علي نعمان المقطري / لا ميديا -

إن تراجع الجيش واللجان الشعبية خلال معارك الدفاع الأولى بداية العدوان في 2015، يعود في جزء منه إلى أن الحاضنة الشعبية الجنوبية كانت قد تحولت للأسف في أغلبها، من قاعدة شعبية إلى قاعدة عدوانية للقتال ضد الجيش واللجان وضد الاستقلال والحرية وضد الوحدة وضد التحرير الوطني للجنوب ولليمن عموما، وهي حالة ظاهرة مؤقتة لكنها مأساوية ويجدر الالتفات إليها فهي لب الإشكالية المعيقة للتحرر الوطني للجنوب، وينطبق الأمر على مناطق أخرى محتلة كانت فيها حاضنة للعدوان أيضا، لكنها أقل إشكالية من وضع الجنوب الملتهب. هل هذا يعني أن تطابقا حاليا بين الموقف الشعبي المضلل الملتبس وبين اتجاهات العدوان والاحتلال؟
إن هذا واقع لكنه واقع مشوه غير معقول وغير منطقي بكل تأكيد، وهو ما يفرض علينا إعادة ترتيب البنية الأيديولوجية السياسية والبنية العقلية الشعبية، لأن الخلل كامن في استلاب الشعب في الجنوب لعقليته مؤقتا، ومهمتنا إعادة الرشاد إلى ذلك العقل المبلبل والمضلل والمشوه، وذلك هو التحدي الأكبر الآن بما يفوق خطورة التحديات الأخرى الواقعة تحت السيطرة الوطنية. 
ويجب أن نفهم أن ما يحدث رغم أنه غير معقول ولا مقبول ولا دائم، إلا أن الظاهرة الراهنة تعود إلى أوضاع الجنوب الذي واجهها في الماضي وإلى الواقع الذي خلقه النظام السابق وسيطرته على الجنوب بكل قسوة وتجبر.

سمات الحالة الجنوبية
إن «المجتمع الجنوبي» قد تكرس مجتمعا ريعيا وليس منتجا في أغلبه وما ينتجه لا يغطي احتياجاته الداخلية إلا في أشد الأحوال قسوة وشحة وكفافا، وقد عانى دوما من نتائج التصحر الجغرافي للأرض عبر مساحات واسعة من الصحارى التي تشكل أغلب أراضيه جعلت أغلب الناس المتركزين على السواحل تعتمد على البحر وصيده كمصدر للقوت بدرجة أساسية، وقد توسعت حركة السكان دون أن يواكبها اتساع في مصدر العيش، وهكذا عاش الجنوب تلك المعضلة الاقتصادية والاجتماعية التي حاول أن يخفف منها عبر اللجوء للهجرة إلى الدول والمناطق المجاورة في الخليج والجزيرة وأفريقيا وشرقها وشرق آسيا.

البنية السكانية
بسبب الهجرة أصبح قسم كبير من أبناء جنوب اليمن يعيشون في المناطق المهاجرين إليها في الجزيرة والخليج، وشكلوا هناك جاليات كبيرة تسيطر على قسم كبير من التجارة، على عكس المهاجرين من شمال اليمن الذين كانوا يميلون إلى العمل الحرفي والبنائي والزراعي حسب الخبرات التي كانوا يحملونها معهم إلى مهاجرهم.
وكانت أغلب المناطق المتصحرة التي تقع في المناطق الشرقية حيث الصحارى تمتد طويلا وقد كانت في الماضي صالحة للزراعة والرعي ولكنها تعرضت للجفاف، وقد اتجه الكثيرون من أبناء تلك المناطق إلى أقرب المهاجر المجاورة، وهي الجزيرة العربية والخليج وإلى الهند الشرقية وإندونيسيا وماليزيا وغيرها.
وفي الجزيرة العربية المجاورة تجمعت أعداد كبيرة من المهاجرين اليمنيين منذ القرن الماضي والذي قبله، وصاحب الهجرة ومهد لها اضطراب الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي خلفتها حروب الاحتلال العثماني الأول والثاني والاستعمار البريطاني، حيث جعل الهجرة واحدة من آليات السيطرة على البلاد وإفراغها من زبدتها الحيوية النشيطة، وذلك من خلال تشجيع الهجرة العاملة والتجارية وتشجيع التجنيد العسكري في جيوش الآخرين من حلفائه.

التجنيد تحت قيادة البريطانيين
وخلال الحقبة الاستعمارية السلاطينية ظل الاستعمار يتعامل مع الزيادة السكانية الفاعلة في إطار القوى العاملة الفائضة العاطلة على أساس استغلالها في عدة مجالات استراتيجية وعسكرية تخدم أهدافه في السيطرة والبقاء، ومنها التجنيد والتجييش وإلحاق الآلاف من القبائل الجنوبية الشابة الفتية القادرة على القتال من قبائل حمير اليافعية في الأساطيل البحرية لبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها.
وتجنيد عشرات الآلاف إلى الهند المسلمة لاحتلال مناطق منها باسم بريطانيا وحلفائها المحليين في ولاية حيدر آباد كمثال، حيث جند إليها أكثر من 20 ألف مقاتل وأسكنوا فيها بعد احتلالها من قبلهم لصالح الإنجليز، كما جندت عشرات الآلاف من قبائل يافع الغربية أيضا إلى حضرموت لإقامة دولة الكثيري في ساحل حضرموت وإقامة دولة القعيطي في وادي حضرموت.
ثم عمدت إلى تجنيد حوالي 20 ألفا في قوات تحت سيطرتها ركزت فيها على القبائل الأبينية والعولقية لتكون مناط القيادة وهيكل الإدارة فيها.

تدمير الاقتصاد الوطني المنتج
وجعلت من ميناء عدن مركزا تجاريا كبيرا لاستيراد البضائع الإنجليزية والغربية وإعادة التصدير إلى الدول المجاورة وإلى الداخل اليمني بدرجة رئيسية، وكانت قد جعلت من عدن والمناطق الأخرى قواعد عسكرية بريطانية كبرى ووضعت فيها أكثر من 100 ألف جندي بريطاني، تسيطر منها على مناطق الجزيرة والخليج وشبه القارة الهندية بعد استقلال الهند وتقسيمها، وكانت تسعى لتدمير الاقتصاد المنتج والزراعي والحرفي والصناعي الوطني المحلي لكي تظل البلاد سوقا لتصريف بضائعها ومنتجاتها البريطانية والغربية والأوروبية.

كارثة اقتصادية أمام الحكم الوطني
ومع نهاية حرب الاستقلال الوطني وبعد حرب يونيو 67، وإغلاق قناة السويس، انقطعت طريق التجارة السابقة التي كانت تعتمد على ميناء عدن، كما انقطعت الأموال التي كانت تنفقها الإدارة البريطانية خلال وجودها في عدن بعد رحيلها من البلاد.
وهكذا استلمت القوى الوطنية الخزينة العدنية فارغة من الأموال، ولم تستطع توفير النفقات الضرورية لإدارة البلاد اعتمادا على الدخل المحلي، فراحت تستدين وتقترض من الخارج، كما اضطرت إلى توظيف شامل للقوى العاملة وتوفير دخل لكل فرد منها، فقد بلغت القوى المتوظفة في الجنوب عشية الوحدة 600 ألف كادر في القطاعات المدنية والعسكرية، وهي نسبة تشكل 60٪ من سكان الجنوب آنذاك، الذي كان لا يتجاوز المليون نسمة، أي أن الحكومة الجديدة قد وظفت كل هذا الجيش العرمرم من الموظفين تبع الدولة الجديدة، وكانت تلك القوى البشرية، من القادرين على العمل ولا يوجد لهم مصادر عمل أخرى خارج الدولة، هم اللغم الذي تركته بريطانيا بعد خروجها من اليمن الجنوبي انتظارا لانفجاره في أوضاع البلاد الجديدة التي ستسقط من جديد تحت يديها، كما قدرت هي وعملاؤها.
السلطة الوطنية التي ورثت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية السابقة، وكانت مطوقة بالحصار السياسي والاقتصادي من كل جانب، لم تجد أمامها سوى طريق التقشف والعدالة الاجتماعية والاشتراكية لتواجه بها تحديات الاستقلال ولتدافع بها عن استقلالها الوطني، فلم يكن قد ظهر البترول بعد ولم يعلن عنه إلا بعد الوحدة.
وهكذا تأسس الربط المباشر بين أرزاق الناس وبين الدولة، ولم يكن هناك مجالات أخرى لأرزاق الناس سوى التوظيف، بخاصة أنها ترافقت بحركة تعليم شاملة لجميع الناس إجباريا، فأصبح هدف الناس هو التوظف في الدولة بمؤسساتها العسكرية والمدنية والسياسية.

الرعاية الاجتماعية
كما عالجت الدولة على حسابها وعلى نفقاتها مشاكل المجتمع المتراكمة السكنية والصحية والتعليمية والتأهيلية ومشاكل الزواج والفقر والتشرد والثارات والتباين الاجتماعي والتهميش، أي أنها حققت عدالة اجتماعية عالية المستوى بما يفوق قدرتها المالية ودخلها الوطني، فصارت هي مصدر الدخل لشعبي والاجتماعي عبر التوظيف العام للجنسين.

الدولة هي المصدر الوحيد للإنفاق والاستثمار والتوظيف 
وكان هذا واحداً من أهم أسباب تعثر استمرار التجربة الاشتراكية الجنوبية بعد غياب الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية التي كانت المصدر الرئيسي للإقراض والمساعدات، بعد أن ضربت السعودية وأخواتها واليمن الشمالي التابع لها والكتلة الاستعمارية الغربية الحصار على الجنوب بهدف خنقه وقتله في مهده وفصله عن الهوية اليمنية الوحدوية الوطنية المعادية للاستعمار والصهيونية.
وكان العداء واضحا من قبل الاستقلال وبعده حين أقدمت السعودية على العدوان العسكري على أراضي اليمن الجنوبي في الشرورة والوديعة وغيرهما منذ فجر الاستقلال ومازالتا تحت الاحتلال السعودي إلى الآن، وقد سيطرت السعودية على البنية القبلية الجنوبية عبر الأموال المنتظمة وعبر السلفيات المذهبية والطائفية، ومن خلال المهاجرين الكثر الذين كانوا يزيدون عن الموجودين في الداخل، ومن ثم تحكموا بالنشاطات الاجتماعية والنزاعات والتباينات، وكونوا كتلة تابعة كبيرة من المتمصلحين.
نخلص من الإيضاح التاريخي الذي تحدثنا عنه في الجزء الأول من المقال، إلى أن المواطنين الجنوبيين هم مرتبطون بمصدر الإنفاق الرئيسي القائم بغض النظر عن هويته السياسية والأيديولوجية، وقد اعتاد الجنوبيون على الشطح يمينا ويسارا حسب الظروف، وفي كل الأحوال كانوا مرتهنين للشروط الاقتصادية القائمة، وكان هناك مزاج سلبي ثقافي ترسخ خلال الحقبة البريطانية التي جلبت نوعاً من الرفاهية التجارية لعدن المستعمرة وغمرتها بالأجانب والمهاجرين الآسيويين والأفارقة واليهود، وجعلت تحت أيديهم الاقتصاد والمال والتأهيل والإدارة والقيادات العليا. ويقوم ذلك المزاج على التعايش مع الدولة الموظفة أياً كان اسمها سواء المستعمرة أم السلاطينية أم اليسارية الأجنبية أم الوطنية.
وهو مزاج جاء من صلب التثقيف البريطاني الأجنبي والقوى المحلية الوهابية والليبرالية المتعاونة معه التي كانت تسيطر على إدارة المرافق التعليمية والتربوية والتثقيفية والدينية والصحافة والإعلام والحياة اليومية، وتركز على البنية المستفيدة من التوظف والتجارة والمقاولات في ظل الاحتلال.
ولذلك كانت تلك الشرائح دوما تحذر الناس الثائرين ضد الاحتلال من عواقب الاستقلال والثورة، وقسم كبير منها كان منخرطا مباشرة في قمع المظاهرات والأنشطة الثورية والتحركات الوطنية للشعب.
ولم يحدث التحول داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والحكومية إلا في العام الأخير للحرب الثورية التحررية بعد غزوها سريا من الداخل عبر تنظيمات ثورية صغيرة راحت تعمل ليل نهار لتكوين منظمات ثورية داخل تلك المؤسسات وتستقطب أشرف رجالها مستغلة كل التباينات والخلافات والصراعات والطموحات بين قادتها وبين قبائلهم وبينهم وبين الإنجليز.
وكانت النزاعات القبلية والسياسية المرتبطة بالطموحات والأطماع الفردية والجماعية بين المجموعات القبلية المتنازعة، تعتبر من أهم مداخل استغلال التباينات في الجيش القديم، حتى وجد نفسه قد أضحى في مركز النشاط السياسي الكبير للسيطرة على الحركة التحررية الناشطة عشية الاستقلال بعد أن أعلنت بريطانيا منذ العام 65 نيتها الخروج من الجنوب بعد أن أحرقتها أعمال الثوار بين ردفان وعدن، أهم جبهتين للمواجهات مع القواعد والقوات البريطانية المحتلة وفقدت آلاف الجنود والمعدات في معارك التحامية رهيبة وضارية لم يعرفها في أي بلد آخر من قبل.
وقد أيقن جميع الموظفين في مؤسسات الإنجليز أن زمن الاحتلال قد ولى، وراح الكثيرون منهم يرتبون أوضاعهم مع القوى القادمة التي أمام أعينهم تسيطر على الميدان، ولم تأت نهاية العام 67 إلا وأغلب قيادات الجيش العميل قد انضوت في الجبهة القومية سرا.

النزاع القبلي السياسي من مخلفات السياسة البريطانية
فهمت بريطانيا عبر مستشاريها المحليين والعرب والسلاطين أن الجنوب يقوم على تركيبة قبلية متعددة متباينة، ولذلك أرادت أن تكسب جماعة قوية ضد جماعة أخرى من القبائل لكي تستعين بها على السيطرة على الجنوب من خلال تجنيدها في قواتها المحلية المستعمرة، وتربطها مصلحيا بالرواتب والمشاهرات التي تمنحها لها كأجور على خدماتها وتربطها بها، وبها تقيدها عن الحركة بعيدا عنها، هكذا ركزت على تجنيد جيوشها المركزية من قبائل العوالق وأبين تحديدا، بينما أهملت القبائل الغربية الأخرى كردفان ويافع والضالع والصبيحة ولحج وأقصتها عن التجنيد في الجيش الداخلي وترك لها وجوداً محدوداً في إطار الحرس المحلي للسلطنات والمشيخات والإمارات القبلية، وأصبحت القيادات العسكرية محصورة في العوالق أولا، أي كبار القيادات، ثم في أبين في قبائل مودية ودثينة، ويشغلون المراتب الثانية من الرتب القيادية بعد العوالق، وقد تسربت الثورة إلى الجيش والأمن من خلال تلك التباينات والتناقضات البينية وخرائطها واستغلالها بدقة وتوازن.
فإذا كان الإنجليز قد اعتمدوا على قبائل العوالق وأبين فإن الجبهة القومية الحاكمة قد اعتمدت على القبائل الغربية المهمشة من يافع الجبل والضالع والشعيب وردفان والصبيحة ولحج بدرجة أساسية، وكان الحراك السياسي والعسكري دوما يفضي إلى مزيد من تقليص مواقع الطرف الشرقي لصالح طرف الغرب.

التدخل الأجنبي السعودي
كان قادة الجيش القدامى والأمراء والسلاطين القدامى الذين هربوا إلى السعودية قد أقاموا هناك بدعم بريطاني أمريكي سعودي عفاشي وأحمري، قواعد عسكرية لمحاربة النظام الجمهوري الجديد في الجنوب، وأرادوا تقسيم البلاد وضمها إلى السعودية واستقطاب القبائل العاطلة وتجييشها وتجنيد الشباب وإخضاعهم لدورات عسكرية ثقافية وهابية سلفية واسعة وتوزيع المرتبات للمشائخ والقبائل الجنوبية وتحطيم البنى الثقافية الحديثة التي كانت قد تكونت خلال الحقبة السابقة وزجها طويلا في حروب أفغانستان وفي تنظيم «القاعدة» الإرهابي.
ومع الوحدة أعاد عفاش أكثر من 20 ألفاً من عناصر «القاعدة» إلى الجنوب ومنحهم الإمكانات والأسلحة والحماية للسيطرة على الجنوب ضمن المشروع الإمبريالي الأمريكي السعودي.
عاش هؤلاء ضمن أكناف القبائل الشرقية من الجنوب والشمال، وأصبحوا تحت التنظيمات التابعة لعفاش ثم لهادي وعلي محسن، وكانوا قد انتظموا ضد الطرف الآخر الأغلب قواعده من المناطق الغربية.
وكانت مؤامرة يناير 86 تستند إلى التحريض القبلي العسكري من قبل علي ناصر وحلفائه القبليين من أطراف أبين والعوالق مسقط رأسه وقبيلته، وجاءت النتائج لتعزز الانقسام القبلي الجنوبي، وهو ما استغلته السعودية وعفاش لإذكاء النزاع ومنع التقارب الداخلي بين الجنوبيين.
وقد أدت الحرب العدوانية في 94 إلى خروج ذلك الجيش العرمرم من الوظيفة العامة إلى الشارع عبر حركة تطهير سياسية مناطقية متعمدة ممنهجة أجبرت القوى العاملة إلى الخروج على المعاش بشكل جماعي، وتمت عملية توظيف بديلة لهم بالمحسوبية، وهي ما تجلت في ظاهرة الوظائف المزدوجة والمتعددة.
كانت تلك المذبحة الاقتصادية للجنوبيين والاشتراكيين قد أشرف عليها ومولها البنك الدولي الأمريكي ضمن سياسته الاستراتيجية القاضية بخلق أوضاع اقتصادية لا تحتمل أمام الناس هناك تمهيدا للتقسيم والانسلاخ المخطط، والذي كان عفاش ضالعا فيه بقوة، وتثبت ذلك الوثائق التي نشرت بعد انقلاب ديسمبر 2017 الفاشل، والتي أكدت أن تقسيم اليمن كان مشروعا عفاشيا إماراتيا سعوديا أمريكيا مشتركا ثمنه بالنسبة لعفاش هو إبقاؤه حاكما وأهله وأسرته وأولاده على الشمال وترك الجنوب تحت الحماية الأمريكية الخليجية والسعودية والإماراتية، وليس صدفة أن طرفي النزاع في الجنوب حاليا هم في الأصل تربية عفاش وسلطته.

العدوان يستند على القواعد الانقسامية السابقة ويذكيها
كانت مناطق الجنوب تحت الهيمنة البريطانية الغربية قرناً من الزمن، وبعده واصل مراقبتها والتأثير على ظروفها ومحاصرتها، وعيا منه وإدراكا لما فيها من ثروات وخيرات بترولية وغازية ومواقع استراتيجية وفرص مواتية وغيرها تتصل بأهداف الإمبراطوريات الكبرى وأطماعها ومنافساتها.
وكان الاحتلال (أنجلوسكسونيا) وسعوديا وصهيونيا، والعدوان كذلك، وقد صنع أساس تلك الصراعات والتباينات وهندسها لعقود طويلة، وواصل ذلك بعد الاستقلال وما لحقه من تطورات زادت من فرصه.
إن العدوان قد أحسن استغلال تلك النزاعات والأحقاد والضغائن التي اتسعت قروحها عبر الكثير من الأحداث والثارات، والتي كان أول من أسس لها وأثارها وهندسها سلفا عبر سياساته الكبرى التي اتبعها خلال وجوده الذي زاد على 100 عام، فلم يعرف الجنوب مثل تلك العداوات الكبيرة ولا مثل تلك المذابح التي عرفها الجنوب طوال عهده وبعد عهده.
قبل ذلك كان أقصى ما يصل إليه الحال هو أن تتقاتل عشيرة ضد أختها أو يقتل فرد فردا أو جماعة من العشيرة لأخرى، ويحل الأمر بالطرق القبلية بالأعراف والتشريعات والشريعة والدين، وكان الجنوب شأنه لا يختلف عن أي منطقة أخرى من اليمن، لكن الاستعمار والرجعية الجديدة التي هيمنت على الجزيرة العربية كانت تمد أعناقها دوما للسيطرة على الجنوب الأقرب إلى مناطق نفوذها، وخلال الـ100 عام من الاحتلال البريطاني كان همه هو تأسيس أوضاع تجعل الاستقلال والاستقرار بين مناطق البلاد مستحيلاً، فقد خلق مصالح وأوضاعاً وشروطاً غير معقولة ولا مقبولة لأغلب الناس بهدف جعل الاستقلال غير ممكن لاحقا.