جواد بوررجبي
 

أمين الشامي

د. أمين الشامي / لا ميديا -
قصته أغرب من الخيال، وحياته فوق تصور الأمثال.
رجلٌ يخرجُ من بيته عند الفجر، لا يحمل على جسده سوى بدلته الوحيدة، ومفاتيح المبنى.
عشرون سنة وهو بهذه الحالة، يخرج بثيابٍ نظيفة، ويعود بها مغبرة وتربة، وقد أنهكه التعب.
معروف عند زوجته وأهله وجيرانه بأنه عامل نظافة. يوصف بالسكينة والهدوء، وقلة الحديث.
يُقبِّل أطفاله قبل خروجه، ويدعو لهم على سجادته، ثم يشق طريقه إلى عمله، وهذا ديدنه طيلة عقدين من الزمن.
وأثناء الحرب مع أمريكا و«إسرائيل»، انشطر المبنى واستُهدفت الشقّة التي يسكنها، وصعد شهيداً إلى ربه، وخرجت زوجته مستغربةً ومتسائلة: «لمَ استهدفوا زوجي وهو مجرد عامل نظافة؟!».
تلك نظرتها ومعرفتها؛ لكنها وأهلها وأبناء حيها اصطدموا بالصور التي امتلأت بها الشوارع، واللوحات التي تزينت بها المواقع، تحمل صورة الشهيد وتصفه بمهندس الظل، وكاتم السر، وصانع الرعب، وعملاق الصواريخ الباليستية!
كانت زوجته وأبناؤه يتفحصون الصور جيداً، فإذا بها صور جواد بوررجبي، وإذا بكبار القادة يزورون الأرملة وأطفالها، ويعزونهم في اللواء المجاهد الكبير، صانع المعجزات العظيمة.
«كان صامتاً لشدة أمانته، وكان متواضعاً لأنه كان عظيماً». هكذا وصفه رفقاء دربه، وزملاء عمله، من كبار القادة والمسؤولين.
«جواد» واحد من 35 ألف «جواد» صنعتهم الجمهورية الإسلامية، ليكونوا جبالاً في النقاء، وبحاراً في العطاء، وأولياءً في الشدة والرخاء. 
من منا يستطيع العيش لعقدين كاملين كعامل نظافة وهو من كبار القادة، ويتحمل نظرات العالمِ كله، لأجل نظرة من القوي الجبار، ورسالة تحت راية إمام الأخيار، وثبات في طريق الأحرار؟!
رحمك الله يا أسطورة الصواريخ، ومنارة العهد والتاريخ. ورحم الله رفقاءك القادة العظماء، والنجباء العلماء. ستبقى سيرتكم النقية الطاهرة، سراجاً ودليلاً للسيرة والمسيرة.

أترك تعليقاً

التعليقات