دنيا حسين فرحان / لا ميديا -
يعد جامع العيدروس من أعرق جوامع ومساجد مدينة عدن، وتحديداً مديرية صيرة، وأحد معالمها الأثرية، ويتميز بطقوس دينية خاصة تقام سنويا وشهريا، ومنها في شهر رمضان المبارك، إضافة إلى حلقات الذكر وتحفيظ القرآن الكريم.. مع تعاقب السنوات وتغير الظروف المحيطة وظروف الحرب والصراعات السياسية والفكرية تعرض عدد كبير من الطقوس التي كانت تقام فيه للطمس، ناهيك عن محاربة ومطاردة أكثر أئمة هذا الجامع. إلا أن هناك بقايا طقوس وعادات وأمسيات رمضانية وحلقات ذكر ما زالت تصارع من أجل البقاء في هذا الصرح العظيم، في انتظار عودة ما اختفى واندثر مرة أخرى، بعد سنوات من الإهمال والغياب التي خيمت عليه.. وما يزيد الطين بلة هو تهالك مبنى الجامع. ورغم عديد المناشدات من أجل ترميمه وإنقاذ ما تبقى منه إلا أن كل هذه المناشدات لم تجد بعد آذاناً صاغية.

معلم تاريخي عريق
يقف الجامع على تلة صغيرة تحت سفح جبل في بلدة كريتر (أعتق بلدة في عدن). ويعرف بلونه الأبيض وقبابه ذات الشكل اللافت والمميز. ويعود تاريخه لأكثر من 500 عام، إذ يعود تاريخ بنائه إلى عام 1484م-899هـ، وفقا لما قاله عبدالقادر الحوت المحضار، مسؤول قسم التاريخ في مركز الإبداع الثقافي بعدن.
يتميز الجامع بتصميمه على الطراز الهندي، ويعتبر من المساجد اليمنية ذات الأروقة كثيرة الأعمدة، ولا يوجد فيه صحن (فناء) أوسط. ونظراً لمكانته التاريخية فقد استخدمت صوره على بعض الطوابع البريدية لعدن قديما.

طقوس رمضانية وحلقات ذكر
رمسيس حسام الدين، عضو المجلس المحلي بمديرية صيرة محافظة عدن وأحد القائمين على الجامع، يقول: "كغيره من مساجد بلد اليُمْن والإيمان والحكمة والفقه، يعد جامع الإمام أبي بكر العيدروس العدني منارة للذكر والشكر والفكر. شُيِّدَ مبناه في القرن التاسع الهجري، على يد الإمام العيدروس، وسنَّ فيه اجتماعاتٍ دينية وطقوساً دينية جمة حُفظت مِن بعده على أيدي القائمين والمحبين المخلصين".
ويضيف: "سُننٌ حسنة سَرَت بين أهل الإسلام في سائر الأقطار والعصور، كالتذكير بالصلاة على النبي المختار والحث عليها بعد أذان العشاء ليالي الاثنين والثلاثاء والخميس، والحث على القيام لذكر الله في آخر الليل بالموشح الديني المعروف: يا رب يا عالم الحال، قبيل أذان الفجر".
ويستطرد حسام الدين: "ومن منتصف شهر شعبان المبارك يشرع المؤذن بالترحيب بشهر رمضان الكريم بعد أذان العشاء إلى آخر ليلة في الأسبوع الأول من شهر رمضان. وفي أول ليالي الشهر الفضيل يتغير التذكير قبيل الفجر إلى موشح ديني مطلعه: "أيها النوام قوموا للفلاح"، وهو موشح فيه الحث على القيام وإدراك آخر الليل وسُنَّةِ "الفلاح" (السحور)".
ومن تلك الاجتماعات -بحسب حسام الدين- ما رُتب في شهر رمضان المبارك، كإقامة صلاة التراويح، والاجتماع بعدها لقراءة أذكار بعد صلاة الوتر وأذكار شهر رمضان المبــــارك والمدائـــح النبوية والقصائد الوعظية من المنشدين والحداة، وقراءة حضرة الإمام العيدروس عقب الانتهاء من الأذكار مساء الاثنين.
وأشار إلى أنه في العشر الأواخِر من الشهر الفضيل يشرع المؤذن بعد أذان العشاء بتوديع الشهر الفضيل إيذاناً بقرب رحيل الشهر وحثاً على تناغم ما بقي من الأيام والليالي، "وفي ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان يجتمع الناس في الجامع لحضور مجلس ختم القرآن الرمضاني السنوي في صلاة التراويح وقراءة أدعية ختم القرآن”.

تقاليد اندثرت وأخرى ما زالت تقاوم
منذ نحو 560 عاما، ثمة طقس ديني درج أهالي مدينة عدن على ممارسته، ولم يتخلفوا عن إحيائه عاماً، كهوية مميزة للمدينة، ويتمثل هذا الطقس بـ"زيارة العيدروس"، وهو احتفالٌ سنوي يقيمه سكان ضاحية كريتر بمدينة عدن، إحياءً لذكرى وصول أحد أبرز مشايخ الصوفية في اليمن، الإمام أبو بكر بن عبدالله العيدروس، إلى عدن قادماً من مدينة تريم في حضرموت، شرقي البلاد.
وتميز الإمام العيدروس، وفقا لمؤرخين، بتقديم مدرسة صوفية "معتدلة"، كما كان يتبنى مواقف إصلاحية بطولية في مخاطبة الحكام، وكذا مواجهة الاحتلال البرتغالي للسواحل اليمنية قبل نحو 600 عام، ولعب دورا بارزا في حشد المواطنين لمقاومة الاحتلال البرتغالي.
كانت هذه الطقوس الاحتفائية بالإمام العيدروس قد شهدت تراجعا خلال السنوات الأخيرة، بفعل تعرض الطرق الصوفية لهجوم فكري من قبل فصائل دينية وهابية متشددة، شنت هجمات تشويه ضد المدرسة الصوفية المعتدلة في عدن، لكن ما لبثت أن عادت من جديد، لتؤكد أن جذورها ثابتة وباقية.
ومن الطقوس التي يتميز بها جامع الإمام العيدروس ما يقام صبيحة يومي عيدي الفطر والأضحى من موكب الزف، الذي يتقدمه منصب عدن السيد مصطفى بن زين العيدروس أو من ينوبه من أسرة آل العيدروس، حيث يتوجه جمع من المحبين مرددين القصائد الدينية لإقامة مجلس الاجتماع للمعايدة وتَشارُكِ الفرح بين المسلمين في بيت مقام منصب الإمام العيدروس.