مارش الحسام / #لا_ميديا -

تعد كذبة أبريل تقليداً أوروبياً قائماً على المزاح، يقوم فيه بعض الناس في اليوم الأول من الشهر، بإطلاق الشائعات أو الأكاذيب، ويطلق على من يصدق هذه الشائعات أو الأكاذيب اسم «ضحية كذبة أبريل»، واليوم تتعلّم شعوبنا العربية ومنها اليمن كذبة أبريل، ولكن على طريقتها، ومع اختلاف توقيت إطلاق الشائعة.

كذبة أبريل في فبراير
المشكلة أن كذبة أبريل في بلاد الغرب تنتهي مساء اليوم نفسه، ولكن عندنا في اليمن ظهرت الكذبة في شهر فبراير، أي قبل شهرين من موعدها، وكل يوم تزداد انتشاراً عن اليوم الذي قبله.
فقد انتشرت مؤخراً بين أوساط الناس في عدد من المحافظات اليمنية شائعة تقول بأن مكائن الخياطة القديمة ماركة «سنجر» التي عليها شعار الأسد، تحتوي بداخلها على مادة الزئبق الأحمر، وأن هناك من يشترون هذه المكائن بأسعار خيالية يصل سعر الواحدة منها بين 4 و10 ملايين ريال، حسب مروجي الشائعة. الأمر الذي شهدت معه عدد من المدن والقرى حركة دؤوبة للبحث عن هذا النوع من المكائن، من أجل عيون الزئبق الأحمر الموجود فيها. 

الزئبق الأحمر
صحيفة «لا» التقت عدداً من الأشخاص، ممن صدقوا هذه الشائعات، والذين أكدوا أن الكلام جدي، وأن هناك عدداً من الأشخاص مستعدين لدفع الملايين مقابل هذه النوعية من المكائن.
وعند سؤالهم عن كيفية معرفة المكائن المطلوبة، كانت إجاباتهم متطابقة، حيث قالوا: مكائن الخياطة التي تحمل شعار «صورة الأسد» على هيكلها الخارجي، ونوعيتها «سنجر»، ويتم تمرير خاتم من الذهب على مكان إبرة الخياطة، فإذا اجتذبته المكينة تكون هي المطلوبة كونها تحوي الزئبق الأحمر.
وأضافوا أن هذه النوعية من المكائن تضعف إشارات استقبال الهاتف النقال بمجرد قربها من الهاتف، وأن هذا النوع من المكائن هو المطلوب بشكل جنوني، وبأسعار تفوق الخيال.

جمعت 50 مكينة وأحلم بالثراء
المواطن سليم العنسي يقول: «عندما سمعت الشائعة لأول مرة تجاهلتها وتذكرت كذبة الفوانيس، ولكن بعد أن تكرر نفس الخبر على مسمعي من أكثر من شخص، بدأت أشك، وخصوصا عندما ذهبت للمقيل عند أصحابي، حيث فوجئت أن حديثهم كان حول الكنز الذي تحويه مكينة الخياطة، وأقنعوني أن هناك ماركة معينة «أبو أسد» من مكائن الخياطة تحوي في جوفها كنزاً، وهو الزئبق الأحمر النادر، وأن هناك اختباراً بسيطاً لمعرفة ما إذا كانت المكينة تحوي هذا الكنز من عدمه، وذلك بتمرير قطعة ذهبية على مقربة من المكينة، فإذا تم اجتذابها فإنها ستجلب الثروة لصاحبها».
ويضيف: «ساعتها تذكرت أنه كان لدينا اثنتان من هذه النوعية من المكائن، ولم نعد نستخدمهما منذ سنوات، ثم تواصلت مع أخي في البلاد، وطلبت منه البحث عن المكائن الخاصة بنا، وبعد أن عثر عليهما أمرته أن يضع خاتماً من الذهب على هيكل المكينة قرب مكان الإبرة ويخبرني إذا ما يتم اجتذابه أم لا، بعدها أخبرني أنه تم اجتذاب الخاتم، وأرسل لي صوراً بالواتس تؤكد كلامه، وطلبت منه أن يرسل مقطع فيديو يوثق العملية، وبعد مشاهدتي للمقطع أيقنت بحقيقة الخبر، وصرت أحلم بالثروة التي سأجنيها من هذا الكنز، وتحركت على الفور من صنعاء نحو ذمار ومن ثم قريتنا في مديرية عنس، وهناك كررت التجربة بنفسي، ومن ثم شرحت لأخي القصة، واقترحت أن ننتهز الفرصة ونقوم بتجميع هذه النوعية من المكائن من بيوت القرية، قبل أن يسبقنا الآخرون».
ويتابع: «تمكنت من تجميع 50 مكينة من النوعية المطلوبة، وأخبرت أصحابها أن هناك من يشتري هذه النوعية بـ500 ألف ريال، وفي حال تم بيعها سأدفع لهم المبلغ الذي وعدتهم به، وسأحتفظ بالباقي».
ويقول العنسي: «أفرغت إحدى غرف البيت لهذه المكائن، وضعت ملصقاً على كل منها اسم صاحبها، وفي اليوم التالي عدت إلى صنعاء للبحث عن مشترين، وحاليا هناك وعود بشرائها».

سافرت إلى عمران ليلا
إبراهيم الزهيري يقول: سمعت كغيري هذه الشائعة التي صارت حديث الناس في الحارة، عندها تذكرت أن لدينا مكينة في منزلنا في القرية من هذه الماركة أو النوعية، ولكن ساعتها لم أكن مستوعباً بعد للخبر، وكان يساورني كثير من الشك، ولكن في نفس اليوم تكررت على مسامعي عشرات القصص، ومن أشخاص موثوقين يسألونني عما إذا كنت أملك مكينة أبو أسد، فهناك من سيدفع ثمنها 10 ملايين ريال، وآخر اتصل بي وسألني إذا ما كنت أعرف شخصا يملك هذه النوعية من المكائن، ووعدني إذا ما استطعت أن أقنعه ببيعها بأن يعطيني مليون ريال عمولة.
ويضيف الزهيري: فكرت بالذهاب صباحا إلى قريتنا الواقعة في إحدى مديريات محافظة عمران، لإحضار هذه المكينة خاصتنا، ومع تخيلي للمبلغ الذي سأجنيه لم أستطع انتظار قدوم الصباح، وتحركت الساعة الـ11 ليلاً إلى البلاد، وفور وصولي قمت بتجربة تمرير خاتم من الذهب على مقربة منها، فتم اجتذابه، ومن ثم تحركت على الفور إلى صنعاء بصحبة المكينة، حاليا أبحث عن مشترٍ، وتلقيت اتصالات من أرقام مجهولة، ولكنهم يطلبون مني إحضار المكينة إلى المكان الفلاني، أو منطقة كذا، وأنا أخاف أن يدبروا لي مكيدة ويسلبوا المكينة مني».

عمولتي
يقول محمد القاسمي: «لدينا شخص في حي الصافية مستعد لشراء هذه النوعية من المكائن، وإذا كان هناك شخص لديه مكينة من هذه النوعية، فسوف أدله بشرط أن أحصل على عمولتي».
ويقول خالد الضلاعي: «منتصف الأسبوع الماضي قدم أشخاص على متن سيارة إلى حارتنا «سواد حنش»، وكانوا يبحثون عن نوعية معينة من مكائن الخياطة، وأكدوا أنهم مستعدون لدفع مليوني ريال ثمنا لها، وقام الأهالي بإحضار عدد من المكائن التي مطبوع عليها شعار الأسد، فتم رفضها من المشترين كونها ليست من النوعية المطلوبة».
ويضيف الضلاعي: «رغم أن بعض المكائن التي أحضرها الأهالي كانت تجذب خاتم الذهب، ولكن بشكل محدود، تم رفضها، النوعية المطلوبة لدى المشترين هي ذات الجاذبية القوية، والتي يلتصق عليها الخاتم». 

صاحب صاحبي
يقول عبدالله المثالي: يوما بعد يوم وعشرات القصص المختلفة تصلني عن بيع مكينة خياطة بمبالغ فلكية، وهناك من يسألني إذا ما كنت أملك هذا النوع من المكائن أو أعرف شخصا يملكها، وهناك من يحاول إقناعي بأن القصة حقيقية وليست شائعة.
ويتابع المثالي: «المشكلة أني سألت أكثر من شخص يروج لهذه الشائعة، هل حدثت أية عملية بيع وشراء لواحدة من هذه المكائن بحضوركم، للأسف لم يؤكد لي هذا الأمر أي واحد منهم حتى اللحظة، لأن كل شخص يروي القصة عن فلان، وفلان يرويها عن علان، وهكذا تنتقل القصة من شخص إلى آخر في متوالية لانهائية، فشخص يقول إنه باع مكينة بـ5 ملايين، وآخر يقول كما حكى لي ابن عمي، وثالث يقول نقلاً عن صاحبه أو صاحب صاحبه».

ضحايا بالجملة
وقد نشطت تجارة مكائن الخياطة مؤخرا بسبب هذه الشائعة، قال صاحب محل لبيع المكائن في شارع التحرير: خلال شهر فبراير هناك إقبال شديد على شراء مكائن الخياطة ماركة «سنجر». مؤكداً أنه قام ببيع عدد من المكائن من الماركة ذاتها، لكنه تم إرجاعها لاحقا بحجة عدم اجتذابها للقطع الذهبية.
وأضاف أن كثيراً من المواطنين خُدعوا بهذه الشائعة، وقاموا بشراء هذا النوع من المكائن التي يُقال إنها تجذب قطع الذهب، بمبالغ كبيرة، معتقدين أنها تحوي الزئبق الأحمر، ليكتشفوا بعد فوات الأوان أنهم وقعوا ضحية شائعة لا أساس لها من الصحة.
وعن تفسيره لسر اجتذاب هذه الأنواع من المكائن للقطع الذهبية، قال: «من المرجح أن الأمر يعود لطبيعة حركة الإبرة، وكذا حركة القطعة المحركة للإبرة بشكل دائري، ومع استمرار تكرار الحركتين ووجود مادة زيتية في تلك المنطقة، فإن ذلك يؤدي إلى إكساب المنطقة المحيطة بهما مجالاً كهرومغناطيسياً يتسبب بجذب القطع المعدنية بشكل عام». 
الجدير ذكره أن الشائعة نفسها انتشرت في عدد من الدول العربية، وكان أكثرها في السعودية، سنة 2009م، التي وصل سعر المكينة إلى 10 آلاف ريال سعودي.