توماس روبر
ترجمة خاصة عن الألمانية نشوان دماج / لا ميديا -

أعلنت السعودية وقفاً لإطلاق النار من جانب  واحد في اليمن، معللةً ذلك بأسباب إنسانية متعلقة بجائحة كورونا. غير أن القضايا الإنسانية لم تكن بالنسبة للسعوديين تلعب أي دور في الحرب. فما هي الأسباب الحقيقية يا ترى لوقف إطلاق النار من جانب واحد؟
بالنسبة لوسائل الإعلام الألمانية، كان إعلان وقف أحاديّ لإطلاق النار في اليمن مجرد أخبار مقتضبة. كما أنني لم أكن قد كتبت عن ذلك بعد، لأنني لم أستطع أن أفهم لماذا أن السعودية فجأة تتحجج سياسيا بأسباب إنسانية في الحرب. لم يكن من الصعب العثور على الإجابة، ويزعجني قليلاً أنني لم أتوصل إليها بنفسي.

إن التفسير المحتمل لتحول مسار السعوديين عثرتُ عليه في تحليل أجرته وكالة الأنباء الروسية (TAAS). وبما أنني لا أريد أن أتزيّا بريش غريب، فقد قمت بترجمة ذلك التحليل.
بداية الترجمة (من الروسية إلى الألمانية):
من شأن فيروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة أن يُجبرا الرياض على تغيير سياستها في المنطقة.
خلال مشاركتها طيلة خمس سنوات من الصراع في اليمن، أعلنت السعودية مراراً وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار. غير أن الوضع الحالي قد يكون محاولة من الرياض لتقليص قواتها المسلحة في اليمن، أو حتى لمحاولة الخروج من الحرب الخاسرة.
الأسبوع الماضي، أعلنت السعودية وحلفاؤها في "التحالف العربي" وقف إطلاق النار في اليمن لمدة أسبوعين. وبحسب الرياض، فإن هذا القرار مرتبط بإجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد. تم مؤخراً إعلان أول حالة إصابة بكوفيد-19 في اليمن. كان الخبراء وممثلو المنظمات الدولية قد حذروا مراراً وتكراراً من أن تفشي الوباء في هذا البلد قد ينتهي بكارثة.
كما أعلن التحالف أن وقف إطلاق النار المؤقت قد يكون بداية مفاوضات بين الحكومة المدعومة من السعودية ومتمردي حركة أنصار الله، المتمركزين في العاصمة اليمنية صنعاء. يمكن تمديد وقف إطلاق النار بحيث يتسنى لأطراف النزاع مناقشة مقترحات الأمم المتحدة لحل سياسي في البلاد. للوهلة الأولى، يبدو قرار الرياض بمثابة لفتة إنسانية تُظهر أن المملكة تستجيب لدعوات الأمم المتحدة. مؤخراً، دعا رئيس المنظمة، أنطونيو جوتيريس، إلى إنهاء الأعمال العدائية العسكرية حول العالم لمكافحة الوباء معا.
منذ سنوات، واليمن يعاني من المجاعة وأوبئة الكوليرا ونقص الأدوية. أكثر من 100 ألف شخص قتلوا خلال خمس سنوات من الحرب مع السعودية. وحتى الآن، لم يكن كل هذا سبباً لقيام الرياض بإنهاء الحرب. فما الذي تغير الآن؟

ما يجري في اليمن
دخلت السعودية الصراع في اليمن بعد أن أطاح المتمردون الحوثيون الشيعة في 2014 بحكومة البلاد المعترف بها دوليا.
الرياض على قناعة بأن حركة "أنصار الله" (المتمردين الحوثيين) يتم دعمهم من إيران، والتي يقال إنها تريد شن حرب هجينة في المنطقة. أدى تدخل المملكة إلى تفاقم المواجهات في اليمن وجعلها أكثر تدميراً. عمليات الرياض، المعروفة باسم "عاصفة الحزم"، تم دعمها من قبل البحرين والكويت والإمارات، وانضم إليهم كل من مصر والأردن والمغرب وباكستان والسودان.
في المراحل الأولى من الحرب، ساعدت الضربات الجوية السعودية القوات الحكومية على قتال المتمردين، لكنها لم تتمكن من طردهم من العاصمة. العام الماضي، رفضت الإمارات، الحليف الأهم للتحالف السعودي، مواصلة المشاركة في القتال. كما بدأ المتمردون الحوثيون في إطلاق صواريخ على المملكة ومهاجمة أهدافها النفطية.

هدنة زخرفية
إن قرار السعودية إنهاء الأعمال العدائية في المنطقة لا يعني أن السلام سيعود في اليمن. على العكس؛ فبدون دعم دولي، تصبح القوات الحكومية هدفاً أكثر سهولة للمتمردين الذين شنوا هجومهم بالفعل.
وكما ذكرت صحيفة "الرياض" السعودية، الأسبوع الفائت، فإنه بعد إعلان وقف إطلاق النار، شنت حركة أنصار الله هجمات صاروخية على مدينتي مأرب والحديدة، كما حاولت استعادة معسكر في محافظة الجوف. أما السيطرة على مدينة مأرب، مركز صناعة النفط، فلن تمنح الحوثيين إمكانية الوصول إلى الموارد القيمة فحسب، بل ستكون خسارة استراتيجية كبيرة بالنسبة للقوات الحكومية والقبائل التي تدعمهم. فالطائرات تشن غاراتها الجوية من المدينة.
في الوقت نفسه، يتحدث "أنصار الله" عن رغبتهم في الالتزام بوقف إطلاق النار، لكنهم يصرون على انسحاب جميع القوات الأجنبية من اليمن. تتغير أهداف حرب المتمردين باستمرار، ولكن يبدو أنهم يريدون على الأقل أن يصبحوا جزءا من التحالف الحكومي، ويطالبون على الأرجح بالسيطرة على شمال البلاد، بما في ذلك صنعاء.
أما الجنوب، المدعوم من الإمارات، فيصر على استقلال الأجزاء الجنوبية من البلاد. في المقابل، تريد القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الموالية للسعودية عودة زعيمها إلى السلطة كرئيس لليمن الموحد. ويزداد الوضع تعقيدا من قبل إرهابيي القاعدة وداعش النشطين في المنطقة، وكذلك شتى القبائل المسلحة. وبالتالي يكاد يكون من المستحيل تحقيق وقف حقيقي لإطلاق النار بين جميع الأطراف المتحاربة.

وداع إنجليزي
(ملاحظة: باللغة الروسية يتم الحديث عن "وداع إنجليزي" حين يغادر أحدهم حفلة خلسة دون توديع).
عندما بدأت السعودية عملياتها في اليمن عام 2015، كان المتوقع أنها ستكون حربا سريعة وحاسمة. لم تتوقع الرياض أن تستمر الحرب لسنوات وتؤثر بشكل خطير على الصورة الدولية للمملكة. كان الصحفيون ونشطاء حقوق الإنسان قد أشاروا إلى الأساليب المدمرة للسعودية في الحرب. وينطبق هذا أيضا على مقتل مدنيين جراء الغارات الجوية العشوائية والحصار البحري على اليمن، الذي حرم بعض مناطق البلاد من الحصول على الأدوية والإمدادات الأساسية.
وقال لوكالة "فرانس برس" مسؤول غربي مطلع على خطط الرياض في المنطقة: "يريد السعوديون أن يعلنوا، كالإماراتيين، أن [هذه الحرب انتهت بالنسبة لنا]. لكن الوضع على الواقع صعب للغاية".
إذا قامت السعودية بإنهاء الحرب الآن، فهذا يعني أن المملكة أهدرت مليارات الدولارات وحياة جنودها بلا جدوى. يمكن أن يكون السبيل للخروج من الطريق المسدود هو اتفاقية مع الحوثيين. تم بالفعل في نوفمبر 2019 إعلان وجود قناة اتصال غير رسمية بين الطرفين.
لن تكون المملكة قادرة على مواصلة الحرب في ظل الظروف الحالية. فالتراجع العالمي في الطلب على النفط، بسبب فيروس كورونا، أثر على ميزانية البلاد بشدة. علاوة إلى ذلك، ها هم موظفو شركة الدفاع البريطانية (*BAE Systems)، الذين كانوا يخدمون المقاتلات السعودية، يغادرون البلاد في ظل الوباء. وقد قلل هذا بشكل كبير من القدرة على مواصلة الضربات الجوية. (*"بي آي إي سيستمز"‏ هي شركة متعددة الجنسيات مختصة في الصناعات الجوية والدفاعية مقرها في لندن في المملكة المتحدة ولها فروع في جميع أنحاء العالم، مثل "إسرائيل"، ومن بين أكبر شركات الصناعات الدفاعية في العالم). 

تكاليف غير محتملة
إن التحديات الاقتصادية تعوق خطط السعودية لتحديث البلاد. فجوة السيولة تجعل من تنفيذ برنامج رؤية الأمير محمد بن سلمان 2030 أمراً مشكوكاً فيه. يتعلق الأمر بتنويع الاقتصاد النفطي في المملكة وإصلاح الرعاية الصحية والتعليم والبنية التحتية وتحسين مستويات معيشة المواطنين. يعتمد 80 في المائة من دخل الرياض حاليا على النفط. ومع سعر نفط يزيد قليلاً عن 30 دولاراً للبرميل، أعلنت السعودية أنها ستخفض الإنفاق الحكومي طالما كان عليها استخدام احتياطياتها من العملات الأجنبية للحفاظ على استمرار الاقتصاد مع إغلاق الشركات في جميع أنحاء البلاد بسبب الوباء.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن كلفة إرسال الجيش إلى الحرب في اليمن مهدورة. يقدر مركز أبحاث ويلسون أن تكلفة العمليات الجوية والبرية والبحرية في اليمن يكبد التحالف 200 مليون دولار يوميا.
وقال المحاضر توماس جونو من مركز صنعاء في جامعة أوتاوا: "الرياض تفهم جيدا أن الانسحاب السريع من اليمن سيترك اللعبة في أيدي الحوثيين وأنصارهم الأجانب: إيران".
وفي الوقت نفسه، يريد السعوديون تخفيض كلفة تدخلهم في اليمن. من الواضح بالنسبة لهم أن التكاليف المالية الحالية للعملية العسكرية غير مقبولة اليوم".

النص الأصلي بالروسية
الترجمة عن الألمانية من موقع: (ANTISPIEGEL).
15 أبريل 2020