قدمت أربعة شهداء و11 ابناً وحفيـداً فـي الجبهات.. الرجولة امرأة
- تم النشر بواسطة بشرى الغيلي/ لا ميديا
في رحاب أعظم الأمهات عزيزة المحاجزي
التقتها: بشرى الغيلي / #لا_ميديا -
تدهشك بحديثها وهي تستشهد بما جاء في الأثر للإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه). قوة إيمان في قلبِ أمٍ قدّمت أربعة من الشهداء راسخة كشموخِ جبالِ اليمن التي تعتز بها وتحبها قولا وعملا. كيف لا وهي التي قدمت أربعة شهداء من أبنائها؟! وليس ذلك فقط، بل لديها أيضاً 11 ابناً وحفيداً في الجبهات، حيث تقول: «معي أربعة من عيالي في الجبهات غير اللي استشهدوا وسبعة من أحفادي، كلهم فداء لليمن».
أمٌّ عظيمة أنجبت رجالا لا يهابون الموت في سبيل الدفاع عن وطنهم، بل هي من دفعتهم لذلك وقامت بتسليحهم من مالها الخاص. اللغة أمام الأم عزيزة صارت متقزّمة و28 حرفا توارت خجلا. كيف لي أن أصفها للقارئ وهي تتحدث بقلبها لا بلسانها، زاهدةً عن مطامعِ الحياة وبهرجها، وتستقبل نبأ استشهاد أبنائها الواحد تلو الآخر وهي تقول: الحمد لله الذي أكرمهم بالشهادة في سبيلِ الدفاعِ عن وطنهم من المعتدين على أرضنا وبلادنا.
الكثير من التفاصيل حول استشهاد أبنائها الأربعة: عاطف، زكريا، فيصل، وعبدالله (أبو هادي) ضمن هذا اللقاء الذي أجريناه مع أم الشهداء عزيزة محمد ياسين المحاجزي في منزلها المتواضع.
صحوة جهادية مبكرة
عاطف محمد عاطف هو أول الشهداء من بين أشقائه الأربعة. لديه طفلان (بنت وولد)، وقد استشهد خلال أحداث 2011م. تحكي الأم عزيزة، بعزةٍ وأنفة، قصة استشهاد أول أولادها (عاطف) بالقول: «خرج ولدي عاطف ضمن من خرجوا ليقولوا لا للظلم، ولا للحكمِ العائلي، ولا للاستكبار، في عام 2011 في العاصمةِ صنعاء، أمام مبنى الأمن القومي، كانوا هناك معتصمين سلميين لا يملكون سوى آرائهم المتحررة من الاستسلام».
تطلق الأم عزيزة زفرةً مصحوبة بثقة، وتواصل: «خرج الظلمة المستكبرون وقاموا بقتلهم جميعا، فاستشهد ولدي عاطف ضمن من استشهدوا ظلما وعدوانا رغم خروجهم السلمي، إذ لم يكونوا يملكون حينها حتى عصا واحدة في أيديهم».
وتسترسل في حديثها عن عاطف: «أنا دفعته لمشاركة زملائه الثورة السلمية ضد الاستبداد والمطالبة بالعدالةِ الاجتماعية لجميع البسطاء. وهو من تشبعت روحه أيضا بمجابهةِ الظلم الذي بلغ حده حينها، فخرجوا لهم بالرشاشاتِ والمدافع والدباباتِ وكأنهم ليسوا أبناء وطن واحد».
زكريا.. شهيدا في مأرب
ثاني الشهداء من أبنائها هو زكريا محمد عاطف، وقد استشهد في مأرب بعد حوالي شهر من انطلاق العدوان على بلادنا، وتحديدا بتاريخ 22 جماد الآخرة 1436هـ، الموافق 12 أبريل 2015م. تتحدث الأم عزيزة لـ«لا» عن كيفيةِ وصول نبأ استشهاد ابنها زكريا، الذي لم يكن قد تزوج بعد بالقول: «اتصل زملاء زكريا إلى عند أخوه فيصل، وأخبروه بأن أخوه زكريا استشهد في مأرب، وكان حينها ابني فيصل في الجبهة عندما وصله خبر استشهاد شقيقه زكريا. فاتصل لي فيصل وقال لي: يا والدة احمدي الله واشكريه، أخي زكريا استشهد مع خُبرته. فرديتُ عليه حينها: الحمدلله والشكر لله، في سبيل الله مات شهيدا مدافعا عن كرامتنا وأرضنا وعرضنا وما أقول إلا الحمد لله».
وتقول الأم عزيزة عن ابنها الشهيد: «كان زكريا يمتلك روحاً جهادية متعلقة بالمسيرةِ القرآنية منذُ وقتٍ مبكر، وكان ممن باعوا الحياة الدنيا بالآخرة، كما كان يتميز بشجاعة منقطعة النظير، فقبل ذهابه للجبهة، وعندما كان بيننا في العاصمة صنعاء، كان بمجرد أن يسمعَ رصاصة واحدة في الليل يخرج حاملاً سلاحه متعقباً أي شيءٍ قد يقلق السكينة العامة».
فيصل.. المُعلّم الشهيد
بعد أربعة أشهر ونصف بالضبط من استشهاد زكريا تبعه أخوه فيصل شهيداً هو الآخر، وذلك في جبهة جيزان بتاريخ 27/8/2015.
الأم عزيزة تحكي عن الشهيد الثالث من أبنائها (فيصل)، والذي كان لديه خمسة أطفال، بالقول: «فيصل لم يكن مجاهدا فقط، بل كان إماما في جامع الحارة، جامع الرحبي، وله نشاط كبير في إحياء بعض الفعاليات الدينية كحلقات الذكر وغيرها، إضافة إلى ذلك فإنه كان يقوم بالتدريس في المدارسِ الحكومية أو حلقات الدرس في الجامع، وفي الإجازات الصيفية، وهذا الأمر ظل ملازماً له منذُ أن كان طالبا في الجامع الكبير بصنعاء».
وتسترسل الأم عزيزة: «كان فيصل حين يرى الأشلاء المبعثرة نتيجة قصف طيرن العدوان للبيوتِ والحاراتِ المأهولة بالسكان والمتاجر والأسواق والمدارس، كان يستشيط غضباً لتمادي هذا الظلم على بلده، لذلك قرر ترك المحراب والذهاب إلى ساحةِ الجهاد، وحينها وقف له من حوله وقالوا له: نحن نحتاجُ إليك أكثر، أنت معلمنا وإمامنا لا تتركنا. فقال لهم: هذه الدماء التي تراق في كل شارع، أشلاء أطفالنا ونسائنا وأهلنا في كل شارع لا تريد مني أن أجلس في المحراب، بل تطالبني بأن أهب للدفاع عن وطني وأرضي فذلك واجبٍ مقدس عليّ. وفعلاً أصر على قراره وتوجه إلى الجبهة مجاهدا، وتنقل بين عدةِ جبهات إلى أن استقر به الأمر في جبهة جيزان الحدودية التي ارتقى فيها شهيدا».
تضيف أم الشهداء: «فيصل كان ثالث أبنائي الذي أكرمني الله بشهادته، والحمد والشكر لله، فنحن بعنا لله أبناءنا، والله اشترى منا، وهذه هي التجارة مع الله. لأنهم يدافعون عن وطنهم ضد تحالف العدوان الأجنبي الذي يريد أن يذل اليمن، لكن أبطالنا وأحرارنا، الذين باعوا حياتهم رخيصة من أجل عزّةِ وطنهم، لن يسمحوا لهؤلاء المعتدين الغزاة بذلك».
أبو هادي شهيدا في «نصرٌ من الله»
عبدالله محمد عاطف، والذي يُكنّى بـ«أبو هادي» واشتهر به أكثر من اسمه، هو آخر من استشهد من أبنائها الأربعة، فقد استشهد في أغسطس الماضي وتحديداً بتاريخ 29/8/2019، أثناء مشاركته في عملية «نصرٌ من الله» في نجران. تحكي الأم عزيزة المحاجري عن بدايةِ انطلاقه للجبهة قائلةً: «بينما كنّا في إحدى الليالي على مائدةِ العشاء قال لي ابني عبدالله (أبو هادي): أريد أن تعطيني الآلي حق فيصل أخي الله يرحمه، لأنه عندما استشهد ابني فيصل رجّعوا لنا حقه السلاح لأنه خاص بنا».
تواصل: «فقال لي أبو هادي: سلاحي يجب أن يكون في الموقع مع أصحابي وما في وقت للتأخير، ويجب أن أسير إلى عندهم، هاتي لي السلاح والمونة حق أخي الشهيد فيصل. فقلتُ له: أين عتسير يا ابني؟ فقال لي: معنا فزعة ونشتي نسير لمكان قريب لا تقلقي. قلت له: تمام، فناولته السلاح والمونة، وسألته: تحتاج مصروف، أو مواصلات؟ فقال لي: لا أحتاج سوى دعواتك أن الله يوفقنا بالشهادة».
تضيف الأم عزيزة: «ودعته وأنا أدعو له، وبعد 13 يوما من ذهابه للجبهة جاءنا خبر استشهاده في عمليةِ نصرٌ من الله، العملية التي تم تكنيس المرتزقة من خلالها، وكان ولدي أبو هادي أحد الذين استشهدوا في هذه العملية».
وعن كيفية استقبالها لنبأ استشهاده تقول: «جاءنا اتصال من المشرفين على المقاتلين في الجبهة، ووصل الخبر إلى مسامع أحد أبنائي (حسن)، حيث جاء إليه من نقلوا له الخبر وسألوه: كيف سنخبر والدتك؟! وكيف ستتلقى هذا الخبر؟! فرد عليهم ابني حسن: أنا والله لا أستطيع أن أكلمها، لأن حالتها متعبة، وهذا هو الشهيد الرابع لها، ولا أدري كيف ستتلقى الخبر، ولكن سنتصل بالكادر النسائي ليأتين إليها ويخبرنها بأنفسهن».
تواصل الأم عزيزة: «أتين النساء إلى البيت ولاقيتهن عند الباب ورحبت بهن وقلت لهن: أهلا وسهلا وحيا بكن والله يحفظكن على الزيارة هذه. وبعد الترحيب أدخلتهن المجلس، وبينما كنت أكلم واحدة منهن، وأطلب المسامحة منها لأننا ما قدرنا نروح نعزيها عندما استشهد أخوها، فقالت لي: سهل كلنا موّاتين وراحلين وكلنا معنا شهداء، وأبو هادي قالوا قده شهيد أو عاده جريح أو يمكن استشهد، معنا خبر أنه شهيد. فقلت لها: من قال لكم؟ فقالت لي: اتصلوا لنا وقالوا استشهد. فقلت حينها: الحمد والشكر لله، هـو ولدي وقطعة من الكبد جاور الزاد والماء».
وتضيف الأم عزيزة: «لكن غثيت حد ما غثيت (أي حزنتْ). والحمد والشكر لله، لأن هذا عدو وجهاد، وهذه معركة لا بد من خوضها ضد الأعداء، والحمد لله على كل حال».
نسلّحهم من قوتنا الشخصي
يتحدّث الكثيرون بأن الأم عزيزة المحاجزي هي من سلّحت أبناءها على حسابها، وتوجهوا إلى الجبهات بأسلحتهم الخاصة.
تسليح أفراد العائلة هي عادة تعوَّد عليها الشعب اليمني بشكلٍ عام كلما سنحت الظروف المادية، ومن هنا «كنت أجمع ثمن الأسلحة لكلِ واحدٍ من أبنائي الشهداء الذي قضوا في الدفاع عن كرامةِ وعزةِ بلدهم، وطبعاً تسليحهم كان قبل أن يأتي العدوان على الوطن، تقول الأم عزيزة.
وتضيف: «والله لا نملك رصاصة واحدة من حق الحكومة أو من حق الشعب، وهذا جهاد واجب علينا كلنا نتسلح، حتى النسوان، لأن هذا جهاد في سبيل الله، ونحن نبذل كل ما نستطيع عليه كالمال والأرواح والسلاح والقوافل، فمن أين ننتظر الدعم وحال البلد يحتاج منّا وقفة صادقة؟!».
قالوا عني قاسية القلب!
تشير الأم عزيزة المحاجزي إلى أن البعض يعتبرونها قاسية القلب، لأنها ضحت بأربعة من أبنائها: «بعض النساءِ المرجفات وأزواجهن كانوا يقولون لي: أنتِ قلبكِ حجر، قلبكِ قاسي... هذا الرابع بس يكفي. لكني كنت أرد عليهم: هذا جهاد في سبيل الله، وعاد احنا النساء سنجاهد. لكن الحمد لله معنا رجال الرجال، لا يقدرون بثمن، ولا يقدرون بالألماس والذهب، معنا رجالنا المجاهدين».
وتضيف الأم عزيزة: «إذا لزم الأمر فنحن النساء أسلحتنا موجودة وسنسير الجبهات ولن نسمح للعدو بأن يهين كرامتنا ويستبيح أرضنا، مهما كانت التضحيات التي سنقدمها من أجل الدفاع عن الوطن. وعيالي ساروا مع الله وفي طريق الحق، فنحن أصحاب قضية وأصحاب حق. ومن اعتدوا علينا لأرضنا ما عندنا لهم شيء، والله لنقاتلهم ونحاربهم حتى لو لم يتبق فينا يمني واحد ولن نخضع لهم. أنا لا يهمني من يقول عني بأنني قاسية القلب، لأننا لم يعد لدينا ما نخسره بعد خمسة أعوام من عدوان دمر كل شيء في بلادنا، وخسر فيها الوطن أشجع رجاله».
واختتمت الأم العظيمة عزيزة المحاجزي حديثها: «أقول للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه عبر صحيفة «لا»: إحنا صواريخ في يدك اضرب بنا العدو أينما شئت».
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا