الشاعر المبدع بلال الصوفـي: أكتب قصائدي إرضاء لمن يدافعون عن الوطن
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي
حاوره/ عبدالرقيب المجيدي / لا ميديا -
إنه مختلف عن بقية الشعراء، ولد ليصبح شاعراً، فهو الشاعر الأكثر جرحاً وغضباً في الشعر اليمني، وأول ما يلاحظ على قصائده هو خروجها على شعر النواح إلى نبض مقاوم جديد ضد العدوان الأمريكي السعودي.
وظف الشاعر المبدع بلال الصوفي الصمود على باب القصيدة، والقصيدة على أساس المواجهة، والمواجهة على باب المظلومية التي تعتبر أساس يمنيته وفي أساس إنسانيته معاً.
هو شاعر التفاصيل الكثيرة، بل لعله يميل إلى تحويل كل ما يقوله أو يعيشه يوماً بعد يوم إلى شعر. ولعل من نافلة القول أن في قصائده أصداء تتجاوب من تعز وإب وذمار إلى صعدة والحديدة وعمران وعدن وشبوة، من معاناة الشعب وصموده، إلى القوة الصاروخية والطيران المسير، إلى انتصارات رجال الرجال في الجبهات، لا يكاد يفوته شيء مما يحدث.
وتسأل نفسك وأنت تقرأ قصائده عن سر تلك الطواعية للكلمات والأوزان بين يديه.
قصائده تدور في فلك مقايضة الدم بالدم والعين بالعين أكثر مما تدور في فلك المصالحات، على الرغم من أن ثمة نبضاً إنسانياً رهيفاً لا يفارقه في جميع قصائده.. إن فيها شيئاً مما يخص الروح.
مرحباً بك في صحيفة «لا»..
دعني أولا أعبر عن شكري وامتناني لك زميلي عبدالرقيب ولصحيفة «لا» الموقرة على إتاحة هذه الفرصة لي.
من هو الشاعر الحقيقي؟
الشاعر الحقيقي هو الذي يستطيع أن يحرك المشاعر، لأن من لم يحرك المشاعر ليس بشاعر، وأفضل الشعر ما حفظه قراؤه وسامعوه عن ظهر قلب.
الشاعر الحقيقي هو من يعبر ويتلمس قضايا مجتمعه ووطنه وأمته، ومن يضع لمثل هذه القضايا النصيب الأوفر من شعره.
كلمات كالرصاص
القصيدة الفصحى أصبح لها حضورها الكبير من خلال الأصوات المبدعة التي باتت تؤثث المشهد الشعري بالكثير من النصوص المائزة، وأنت واحد من هذه الأصوات، ماذا تقول عن ذلك؟
القصيدة الفصحى هي القصيدة الخالدة من بين كل القصائد، وكلما كانت القصيدة أكثر فصاحة كانت أكثر قبولا لأن تكون خالدة، وكما قيل:
يموت رديء الشعر من قبل أهله
وجيده يبقى وإن مات قائله
كما أن القصيدة الفصحى صالحة لكل زمان ومكان، بعكس غيرها من القصائد.
والحقيقة أن هناك نجوماً سطعوا في سماء الشعر الفصيح منذ بداية العدوان، وكلماتهم لا تقل أهمية عن الرصاص الذي يطلقه المقاتل في جبهات مواجهة العدو.
«الشعبية» الأكثر انتشاراً وتأثيراً
القصيدة الشعبية واجهت أكثر وتحملت أكثر في مواجهة العدوان، ورغم حضور القصيدة الفصحى لكنها ليست بقوة القصيدة الشعبية. أليس كذلك؟
أوافقك الرأي أن القصيدة الشعبية هي أكثر تأثيرا في المجتمع اليمني من القصيدة الفصحى، لأن الأخيرة لا يمكن أن يستوعبها ويفهمها إلا المثقف والمتخصص في اللغة، ويصعب على كثير من العوام فهمها، بعكس القصيدة الشعبية التي من الممكن والسهل فهمها من قبل عامة الناس الصغير والكبير والمتعلم والأمي، وانتشار الأمية الثقافية في مجتمعاتنا سبب لقلة تأثير القصيدة الفصحى.
كما أن القصيدة الشعبية سهلة التلحين والإنشاد، إذ إن من الصعوبة نوعا ما تلحين الفصحى، وهو ما جعل كافة المنشدين لا يلحنون سوى القصائد الشعبية، إلا ما ندر.
غياب الاهتمام يقتل المواهب
تلمع أحيانا بعض الأسماء في عالم الشعر بحكم ظروف وعوامل مختلفة، ثم تختفي، ما سبب ذلك؟
لكل حالة من هذه الحالات سبب لظهورها ومبرر لاختفائها. قد يظهر البعض وينتجون أشعارا ولا يجدون من يهتم بها أو من يقف إلى جانبهم أو يشجعهم، فتتعرض مواهبهم للذبول والانكماش والاحتضار، ثم تموت.
«نصر من الله» أقل واجب
لك الكثير من القصائد التي كان لها دور في مواجهة العدوان، ماذا تعني لك قصيدة «نصر من الله»؟
كتبت الكثير من القصائد في مواجهة العدوان، وفي الإشادة ببطولات وانتصارات الجيش واللجان الشعبية في التصدي لهذا العدوان. وقصيدة «نصر من الله» واحدة من هذه القصائد، وهي أقل واجب يجب أن نقدمه للإشادة بهذه العملية البطولية الأسطورية الخارقة للعادة. بالتالي فهي تعني الكثير والكثير كغيرها من القصائد التي كتبها كثير من الشعراء في مواجهة العدوان والإشادة ببطولات جيشنا ولجاننا في التصدي له.
عندما تكتب قصائدك هل تحاول إرضاء فئة معينة؟
بالتأكيد لا، لأن إرضاء الناس غاية لا تدرك، إنما أحاول جاهدا إرضاء الله وإرضاء ضميري ثانيا.
أنا أيضا أريد أن أرضي بها من يدافعون عن الوطن ويذودون عن حماه، وأن أسخط غزاته ومحتليه وغاصبيه وبائعيه وخائنيه.
ما هو الجرح الذي يؤرقك كإنسان وكشاعر؟
ما يؤرقني هو ما يؤرق غيري، وهو وطني المسلوب المنهوب المنتهك على أيدي الغزاة والمحتليـــــن، وجراحي هي من جراحه.
ترجمة الواقع
من أيـــــــن تستمد موضوعات قصائدك؟
أستمد موضوعات قصائدي مما يحدث حولي، ومما يجري أمامي، فحين يرتكب العدوان جريمة بحق وطني، أسعى لإدانتها وللتنديد بها ولمواجهتها وللتصدي لها. وعندما ينفذ جيشنا ولجاننا بطولة وانتصاراً، أسعى للإشادة بها.
كما أستمدها من المناسبات الوطنية والدينية، ومما يجيش في خاطري ويخطر في بالي.
هل لك قصائد تم إنشادها؟
إلى هذه اللحظة لا، ويرجع ذلك لسببين؛ أولهما أن علاقتي بالمنشدين ضعيفة، وثانيهما أن غالبية المنشدين ينشدون بالشعر الشعبي، وقصائدي فصحى، كما أن الشعراء هم أيضا منهم من يكتب قصائد تصلح للتلحين، ومنهم لا. على سبيل المثال شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني، رحمه الله، ألف المجلدات والدواوين، ولم يتم تلحين إلا القليل جدا منها بما لا يتجاوز عددها أصابع اليد.
تعرضت للتعذيب من مليشيا الإصلاح
ما هي الجهة التي توجه لها اللوم بعدم الاهتمام بالشعراء؟
الحقيقة أن الجهة التي يجب أن تهتم بالشعراء هي الدولة، ولكننا نعيش في ظرف استثنائي ومرحلة حرجة وحالة حرب لا نستطيع أن نوجه فيها أي لوم لحكومة الانقاذ والمجلس السياسي الأعلى، إن وجد منهم أي تقصير في هذا الجانب، ولكن النظام السابق الذي سقط بعد أحداث 2011، والنظام الذي جاء بعده وسقط بعد ثورة الـ21 من سبتمبر كانوا شركاء في انتهاك حقوق الشعراء، وعمدوا إلى محاربتهم ومضايقتهم، ولازالوا، خصوصا الشعراء الأحرار، فشاعر يخطفونه ويعذبونه كما فعلت بي مليشيا حزب الإصلاح في تعز، وشاعر يقطعــــون لسانه، وشاعــــر يخفون إرثـــــــه، وشاعر يقصفون منزله. إذ لا يمكن أن يسمحوا لشاعر أن ينشأ إلا إذا كان من هذه الجهة أو ذلك الحزب، وبتلك المواصفات التي تنسجم مع رغباتهم وأهوائهم.
هل لديك طقوس خاصة لكتابة القصيدة؟
لا، وإنما طقوسي هي طقوس كل الشعراء المعروفة التي يكتب الشعراء بها قصائدهم.
من هو الشاعر الذي تشبه قصائده قصائدك؟
لكل واحد من الشعراء طريقته الخاصة بكتابة القصيدة، ولكن الشاعر الزميل معاذ الجنيد هو أقرب الشعراء لأن تحاكي طريقتي طريقته في كتابة القصيدة، فهو يكتب بطريقة جيدة وأسلوب راقٍ يجعلنا نحاكيه ونحذو حذوه.
ينبوع لا ينضب
إلى أي مدى تخاف أن يهجرك الإبداع الشعري نهائياً؟
لا أخاف من هذا مطلقا، فأنا أكتب بغزارة، ولا يمكن أن أخاف من جفاف معين الشعر الخاص بي، أكتب في بعض الأيام 5 ـ 6 قصائد في اليوم الواحد أحيانا، وأقل شيء أكتب في اليوم قصيدة.
ما هو المجد الذي يحظى به الشاعر؟
برأيي المجد الذي يحظى به الشاعر، هو أن يكتب ما لا يستطيع غيره كتابته، فيسخر ذلك لخدمة مجتمعه ووطنه وأمته، فتظل كلماته حية حتى وإن مات.
بماذا يحلم بلال الصوفي؟
الأحلام الشخصية لا سقف لها، ولكن أهم ما أحلم به هو أن أرى وطني وقد تحرر من هيمنة الغزاة والمحتلين، وأصبح آمنا مستقرا كامل السيادة خارج نطاق الوصاية.
سؤال غفلت ولم أسألك إياه.. لك أن تكمل الناقص من الحوار..
لم يبقَ هناك أي سؤال كنت أريدك أن تسألني عنه ولم تسألني، فقد ركزت على الأهم والمهم، فشكرا لك.
كلمة أخيرة؟
سأوجه كلمتي الأخيرة لكافة أبناء الشعب، وهي أن يواصلوا الصمود والاستبسال في الدفاع عن هذا الوطن ومكتسباته، والذود عن حماه؛ الشاعر بقصيدته، والجندي ببندقيته، والكاتب بقلمه، وكل من موقعه، وأن انتصارنا بات قاب قوسين أو أدنى، أقماره بزغت ونجومه سطعت وبارقه لمع.
المصدر صحيفة لا / حاوره/ عبدالرقيب المجيدي