تقرير: مارش الحسام / #لا_ميديا -

شكلت اليمن ومنذ مطلع التسعينيات تقريبا ملاذا نموذجيا للاجئين من دول شرق أفريقيا، وبالذات دولتي إثيوبيا والصومال، واليمن بالنسبة إليهم ليست فقط مجرد جسر عبور "ترانزيت" إلى السعودية، كما تشير تقارير المنظمات الأممية، وإنما البلد الذي يمكنهم العمل فيها بحرية أو للحصول على اللجوء والدعم والمعونات الدولية.
وتشير إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى أنه وصل عدد اللاجئين إلى اليمن من دول القرن الأفريقي 65,000 لاجئ خلال العام 2013، و91,500 لاجئ في 2014م.

العدوان على اليمن ضاعف تدفق الأفارقة إليها
وفي الوقت الذي كان يفترض فيه أن تحجم الحرب الكونية على اليمن، التي اندلعت في أواخر مارس 2015، من تدفق الأفارقة إليها، إلا أن الأرقام تشير إلى العكس من ذلك تماما، فقد ارتفع العدد أكثر خلال العام 2015، ووصل إلى 92,446 لاجئاً، وهو العام الذي شهد قيام السعودية بشن عدوانها على اليمن.
وتؤكد الأرقام الواردة في تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن 50% تقريبا من إجمالي عدد اللاجئين الأفارقة، وصلوا اليمن خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2015، أي في ذروة الحرب العدوانية على اليمن.
وتشير إحصائيات المفوضية إلى أن اليمن استقبلت أكثر من 150,000 لاجئ أفريقي خلال العام 2018، فيما توقعت المفوضية السامية في تقريرها الأخير أن يصل حجم الأعداد القادمة من القرن الأفريقي نحو اليمن إلى 282 ألف لاجئ في 2019.
إلى ذلك، كشفت إحصائيات رسمية عن منظمة الهجرة الدولية أن عدد الأفارقة الذين وصلوا خلال النصف الأول من 2019 تجاوز 37 ألف شخص.

إحصائيات غير دقيقة
وكانت تقارير رسمية وأممية أكدت، في وقت سابق، أن عدد المهاجرين الأفارقة في اليمن، يتجاوز 270 ألف مهاجر، معظمهم من الجنسيتين الإثيوبية والصومالية، دخل جميعهم إلى البلاد بصورة غير شرعية، عبر البحر، غير أن الأرقام الحقيقة تشير إلى أن عدد المهاجرين الأفارقة في اليمن أكثر من نصف مليون لاجئ، إذ إنه وفي ظل الأوضاع التي تعيشها البلاد بفعل العدوان، لا يمكن الوصول إلى إحصائية دقيقة، فالسواحل مفتوحة على آخرها، ومراكز استقبال المهجرين تم إقفالها منذ سنوات، وسط تردد أنباء عن استقدام المليشيات المسلحة في الجنوب المحتل لمهاجرين أفارقة والدفع بهم إلى جبهات القتال.

90% من الجنسية الإثيوبية
توكد إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن 90% من الأفارقة الذين وصلوا اليمن هم من إثيوبيا، والبقية من الصومال، وهما الدولتان الواقعتان على الضفة الأخرى من البحرين العربي والأحمر، كما أن غالبيتهم من الأطفال غير المصحوبين بذويهم من الكبار.
ومن الإحصائيات الأخيرة، فمن إجمالي عدد اللاجئين البالغ 92,446 لاجئا، وصولوا اليمن خلال العام 2015، سجلت المفوضية 82,268 لاجئا من الجنسية الإثيوبية فقط.
ووفقا لخبراء بدول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، فإن السبب الرئيسي في ذلك يعود لكون إثيوبيا "من المعروف أنها تواجه ظروفا اقتصادية صعبة، مع كثافة في عدد السكان تقارب 90 مليون نسمة، ومن الطبيعي أن يحاول بعض الإثيوبيين الفرار بحثا عن موطئ قدم لهم، ولا يجدون إلا اليمن.

رحلة محفوفة بالمخاطر
بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فإن أكثر من 100 ألف شخص سنوياً يخاطرون بحياتهم في قوارب صغيرة للوصول إلى اليمن.
إذ يترتب على المهاجرين عبور مياه البحر وخوض مغامرة محفوفة بالمخاطر، وغالباً ما يتم نقلهم في قوارب متهالكة وصغيرة جداً لا يأمنون فيها على حياتهم سواء من قبل المهربين غير الأسوياء أو من قبل القوارب المتهالكة والمزدحمة والتي يكون أحيانا الوصول عبرها محالاً، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، ففي يناير 2019، ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، توفي ما لا يقل عن 52 شخصاً قبالة شواطئ جيبوتي.
وسجلت عدد من المنظمات الكثير من حوادث الغرق للمهاجرين قرب السواحل اليمنية، إذ يقوم المهربون بإنزال اللاجئين على مسافة بعيدة من الشاطئ اليمني وإجبارهم على السباحة للوصول إلى بر الأمان.
وإذا ما قدر لهم الوصول إلى الجانب الآخر، فإن جحيماً آخر بانتظارهم.

انتهاك صارخ للحريات
ما إن تنتهي الساعات الطويلة التي يقضيها المهاجرون على متن القوارب الخشبية المزدحمة والمتهالكة، ووصولهم إلى السواحل اليمنية، حتى يستقبلهم المهربون بنهب ما بحوزتهم من أموال أو إجبار أهاليهم على تحويل مبالغ كفدية لإطلاقهم، حيث يتم نقلهم في شاحنات بواسطة المهربين إلى مجمعات في الصحراء.
ويمارس هؤلاء المهربون أبشع أساليب التعذيب على المهاجرين إذ يتعرض معظمهم إلى تعذيب يومي بالضرب أو التجويع، بينما تتعرض نساء وفتيات للاغتصاب على أيدي مختطفيهن، وفقاً لتقارير وكالة "أسوشيتد برس".

وتستمر المعاناة
معاناة المهاجرين الأفارقة لا تنتهي آخر فصولها على يد المهربين الذين يسومونهم سوء العذاب، والأسوأ أحيانا هو ما يتعرض له المهاجرون بعد تحررهم من سطوة المهربين والخاطفين، ووقوعهم في قبضة المليشيات المسلحة المسيطرة على الجنوب المحتل، والتي تفرض عليهم الانخراط الإجباري للقتال في صفوفهم.

تدفق مستمر
يؤكد الأهالي في مناطق رأس العارة والصبيحة بمحافظة لحج، أن هناك تدفقاً مستمراً، ووصول أعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة، بينهم فتيات في العقد الثاني من العمر، يبدو عليهن مظاهر الإعياء والتعب نتيجة قطع المسافات الطويلة مشياً على الأقدام وبدون ماء أو غذاء.
وأفاد بعض الأهالي بأن بعض المهاجرين يبحثون عن الطريق التي توصلهم إلى مدينة رداع بمحافظة البيضاء وسط اليمن، وآخرون يسألون عن الطريق المؤدية إلى السعودية.

كذب أممي
"اليمن جسر عبور (ترانزيت) نحو الخليج وبالذات السعودية"، هذا ما تحاول إقناعنا به كل المنظمات الأممية، كالهجرة الدولية ومنظمة شؤون اللاجئين، التي تقول كل تقاريرها إن السعودية هي وجهة غالبية المهاجرين الأفارقة الذين يصلون إلى اليمن.
إلا أن كل المؤشرات والمعطيات على أرض الواقع تكذب تلك التقارير الأممية، وذلك بالنظر إلى الإجراءات المشددة التي تتخذها السعودية تجاه الوافدين إلى أراضيها. ناهيك عن اشتعال الحرب في قطاعات واسعة من الحدود اليمنية السعودية، وهو ما يعني أن بقاءهم في اليمن هو الأرجح.
نشطت خلال الفترة الأخيرة عمليات تهريب الأفارقة عبر السواحل اليمنية، وتؤكد المعلومات قيام الاحتلال الإماراتي منذ بداية العام الحالي باستقدام آلاف المهاجرين الأفارقة وتجميعهم في معسكرات لتدريبهم ومن ثم إرسالهم إلى جبهات الساحل الغربي، واستخدام بعضهم في تنفيذ اغتيالات واختطافات للمناوئين لتواجدها واحتلالها الجنوب.

صمت دولي
تعد ظاهرة تهريب الأفارقة تجارة مربحة وتدر أموالاً طائلة على المهربين الذين يزداد نشاطهم في السواحل المحتلة، وفي ظل صمت دولي عن الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بحقهم من قبل المهربين أو العصابات المسلحة في الجنوب المحتل، وما يحدث بحقهم في المخيم والمعتقل الكائن في ملعب 22 مايو بعدن، خير شاهد على ذلك.

"الهجرة" تجلي العشرات وشواطئنا تستقبل المئات
بين فترة وأخرى تغرد منظمة الهجرة الدولية أنها أجلت العشرات من المهاجرين الأفارقة من اليمن إلى بلدانهم، غير أن أضعاف ذلك العدد هو ما تستقبله شواطئ اليمن يوميا.

مخاطر أمنية وصحية
استمرار تدفق الأفارقة إلى اليمن ينذر بمخاطر أمنية وصحية، كون بعض المهاجرين من أرباب السوابق، حيث سجلت عدد من الجرائم ضد مهاجرين أفارقة، في عدد من المناطق المحتلة، إحداها قيام أحدهم بقتل مواطنين في منطقة رأس العارة بمحافظة لحج، في أكتوبر الماضي، وربما كان آخرها اعتداء مهاجر أفريقي على امرأة، في مديرية الحبيلين بمحافظة لحج أيضا. ناهيك عن التحاقهم بصفوف التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وغيرهما. ومن الناحية الصحية فقد يجلب المهاجرون أمراضاً مُعدِيَة تتسبب بوفيات بين السكان المحليين، بالإضافة لانتشار مرض الإيدز القاتل، والذي قد تحمله بعض النساء الناجيات من العنف الجنسي والاغتصاب من ذي قبل.