مجاهد الصريمي / لا ميديا -

على ثرى وطنٍ تخلقت في ربوعه كربلاء، لا يبدو الوجود الإنساني وجوداً كامل التموضع على نقطة الانطلاقة بمهمة الاستخلاف الإلهي، إلَّا إذا بحثناه في عماديه ومكونيه الأساسيين؛ المرأة والرجل
فعبرهما تلتقي ذرات الماهية التي يتكون منها عنصر النفس الواحدة المعبرة عن وحدة الجنس البشري والدالة على تلاقي جداول كل تجربة لهذا العنصر عبر العصور بسياق الآدمية المميزة لهذا المخلوق عن سائر المخلوقات، وذلك مُقتضى ما قامت عليه الغاية من وجوده، ومنتهى الإبداع والعظمة الربانية الشاملة لطبيعة مهمته، والآخذة بزمام التكريم على ما تستقل به الفطرة وتتفحصه الأفكار، وتسافر في تحصيله النفوس، وتستقيم في ظل العمل وفق الوعي الباعث للإرادات، والساعي لامتلاك القوة كقيمة تعزز الكمال في كل جانب من جوانب الحياة، ومبعث أنفاس حركية فاعلة تدلنا بخطاها الثابتة على وحدانية الله تعالى.

ولعل القارئ لقصة الخلق يدرك أن هنالك مقومات اختص بها اللهُ هذا المخلوق، أهلته لنيل منصب خليفة على هذه الأرض، ومن هذه المقومات على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: العلم والمعرفة، وذاك ما عرضه القرآن من حديث دار بين الملائكة وبين الله، تمت فيه حجة الله عليهم، وتوالت معاني حكمته أمام أعينهم من خلال العرض لواقع التكليف وسمات المكلف، قال تعالى: «وعلم آدم الأسماء كلها». 
ثانياً: الترويض على خوض الصراع، وذلك من خلال التعريف بالعدو وطبيعة تحركه، وسبل مقاومته، وهنا تراءى لنواة الوجود الإنساني (آدم وحواء)، إبليس، كتيبة الباطل الأولى، ضمن تشكيلات أخرى ينطلق بها المبطلون في كل جيل وفق قاعدة الاستكبار التي يتوارثها المستكبرون عن قائدهم العام. وتستمر المعركة بصفيها آدم وإبليس، الصلاح والفساد، الحق والباطل، الشيطان والإنسان، حتى قيام الساعة.
ولما كانت الخطورة للعدو بمستوى تدميري شامل لهذا الإنسان، كان لا بد له من التحرك الواسع والكبير على كل مستوى من مستويات خوض غمار هذه الحرب الشاملة، بجبهاتها المتعددة والمفتوحة، من أول انبعاث الأنا الشيطانية الاستكبارية على يد إبليس، إلى مقام الواقع الشاهد على امتزاج إبليس بروح وماهية أمريكا. فنرى الشيطان الأكبر متخلقاً برحمها، وحاكماً لسلوكها، وصادراً عن تصرفاتها.
ولانزال نعيش حدة الصراع بين إبليس وآدم، وقد تفتقت ذرى القلوب بزهور تضحية «هابيلية» سابقٌ شذاها، وعرفها الزمن يرتل في محراب الفطرة وحي الرسالة الشاملة لكلا الجنسين: آدم وحواء، من مقام التكليف الصادر عن الله في قوله: «إن هذا عدوي وعدو لكما»، إلى سدرة الكمال الديني المستقرة في متممات النعمة الإلهية، المبثوثة في سجل حرية ترافقت فيه مواجيد هذا الإنسان بمختلف تجلياتها، حين انطلقت معززة لعماد الفطرة، ومبدأ التوحيد والحرية. بميتة حمراء، سبرت مبعث حياة كريمة حقيقية بدمها الحسيني الطاهر، قامت حركة الدماء في أجساد الأجيال، وبصوتها الزينبي الصابر توالت مواكب الأقدام، فاستدارت الأرض على وقع حركة الأقدام الكربلائية، ليشهد العالم عبر التاريخ تنامي صورة رمال اللطف الباعثة كربلاء في كل عصر، والكائنة في نفس كل حرة أو حر حسيناً أو زينب.
ودعنا عزيزي القارئ نرك زينب الفكر والكلمة والثبات والصبر بوجه التحديات، وحمل رسالة الذين ضحوا وقالوا كلمتهم، وألقوا أمانة القيام بالدور لمن سيأتي بعدهم، وهي تشرق بروح ضيفتنا في هذه المساحة من خلال بوح قصائدها الشعرية.
إنها الأديبة الصاعدة «سرور عبدالله العزي أحمد الشريفي»، التي توافد أجدادها في هجرات قديمة من الجوف ومأرب، ليستقروا في محافظة ذمار مديرية عتمة مخلاف حمير، مكونين هناك عزلة كاملة في أخصب بقاع الطبيعة. 
أضاءت روحها في عالم الحياة الدنيا في العام 1992، وتحديداً في يوم 10 أكتوبر، فتشكلت أنساق شخصيتها من عاملين أساسيين فَتَحَا لها أبواب الوصول إلى رحاب الأدب، والتوهج بمداراته كنجمة مشعة على كل لون من الألوان الأدبية.
هذان العاملان هما: الخيال الواسع المصبوغ بالجرأة على النفاذ إلى عمق الأشياء، وتفجير كم من الأسئلة حول كل ما تواجهه وتقرؤه، وعن سعة خيالها يحدثني ذووها كما حدثتني هي أنها، وتزامناً مع التحاقها بالمدرسة وتعلمها البواكير الأولى للقراءة والكتابة، بدأت بتأليف حكايات خيالية، تسكبها على مسامع أخويها وأختها عند حلول ظلام كل مساء.
أما العامل الثاني: فهو الجدية والتحلي بالروح المنافسة، والرغبة الجامحة لنيل التميز. لقد تنقلت بين حدائق الكُتاب والشعراء الكبار وهي مازالت في الصفوف الابتدائية، حيث تقول في ذلك: لقد قرأت للبردوني، وأنا في الصف الرابع، كل ما كان لدى والدي من دواوينه في مكتبته المنزلية، ومع أني لم أكن أدرك معاني تلك القصائد في الأعم والأغلب، إلَّا أن شيئاً في داخلي كان يشدني إلى شعره. 
وقد بدأت شاعرتنا كتابة الشعر وهي في الصف الخامس، وواصلت سيرها معه حتى اللحظة. وشاعرتنا حاصلة على الشهادة الثانوية العامة القسم العلمي، التحقت بموجبها بجامعة صنعاء لتتخرج من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بشهادة البكالوريوس، بتقدير جيد جداً. وكلما اتسعت مداركها كبرت موهبتها الشعرية والقصصية، وهي الآن في فصول النهاية لروايتها الأولى التي لم تفصح لي عن اسمها. وضيفتنا متزوجة ولها ولد.
لقد جاءت ثورة الـ21 من أيلول وشاعرتنا تعيش في رحاب المشروع الثوري مع كتب الشهيد الدكتور «علي شريعتي»، فتشكلت لديها عين فاحصة للأحداث، قادرة على تحديد الاختيار الواعي، ممتلكة لآلية النهوض بواجبها كذات ثورية، صهرت فرديتها في نطاق مجتمع، تتعامل مع تموجات الأحداث ضمن حصن نباهة حطم بثباته ثقافة الاستحمار. وما إن صب الاستكبار حقده من خلال العدوان الأمريكي السعودي على شعبنا ليتحرك الكل على صعيد النفير للدفاع عن الوجود والكينونة، وذوداً عن العرض والأرض، حتى بادرت شاعرتنا في البحث عن منبر إعلامي يمكنها من القيام بدورها في معركة الوعي والتثبيت، إلى جانب الرجال الأشاوس الذين يخوضون معركة التنكيل.
واستمر البحث من قبلها حتى مطلع العام 2017، ومع شهر مارس لذلك العام التحقت بإذاعة «21 سبتمبر» ضمن قسم الإعداد، مفتتحة نشاطها التثقيفي والتوعوي بمسلسلين: الأول بعنوان «أمجاد وتواريخ»، وهو مسلسل يعرض لتاريخ تصدّي اليمنيين ومقاومتهم للاحتلال والغزاة عبر العصور، بدءاً بزمن الغزو الروماني لليمن في القرن الثالث الميلادي، وصولاً إلى العدوان السعودي الأمريكي، الذي لانزال نعيش مرحلة الصمود في وجهه والتصدي له. ومع كل ما احتواه هذا المسلسل من حقائق تاريخية وعرض درامي جذَّاب، إلَّا أنه لم يرَ النور، وبقي في عتمة الأدراج، حاله حال كاتبته، حتى ضاعت جميع حلقاته المنقحة والمجهزة للتسجيل.
أما المسلسل الثاني فهو بعنوان «قال المثل»، وهو يقوم على إحصاء الأمثال الشعبية الحربية، والداعية لمواجهة العدو والتضحية في سبيل الدفاع عن الذات والقيم، بحيث تقوم كل حلقة على مثل شعبي منسبك ضمن قصة درامية، تسقط ذلك المثل الصادر عن تجربة إنسانية خالصة، والذي لا يخلو من العظة والعبرة، على واقع الحال، في سياق تطورات الأحداث، وعبر «عوض وسعد» الشخصيتين الأساسيتين لهذا المسلسل، انطلق هذا البرنامج ووصلت حلقاته قرابة الـ60 حلقة. ولعل ميزة هذا البرنامج أنه يقوم على إنتاج قصة تستوعب المثل ودلالاته وفكرته، مختتماً سياق كل حلقة بقصيدة من الشعر الشعبي، ترسخ ما أورده السياق الدرامي بالشعر المستوعب.
كما أن موهبة أديبتنا لم تقف عند هذا اللون الإبداعي، فحسب بل انطلقت ملاحقة لأوكار الشياطين، ضمن برنامج اقترح له القائمون على الإذاعة «أبناء إبليس»، وهو درامي قصصي، يورد أخبار المنحرفين والمتماهين مع الاستكبار وسيرهم بشكل تشويقي هادف، ينطلق الخيال الواسع فيه بما يخدم الحقيقة التاريخية من الوصول إلى العقول. كما أن لها أعمالاً برامجية أخرى لاتزال تتدفق...
أما الجانب الشعري فهو عمود موهبتها الفقري، وزادها الذي تسديه إلى كل روح تعطشت للمعين الإبداعي وتاقت لموائد المعرفة. ودعنا عزيزي القارئ نضع بين يديك أولاً هذه القصيدة التي هي بعنوان «عبدة الشياطين»، وهي قصيدة تشخص منطلقات الخونة والمخدوعين، وتعرض لنا طبيعة هؤلاء ومنحدرات طريق التبعية والعمالة التي سلكوها حتى سقطوا في وحل الانحطاط، مبتورين عن دينهم وإنسانيتهم عبيداً للشيطان، وجنوداً مجندة تحت لوائه، تقول فيها:
ويح الأُلى عبدوا اليوم السلاطينا
وبايعوهم وباعوا ذخر ماضينا 
استرخصتنا بسوق الموت أنفسهم 
فسلمونا لمن بالموت يحمينا 
ما أوجعونا ولم يفنوا بنا أملاً 
ودون أن يشعروا أحيوا معانينا 
الله، ما أبشع الدنيا إذا نطقوا 
مزمرين ينادون الشياطينا!
يؤلفون الحكايا كيفما رغبت 
أهواؤهم ويسوقونا قرابينا 
وعلى وقع تراتيل امتداد الرسالة وتوفر مقومات ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل، كتبت قصيدتها التي تحمل عنوان «على ملة الإسلام»، جاء فيها:
من الدمِ حِكتُ النور أنهي وأبتدي 
على ملة الإسلام موتي ومولدي 
تلوت كتاب الله وعياً وثورةً
جهاداً وتجسيداً لمنهاج أحمدِ
عليٌّ بوجداني حسينٌ غدا دمي 
وزيد حليف الذكر هديي وقائدي 
وأشرق من مران بدر الهدى الذي 
غدا الحق في كفيه بالنصر سرمدي 
وليست شاعرتنا بمعزل عن نفسها وخلجات قلبها، فلا ترى شعرها يصدر إلَّا عما استقام عليه الحس الجمعي، ولا تلتفت لقلبها وبيتها، بل على العكس، فإن حياتها كلها قصيدة شعر تحتوي أبياتها معادلات التوازن الفردي والجمعي.
وبين هذين النسقين الموضحين لكنه موهبتها لا نكاد نعدم صرخات عاطفة أنثوية رقيقة، تزرع ورود الأمل على بساط الحب المقدس، وترنيمتها التي تحمل عنوان «إمكان الحب» مسك ختام رحلتنا.. تقول فيها:
علمني كيف الحب يكونْ... وامنحني ما لا يمتلكونْ
اجعلني سطراً مختلفاً... قلماً مبتهجاً لا محزونْ
اكتبني حرفاً مبتسماً... يترنم في بحرٍ موزونْ
صغ مني كلماتٍ حرةً... لا تقبع في ألمٍ مسجونْ
علمني كيف نطير معاً... دون جناحين نجوب الكونْ
ارسمني صوراً ناطقةً... في جسد الحب بصدق اللونْ
دعها تتحدث قصتنا... بالشعر العاقل والمجنونْ
 يا من كالياء إذا جلست... ما بين العين وبين النونْ
اكملني قلباً محتوياً... لربوعك نبضي فيض عيونْ
خذ أفقي نحو المستقبل... لنودع ماضينا المدفونْ
دللني مثل الملكاتِ... لا تهدني قصراً وحصونْ
علمني كيف أغنيها... للدنيا أحرفنا ويرونْ 
واعذرها جرأة شاعرةٍ... جعلت منك البطل المفتونْ
في الحب سنعلن ثورتنا... لن يوقفها حُكمٌ وشؤونْ