غازي المفلحي / #لا_ميديا -

عندما بدأ العدوان على اليمن كان البلد يفتقر لأي من وسائل الدفاع الجوي، حتى الصواريخ الخفيفة تم تدميرها على يد نظام صالح عفاش، وبإشراف أمريكي، وهو ما كشفت عنه مقاطع فيديو، أظهرت كيف أن الخائن عفاش وأركان نظامه الفاسد عمدوا إلى تجريد البلد من قوته العسكرية، ومنها أنظمة الدفاع الجوي، ما يؤكد أن العدوان لم يبدأ في 26 مارس 2015، بل بدأ التحضير له في عهد النظام السابق، بداية بتدمير أنظمة الدفاع الجوي وما تلاه من استهداف لمكونات الجيش المختلفة وإضعافها وإعادة هيكلتها.

انطلاقة من الصفر
في بداية العدوان قاوم اليمنيون الطيران المعادي بأقل من تقنيات الحرب العالمية الأولى، ففي فترة الحرب العالمية الأولى كان يتم استخدام كشافات كبيرة تسلط إلى السماء ليلاً فتكشف الطائرات التي كانت تغير، وكانت حينها تحلق على علو منخفض، فكان يمكن رؤيتها بكل وضوح بالعين، كما أن أغلب أجسام طائرات ذلك الوقت كانت مصنوعة من الخشب فكانت إصابتها بنيران الرشاشات حاسمة.
بينما لم يكن بيد اليمنيين ما يواجهون به طيران العدوان، سوى نيران المدافع الرشاشة عيار 14.5 و32 ملم، التي يطلقونها باتجاه الطائرات التي كانت ترصد في الغالب بالعين المجردة، وهي طريقة ليست ذات جدوى، لأن الطائرات النفاثة التي تهاجم اليمن حديثة جدا مصنعة من أقوى المعادن، وتحلق على علو يصل لـ20 كيلومتراً فلا تطالها العيون ولا نيران الرشاشات.
كل ما كان يمتلكه اليمن من وسائل للدفاع الجوي، تم تدميرها في وقت مبكر بأيدي أركان نظام عفاش الخائن، وتفكيك ما بقي منها في عهد خلفه العميل هادي، ولم يتبق سوى مجموعة من المنظومات الدفاعية الجوية المفككة والناقصة مع صواريخ جو ـ جو التي تزود بها الطائرات المقاتلة، فبدأوا التحدي من الصفر، تحدي صناعة منظومات دفاع جوي جديدة، صار ثابتا عند العالم أنها صناعات عالية التعقيد تحتكر صناعتها روسيا وأمريكا مع تفوق أكبر للأولى.
وعقد اليمنيون العزم على اقتحام مجال تصنيع وتطوير المنظومات الصاروخية الهجومية والدفاعية بفعل ضرورة الحاجة إليها لكبح جماح العدوان الكوني البشع الذي ارتكب بحقهم وبحق بلدهم أبشع الجرائم، وهو ما كان لهم، حيث تمكنوا من تطوير العديد من المنظومات الصاروخية سواء في المجال الهجومي أو مجال الدفاع الجوي، ومضوا في تصنيع منظوماتهم الخاصة التي سيحكم نجاحها وتقدمها الكفاءات، وتوفر مواد معينة مهمة في تقنيات هذه الصناعة.

امتياز يمني
كان اليمنيون مجددا أصحاب الامتياز العربي في اقتحام صناعة وتطوير أسلحة الدفاع الجوي، وحققوا بداية مشجعة وقوية وفي زمن قياسي.
فقد طوروا ما وجدوا بأيديهم من منظومات دفاعية قديمة ومتهالكة، هي في الأساس -حسب ناطق القوات الجوية السابق اللواء عبدالله الجفري- صواريخ روسية قديمة (ستريلا، فولجا، سام7، سام14، سام16، بتشيورا، كافدرات) كان يمتلكها جنوب اليمن قبل الوحدة بحكم علاقته بالاتحاد السوفيتي، ولم تشترها الأنظمة السابقة، بل قامت بتدمير بعضها.

وخلال 5 أعوم توصل اليمنيون إلى 4 منظومات فعالة للدفاع الجوي جرى تطويرها في مركز الدراسات والبحوث التابع للقوات الجوية والدفاع الجوي اليمني، بجهود وخبرات يمنية، كان أحدها الشهيد عبدالعزيز محمد صالح المهرم، الذي بدأ بالعمل في التصنيع العسكري الجوي معتمدا على الخبرات الفنية والتقنية في مجال الكهرباء والبرمجة التي كان يملكها.
تمكن المهرم مع بقية المطورين في المركز، من تحويل صواريخ (جو- جو) إلى صواريخ (أرض - جو)، فكانت نقطة البداية في صناعة أسلحة الدفاع الجوي اليمنية، وولدت بذلك عدد من المنظومات الجوية هي:
1 ـ منظومة «فاطر ـ 1»، وهي منظومة صاروخية مطورة محليا من صاروخ (أرض ـ جو) روسي الصنع متوسط وبعيد المدى.
2 ـ منظومة «ثاقب ـ 1»، وهي منظومة دفاع جوي تحمل صواريخ (R-73) روسية الصنع (جو ـ جو)، حيث تم تحويله إلى صاروخ (أرض ـ جو) بإضافة العديد من التعديلات التقنية والفنية التي جعلت الصاروخ قادراً على إصابة أهدافه بدقة عالية، وكانت أول تجربة لهذه المنظومة في 19 سبتمبر 2015، ودخلت المنظومة إلى الخدمة مطلع سبتمبر 2017م، وقد تمكنت من إسقاط 3 طائرات مقاتلة هي: (MQ9 - CH-4 WING LOONG).
3 ـ منظومة «ثاقب ـ 2»، وهي منظومة دفاع جوي تحمل صواريخ (R-27) روسية الصنع، وقد تم تحويلها من صاروخ (جو ـ جو) إلى صاروخ (أرض ـ جو)، مع إضافة بعض التعديلات التقنية التي مكنت الصاروخ من التغلب على التشويش الإلكتروني والحراري، وقد تمت أول عملية إطلاق للصاروخ في 16 ديسمبر 2016، وتمكنت هذه المنظومة من الإصابة المباشرة لطائرة F15 وطائرة F16.
4 ـ منظومة «ثاقب ـ 3»، وهي منظومة متطورة من صاروخ (جو ـ جو) روسي الصنع إلى صاروخ (أرض ـ جو). دخلت هذه المنظومة الخدمة أواخر 2016م، وأصابت طائرتي F16 وF15.
مع كل هذه التطورات في مجال الدفاع الجوي، وما حققته من نجاحات في إسقاط عدد من الطائرات الأحدث في العالم، وآخرها طائرة «تورنيدو»، لم تعد سماء اليمن اليوم مكاناً آمناً لطائرات تحالف العدوان تسرح وتمرح فيه كما كانت في السابق، وصارت دول العدوان تحسب ألف حساب لما قد تواجهه طائراتها في سمائنا من شهب راصدة.
وعلى مدى 5 سنوات حققت المنظومات خلال مراحل تطويرها 116 عملية استهداف وتَصَــدٍّ، منها 72 عملية استهدفت الطائرات الاستطلاعية للعدو، و45 عملية استهدفت طائراتِه الحربية، و49 عملية استهدفت مروحياته.  كان منها طائرة «تورنيدو»، حيث سجل في سماء اليمن أول سقوط لها منذ دخول هذه الطائرة الخدمة.
وبالسير على الوتيرة الحالية في تصنيع وتطوير منظومات الدفاع الجوي، فالمسألة مسألة وقت حتى تصبح السماء اليمنية حصينة وحقل ألغام لطائرات الأعداء، وبذلك تقتحم اليمن مجال تقانة الدفاع الجوي الذي لايزال حكراً على دولتين في العالم، هما روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومسألة تغيير الصواريخ من جو-جو إلى أرض-جو، ليس بالأمر الهين، وهي معقدة وإنجاز يمني كبير، يؤسس لبنية عسكرية يمنية لها قدرات علمية وفنية كبيرة في التصنيع العسكري، يقول العميد الجفري، ويضيف: بكل تأكيد يمكن لليمن أن تصنع أسلحة دفاع جوي قوي، وقد صنعوا قبلها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة في إنجاز وتفوق يمني غير مسبوق عربيا، ويحق لليمنيين المفاخرة بذلك، وقد صنعوا ذلك وهم تحت العدوان والمعاناة، فكانت المعاناة أم الاختراع، واليمنيون مثلهم مثل بقية البشر في العالم يملكون العقول، ويحتاجون فقط للإرادة والمواد اللازمة، وهناك مئات العلماء والمخترعين اليمنيين في اليمن وخارجها.

قتل قاتل الليل
أقوى التحديات التي تواجه الجيوش هي صعوبة التعامل مع طائرات الأباتشي الأمريكية التي يمتلكها الكيان الصهيوني والدول التابعة لأمريكا، وتسمى القاتل الليلي الخطير. فهي طائرة حديثة جداً، قادرة على رصد العناصر البشرية والمعدات العسكرية، ومهاجمة عدد كبير من الأهداف في وقت واحد. كما أنها لا تتحرك منفردة، ودائماً ما تتحرك في تشكيلات هجوم مكونة من 3 طائرات كحد أدنى للهجوم والحماية والإخلاء.
وتتباين وجهات النظر العسكرية بشأن القدرة على التعامل معها، فالبعض يرى أنها تحتاج لمنظومات دفاع حديثة كمنظومات إس 300.
بينما يرى آخرون أن إسقاطها ليس بالأمر الصعب، خصوصاً في وجود صواريخ الكتف، ويضاف إلى ذلك وجود رماة مدربين بشكل متميز، يستطيعون السكون فترات طويلة والاختباء الجيد وعمل الشراك الخداعية للأباتشي.
كما أن هناك عوامل إضافية لإنجاح معادلة إسقاط الأباتشي، فإذا كانت الطائرة على ارتفاع منخفض، وتمكن المهاجمون من الاختباء بذكاء ليرصدوا الطائرة دون أن ترصدهم، فيمكن إصابتها، ولا تستطيع استخدام وسائل التشويش الحرارية التي تحملها ضد أسلحة المهاجمين القريبين جداً.
لكن الجيش واللجان الشعبية قد بذلوا مجهودا جبارا وتضحيات كبيرة طوال 5 سنوات وبكل الوسائل وأبسطها لإسقاط هذه الطائرة، وقد تعاملوا معها في البداية بالمدافع الرشاشة كذلك، وكانوا ينصبونها في عدة أماكن لتطويقها وتشتيتها، وهذا ما كان سبباً في فرارها من أرض المعركة في مرات كثيرة، وتم إسقاط 17 منها في عدة جهات، والعدد مرشح لزيادة كبيرة بعد تدشين منظومات الدفاع الجديدة.

احتكار جوي ثنائي
تحتكر أمريكا وروسيا تقانة سلاح الجو، وصناعاتهما تأتي كأقوى وأفضل المنتجات العسكرية. وحسب معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، فمبيعات أمريكا من السلاح عام 2018 بلغت 246 مليار دولار، بينما بلغت مبيعات روسيا قرابة 36 ملياراً. تعد أمريكا القوة الأولى في مجال الأسلحة الهجومية، وأهم الأسلحة المباعة التي حققت الرقم السابق طائرات F35 الهجومية وصواريخ كروز. أما روسيا فتعد القوة الأولى في مجال الأسلحة الدفاعية، ومنظومات إس 300 وإس 400 الدفاعية أهم مبيعاتها، والتي توصف بالمنيعة.

تفوق دفاعي روسي
تتباهى روسيا اليوم بمنظومة إس 500 الدفاعية الحصينة التي تطورت من أجيال قديمة هي منظومات سام، وهي الصواريخ ذاتها التي كان اليمنيون يمتلكونها، وأتلفت كثير منها على يد النظام السابق، وبإشراف أمريكي، وبالرغم من أنها جيل قديم من صناعة الاتحاد السوفييتي في الستينيات، إلا أنها كانت ستحدث فرقا في عملية التصدي لهجوم العدوان الجوي، فقد أثبتت تلك الصواريخ أنها قادرة على إسقاط طائرات حديثة إذا تمتع من يستخدمها بمهارة وحرفية، وعندما توضع في المرتفعات أو عندما تحلق الطائرات المعادية على علو منخفض نسبياً في مساحات المواجهة المباشرة. وقد حصل هذا خلال الغارات الأمريكية على صربيا عام 1999، حيث أسقطت الطائرة الشبحية الأمريكية «إف 117»، بصاروخ روسي طراز «إس 125».

وحشية الشيطان الأكبر
من المعروف أن أمريكا عندما تهزم وتعجز على الأرض، تلجأ لاستخدام وسائل وطرق وحشية في الحرب، فتبيد مدناً بأكملها، بالقنابل النووية والصواريخ بأنواعها، كما حدث في قصفها لليابان، وفي حرب فيتنام، لذلك يركز خصومها على تنمية وسائل مناسبة لردعها، فالروس مثلا يهتمون بتطوير الدفاعات الجوية، بينما تقوم كوريا الشمالية بصناعة الأسلحة النووية لترد الضربة لأمريكا في حال وقعت.
ويعتمد الجيش الأمريكي تكتيك القتال من دون التماس، حيث يلعب الطيران والصواريخ دوراً محوريا في معاركه، فيحاول كسب الحرب دون مشاركة واسعة النطاق لجنوده على الأرض.
لذا ومن وجهة نظر خبراء عسكريين، فروسيا تولي اهتماماً كبيراً بجانب التفوق في أسلحة الدفاع، لأنها ترى أن المهمة الرئيسة في أي صراع مع أمريكا تكون بتوفير حماية كبيرة من هجوم جوي كبير، فطورت منظومات الدفاع الجوي الروسي على هذا الأساس، خصوصاً أن سلاح الجو الأمريكي الهجومي (المقاتلات والقاذفات وطائرات الهجوم الأرضي) أكثر تفوقاً بأربعة أضعاف من سلاح الجو الروسي والطيران البحري، حسب المقارنة التي أوردها طبيب العلوم العسكرية ونائب رئيس الأكاديمية الروسية لعلوم القذائف والمدفعية، قسطنطين سيفكوف، أحد الداعين إلى تعزيز كبير للقوة الروسية، في مقال نشره في جريدة Courier Industrial الصناعية الروسية.
وفي اعتراف نادر، قال الجيش الأمريكي، على لسان القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي السابق باتريك شاناهان، عام 2019، من داخل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن الفارق بين روسيا وأمريكا يتسع بشكل كبير في مجال الدفاع الجوي لصالح روسيا، واعترف بتخلف بلاده بهذا المجال بشكل خطير وغير مسبوق، خلف روسيا والصين، بسبب نقص الكوادر والكفاءات وأنظمة الإدارة والمواد الصناعية اللازمة.