب بمليارات الدولارات، يعكف العقل العسكري اليمني ـ في خناق الحصار والتجويع والتآمر الكوني وشحة وتواضع الإمكانات ـ على تطوير عتاده الحربي، والدفع به إلى طور تحقيق توازن ردع.. وفيما تتكئ ممالك النفط على الغرب في تلبية شتى احتياجاتها من (علبة الصلصة والشماغ) إلى (الأباتشي والإف16)، يتكئ الشعب اليمني على سواعده وعقوله وخبراته الموروثة والمكتسبة ـ مع الاعتماد على الله ـ فيدشن أنخاب الصواريخ الباليستية من (الصرخة 1 إلى بركان2)، ولا يزال التطوير مستمراً على شتى المصافات (الدروع والدرونز والدفاعات الجوية..) التي ستعلن مخرجاتها عن نفسها تباعاً بالفعل وعلى مسرح المواجهات، بما يوجب على العالم (أن ينذهل وتنتابه الدهشة)؛ و(القادم أعظم تنكيلاً بالمعتدين).
إنها أمور تدخل في خانة (صناعة المستحيل) قياساً بمناخ غير مواتٍ بالمطلق، غير أن شعبنا وقوتنا الصاروخية وجيشنا ولجاننا برهنوا على أنهم قادرون على صناعة المستحيل، ولم يكن ذلك ليتحقق لولا الثقة المطلقة بنصر الله والتوكل عليه في مقام العمل ومقارعة الطواغيت والمستكبرين ورفض التعبيد والرضوخ والاستسلام والانحياز لخيار المواجهة.
إن (العدوان الذي تباركه إسرائيل وتديره أمريكا من منطلق بغضها لليمن وشعبه، لهو باطل)، ويزيدنا ثقةً بصوابية موقفنا وخيارنا، ويؤكد أننا نصطف على الضفة الصحيحة من الصراع، حيث تصطف كل قوى الطاغوت العالمي على الضفة النقيض بالضد لنا ولتوجهاتنا الوطنية والقومية ومشروعية قضايانا.
ومنذ البدء كنا ندرك (أن السعودية أجبن من أن تشن عدوانها بالاستقلال عن القرار والمصالح الأمريكية والصهيونية).. تبعاً لذلك، فإن دخول أمريكا على خط المواجهة بصورة علنية مباشرة ـ علاوةً على أنه يعني تداعي منظومة الوكلاء وتهاوي الأقنعة ـ فإنه يدلل عملياً على صدقية رؤيتنا للصراع، ويمنحنا زخماً أوفر للاستمرار في المواجهة، ويجعل رصاصنا صائباً لا إمكانية للتلبيس عليه.
إنها المواجهة أو المواجهة.. ولا خيار آخر.
لقد بدد العدو (كل الفرص والمخارج الممكنة سياسياً للخروج بماء الوجه، رغم أنه كان قد أهدر كل ماء وجهه بعدوانه الذي لم يستثنِ بشراً ولا حجراً ولا منشأة ولا مرفقاً ولا جسراً في اليمن لم يستهدفه، وطال عدوانه حتى الحيوانات والآثار والأماكن التاريخية).
هكذا تكلم سيد الثورة في خطابه بذكرى يوم الشهيد السنوية.

الحراكالمغرربه..منجنوبالجمهوريةإلىجنوبالمملكة
طرح سيد الثورة السيد عبدالملك الحوثي، في 2014، محدداً موضوعياً حاسماً لإشكالية تباين المواقف من (القضية الجنوبية)، مفاده أن سعي الحراك الجنوبي للحصول على (أكثر من العدالة هو ظلم، وحصوله على أقل من العدالة هو ظلم)..
وبطبيعة الحال، فإن حركة (أنصار الله) لم تتعنت كحال كثيرين إزاء الإقرار بـ(مظلومية جنوبية)، كما لم تفرط في ممالأة (المزاج الجنوبي) حد مؤازرة حلول جدية تقوم على (فك الارتباط) كمبدأ جوهري حال آخرين، وارتأت استقراء إمكانات الحل في ضوء تشخيص المعضلة وما ترسخ عنه من خيارات في فضاء وطني بمنأى عن التدخلات والإملاءات الخارجية المتلطية بالمظلومية الجنوبية لتمرير مشاريعها التفتيتية وغير الوطنية ولا المفيدة لهذه المظلومية.
على أن معظم الأصوات التي رفضت في السابق الإقرار بـ(مظلومية جنوبية)، وتذرعت بالوحدة لتتهم الآخرين بـ(الانفصال)، حالها حال الأصوات التي طرحت (فك الارتباط) كخيار وحيد، وانحازت للقطيعة الكاملة مع الشمال كمبدأ، قد انصهرت كلياً اليوم في بوتقة مشروع العدوان الأجنبي، أبيضها وأسودها، ويمينها ويسارها، وتماهى (البيض مع الأحمر) والاشتراكي مع الداعشي، في أتون هذا المشروع الاستعماري، على حساب كل مظلومية وطنية يمنية.
وفي هذا السياق، يعاود سيد الثورة مقاربة المآلات الكارثية التي أفضى إليها الجنوب، وبنبرة متألمة لا تخلو من كوميديا ناجمة عن خلطة تناقضات محتربة فيما بينها ومطواعة في قبضة العدوان، يشير السيد إلى ما هو قائم من تعبيد المغرر بهم من الجنوبيين باسم الجنوب اليمني، للقتال كمرتزقة دفاعاً عن الجنوب السعودي،ضد إخوتهم اليمنيين المعتدى عليهم، مدللاً بالمنطق والمعطيات المادية أنه لا قيمة لجنوب ولا لشمال في ميزان قوى العدوان، ولا لمرتزق على مرتزق، والقاسم المشترك الوحيد بين المكونات الموالية والعميلة له هو كونها لا خيرة لها من أمرها، وأنها مأمورة لا آمرة، بموجب ثمن ارتزاقها الزهيد والبخس الذي يجعل كل قيمتها منحصرة في النهوض بمشروع العدوان.
ويلفت سيد الثورة إلى الحال المزري على شتى الأصعدة الذي آل إليه الجنوب كنتيجة لانحياز معظم مكوناته الحراكية إلى تحالف العدوان، وكيف ينتهج التحالف سياسة ضرب الفرقاء بالفرقاء لجهة تمكين تنظيماته الإجرامية القاعدية والداعشية من السيطرة على محافظات بأسرها على أنقاض المجتمع الجنوبي ومظلوميته، في حين يجري الزج بخيرة شبابه إلى محارق الارتزاق في جنوب المملكة وفي المخا وتعز ومأرب، ليقضوا بالآلاف.
لقد اختبر الجنوبيون واقعاً تداعيات الرهان الساذج على الفضاء الخارجي الاستعماري في مؤازرة مظلوميتهم، وباتوا أمام خيارين: إما المضي قدماً في هذا الرهان والتلاشي أكثر وصولاً إلى الزوال كوجود، أو الاستدارة والعودة إلى الحاضنة الوطنية التي تقارب قواها حلولاً للمعضلات المحلية عبر الكفاح ضد الهيمنة الاستعمارية والوصاية الأجنبية وضد عدوانها المباشر على اليمن ككل، وصولاً إلى تحقيق استقلال ناجز وكينونة كاملة بوجود متنوع منسجم لا تمزقه التناقضات، بل يثريه طيف التباينات الخلاقة في إطار الهوية الجامعة.