علي نعمان المقطري / #لا_ميديا -

الدولة الأمريكية لا تملك الصناعات الاستراتيجية والعسكرية الكبرى، وإنما هي ملك الشركات والاحتكارات متعددة الجنسية، وتشارك في ملكيتها شركات واحتكارات مالية أجنبية، وليست أمريكية خالصة، في ظل الاحتكارات عابرة القارات وما فوق القومية، ولذلك لا تستطيع الاحتفاظ بأسرار صناعاتها العسكرية مهما كانت، لأنها ملك لشركات متشابكة باحثة عن الربح وليس لها ولاء وطني أو قومي أو التزام أخلاقي أو عقيدي سوى الربح والذهب، وهذا يقود إلى انكشافها الاستراتيجي والمعلوماتي وقابليتها الذاتية لتجسس العدو وبيع المعارف والمعلومات والتقنيات الحربية لقاء الأموال والانغراس المعادي في بنيتها الحربية وتخريب خططها واستراتيجياتها ومشاريعها المستقبلية المخططة.
وهناك الكثير من الأمثلة والنماذج التاريخية على تلك النكسة. ولعل ما سمي "فريق كمبريديج" المخابراتي الشهير بقيادة جون فيلبي وضم عددا من قادة الأجهزة الاستخباراتية الغربية، وانتقلوا إلى الجانب السوفييتي بعد انكشافهم وكانوا لحقبة طويلة يسيطرون على أهم الأجهزة المخابراتية الأمريكية والبريطانية المعنية بالحرب ضد السوفييت، قد أوضح ذلك كم هي مكشوفة أمريكا استراتيجيا ومعلوماتيا ومخابراتيا أمام القوى الأخرى التي تستهدف تدميرها.
 أضف إلى ذلك انعدام الولاء الوطني القومي لأمريكا بين نسبة كبيرة من السكان الذين هم في أغلبهم مهاجرون من دول وشعوب عانت كثيرا من الظلم الأمريكي على بلدانهم وخاصة اللاتينيين والآسيويين والمسلمين والشرقيين، فأمريكا وهي تحاول أن تزيد سكانها عددا وأن تلتف على أجور عمالها وحقوقهم تلجأ إلى فتح الباب أمام المهاجرين الأجانب من ذوي المهارات الفنية العمالية.

عداء البيئات الشعبية أمام التدخلات الأمريكية العسكرية
يتم تخريب مجالات الاستراتيجية السياسية الأمريكية عبر تأجيج عداء البيئة الشعبية المتصاعدة للعدوان والسياسات الأمريكية وتدخلاتها القبيحة في شؤون الغير، مما يجعل ملايين الأفراد في تلك البلاد جاهزين ليتجندوا للقتال ضدها بالمجان متطوعين حول قادتهم وحركاتهم الوطنية الاستقلالية التحررية في ظل انفجار كراهية شعبية قومية تتصاعد كل يوم بين الشعوب العربية والآسيوية والأفريقية واللاتينية المقهورة والمظلومة، وتنتقل عدواها إلى الأطراف الأوروبية المفقرة في الجنوب والشرق في إسبانيا والبرتغال واليونان وقبرص وإيطاليا وأوراسيا.
إن الكراهية ضد الأمريكيين والمتصاعدة عبر العالم والتي لا يمكن لأمريكا إيقافها أو تبريدها تعد أكثر خطرا عليها على المدى البعيد، وقد صرح أحد الرؤساء الأمريكيين قائلا: "لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد؟!".

خطر الصواريخ الدقيقة أمام القوى الأمريكية المتقادمة
في هذا العصر حدثت متغيرات كبيرة قلبت التوازنات القديمة بأخرى جديدة تسير عكس ما تأمل الولايات المتحدة وترجوه وتخطط له.
ووفقا للاستراتيجيات الأمريكية القديمة فإن أمريكا كانت بما هي قوة بحرية تعترف سلفا بعجزها عن المواجهة البرية المكشوفة مع خصومها الروس والسوفييت والصينيين والإيرانيين وغيرهم من القوى القارية البرية.
وفي أوروبا كانت قد أعدت واعتمدت على عقيدة تقر بضعفها البري أمام السوفييت والروس، وتتجه إلى حمل العدو على مواجهتها جواً، أي نقل المعركة إلى الجو والفضاء، لأنها كانت تراهن على تفوقها الجوي الفضائي والبحري وعلى استخدامها للأسلحة النووية عند الضرورة، أي عند مهاجمة الجيوش السوفييتية ومواصلة احتلالهم لكامل أوروبا ودحرها منها والوصول إلى الشواطئ الفرنسية.
وقد آتت تلك الاستراتيجيات أكلها حتى تسعينيات القرن الماضي وأجبرت خصمها الأكبر آنذاك على التسليم لها بزعامة العالم والانسحاب من مواصلة السباق التسليحي المدمر والمكلف الذي دمر اقتصاده. وبعد انسحاب الخصم من المنافسة القديمة اتضحت حقائق التفوق الفضائي الأمريكي الأسطوري الكاذب القائم على التوهيم الإعلامي، بعد أن اعترفت العديد من أطراف المشروع الفضائي بأن الرحلة إلى القمر كانت في حقيقتها عملية سينمائية هوليوودية دقيقة للتأثير على الخصم وشعبه وليست حقيقية، وقد ثبت ذلك بالأدلة الدقيقة، مما جعل الحكومة الأمريكية تشتري السوفييت والروس بالأموال والمساعدات لبعض الوقت.
وقد وضعت تلك الوقائع القوى الأمريكية في إطارها الموضوعي بعيدا عن المبالغات القديمة عن قدراتها الأسطورية الهوليوودية أيام ريجان وكارتر وكينيدي وبوش الأب الذين استثمروا كثيراً في المجال الوهمي الاستراتيجي للحصول على مزايا أمام الخصوم الأقوياء الذين راحوا يطورون قدراتهم الجوية والفضائية الصاروخية وقد كانوا روادها في الأصل ويسبقون الأمريكيين بمسافة كبيرة.

استراتيجية التغلب على الطيران الأمريكي المتفوق
نشأت استراتيجية مواجهة التفوق الجوي الأمريكي للمرة الأولى في شرق آسيا خلال حروب الكوريتين وفيتنام مطلع الخمسينيات، من خلال تجنب المواجهة الجوية المباشرة بالطيران المحلي مع الخصم المتفوق المسيطر على المجال الجوي للمعركة واتباع أساليب المواجهة الصاروخية ضد الطيران الأمريكي قبل تطوير صواريخ "سام" السوفييتية المتنوعة الأحجام والأمداء والارتفاعات، الرخيصة الثمن قياساً بالطائرة المكلفة التي تصل قيمة الواحدة منها إلى أكثر من 120 مليون دولار، بينما لا يتجاوز سعر الصاروخ الواحد بضعة آلاف فقط، وهو ما جعل المنازلة مكلفة للأمريكي أكثر فأكثر حتى اضطرته إلى بيع كامل مخزونه من الذهب لمواجهة بعض ديونه الحربية.
 وقد استطاعت منظومات الصواريخ الفيتنامية أن تنزل خسائر هائلة بالعدو وصلت إلى عشرات الآلاف من الطائرات الحربية الأمريكية، وهناك إحصائيات عديدة حول الخسائر بحسب عدد من مراكز الأبحاث في أمريكا، بعضها تقدرها بحوالي 70 ألف طائرة خلال العشر سنوات، بينما البعض الآخر يقدرها بين (10 ـ 30) ألف طائرة. 
وبغض النظر عن كل هذه الأرقام، إلا أن المؤكد أن الخسائر الأمريكية تصل إلى آلاف الطائرات التي تم إسقاطها من سماء فيتنام بواسطة الصواريخ السوفييتية من طرازات "سام" 1 و2 و3 و5 و6 و7 و9 وغيرها.
وبحسب خبراء الحرب وقادتها في الجانبين فإنهم يجمعون على أن الصواريخ الجوية السوفييتية هي التي حسمت الحرب لصالح فيتنام وهزمت الأمريكيين وطائراتهم وقواتهم الضخمة المتطورة التي كانت تصل إلى 3 ملايين أمريكي ومرتزق فيتنامي.
إن التفوق الجوي الأمريكي صار لا يواجه طائرات معادية بل يواجه صواريخ تتطور كل يوم بسرعات هائلة لا يستطيع ملاحقتها. وهنا كانت ومازالت معضلة الولايات المتحدة، وقد ظهر ذلك في الميادين التطبيقية في حروب السبعينيات في شرق آسيا وغربها والشرق الأوسط والبلاد العربية في مواجهتها مع العدو الصهيوني المتفوق جواً بحكم الدعم الأمريكي المباشر.
 
اضطرار المعتدي ينقلب وبالا عليه
المعتدي الأمريكي الضعيف براً مضطر إلى استخدام تفوقه الجوي في هجماته، وليس له خيارات أخرى، فهو لا يملك تفوقاً صاروخياً هجومياً حقيقياً أكثر من النوويات المقيدة، ولذلك يواصل تطوير قدراته الجوية، أي الطائرات المقاتلة، في محاولات للإفلات من ملاحقة الصواريخ الحرارية والإلكترونية الذكية القادرة على التمييز بين المستهدفات والمخادعات، والسريعة جدا وصولا إلى مضاعفة سرعة الصوت بعشرات الأضعاف مما يجعل من المستحيل على أي طائرة الإفلات من هذه الصواريخ، وتلك هي المشكلة التي يواجهها الأمريكي المعتدي على الأرض العربية والشرقية، وهو يخسر المنازلة التاريخية مع الصواريخ السوفييتية والروسية والصينية والإيرانية والعربية.
 عملت الولايات المتحدة على تطوير الطائرات الهجومية إلى مستويات عالية جداً من خلال طرازات (إف 14 و15 و16 و18 و35)، لكن روسيا فاجأتها بأنواع وطرازات أحدث من صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ والأقمار الصناعية الفضائية لا تستطيع مجاراتها من حيث سرعتها ومداها وقدراتها، وأهمها (إس. إس 300) و(إس. إس 400) و(إس. إس 500) و"أفينغارد" و"الخنجر" و"الاسكندر" و"كليبر" وغيرها. 
وكمثال على ذلك فإن صواريخ (إس. إس 300) و(إس. إس 400) و(إس. إس 500)، من ميزاتها أنها تستطيع مواجهة أكثر من 100 هدف جوي في وقت واحد دفعة واحدة، وتغطي مسافة أكثر من 500 كيلومتر، وتستطيع ملاحظة واستهداف أهداف طائرة على ارتفاع 10 أمتار وما فوق، وهناك ميزات غير مسبوقة في صواريخ مثل "أفينغارد" التي تستطيع الطيران بسرعة تفوق سرعة الصوت بـ20 ضعفاً، كما تستطيع إخفاء هدفها الحقيقي حتى تقترب منه ثم تغير مساراتها أوتوماتيكيا وتتجه إليه فجأة خلال ثوانٍ لا تسمح معها لأي قوة أو منظومات أن تأخذ أي إنذار مسبق، ويمكن أن تغير اتجاه الهدف في اللحظات الأخيرة أيضاً من انطلاقه. ومثل هذه المنظومات الصاروخية لا تملكها أمريكا إلى الآن، باعتراف وزيري حربها السابق والحالي.
وفي الوقت نفسه طورت روسيا طائرات تضاهي وتتغلب على الطائرات الأمريكية الأحدث، مثل طائرات "سوخواي 57"، "ميج 35"، "ميج 29".

العدوانية الأمريكية تجعلها مكشوفة أمام الهجمات الصاروخية
لأن أمريكا قوة بحرية في الأصل، ولأنها عدوانية معتدية على أراضي الغير، فإنها تقع أسيرة اعتمادها على الطيران الذي لا يستطيع مجاراة تطور الصواريخ الحديثة ومنازلتها، الصواريخ المضادة للصواريخ والطائرات الأحدث في العالم.
إنها ما زالت تكرر تكتيكات حرب فيتنام التي هزمتها فيها صواريخ "سام" البدائية. ومعلوم أن سباق تطوير الصواريخ يسير أسرع بكثير من خطى تطوير الطائرات الغربية الأمريكية يجعلها غير قادرة على اللحاق بها، لأن الصواريخ لها قدرات تطوير مفتوحة على عكس الطائرات التي تتطور ببطء وبتكاليف عالية جداً وبحدود معينة لا يمكن تخطيها، هي حدود القدرات البشرية التي تقودها. أما الصواريخ فقدراتها مفتوحة لعدم تقيدها بالقوى البشرية. كما أن استراتيجية الحرب الدفاعية الشرقية تقوم على حرمان الغرب من مزايا تفوقه الجوي باستخدام الصواريخ الأسرع والأقدر والأذكى، وهو ما يؤدي إلى إسقاط طائراتها بالجملة عند أول هجوم تلجأ إليه ضد دول كروسيا والصين وإيران وكوريا وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، فتفقد السيطرة على الجو وعلى الأرض معا، ولا تستطيع طائراتها المتفوقة مواصلة المنازلة. وما حدث لها في فيتنام والعراق ولبنان وكوريا وغيرها هو صورة موضوعية لما ينتظرها من مصير بائس ومأساوي وانتحاري.


7/2/2020