الشاعر توفيق الدباشي لـ«مرافئ لا»: لـ «هذا» انتميت لـ«الإصلاح» وكفرت به
- تم النشر بواسطة نشوان دماج / لا ميديا
أكتب القصيدة الجزلة ولقبت بـ«السائر على خطى حسان»
حــاوره نشوان دماج / مرافئ -
السائر على خطى حسان بن ثابت؛ هكذا أطلق على الشاعر توفيق الدباشي من قبل رفاقه لإصراره على التشبث بالقصيدة العمودية الجزلة ونفوره مما يسميه شعر السهل الممتنع. يقول إن القصيدة الفصحى هي الأبقى والتي ستتخلد، وإن إشكالية الركون عند الجمهور إلى العامية سببها تدني اللسان. يعتبر القصيدة الشعبية مؤقتة رغم أهميتها في المرحلة الحالية.
توفيق حسان الدباشي من مواليد بعدان إب عام 1975، أكمل دراسته الثانوية في صنعاء والتحق بكلية التجارة ليدرس حتى المستوى الثاني، ثم في 1996، ولظروف أجبرته على عدم مواصلة دراسته، تفرغ للعمل البحثي. انخرط سياسياً في حزب الإصلاح وكان أحد شعراء الحزب، الذي ظن فيه الدباشي وغيره أنه سيوصلهم إلى القدس من بوابة الأقصى وحيفا والمدن الفلسطينية المحتلة، فإذا به يُدخلهم من بوابة تل أبيب، ويُدخل خالد اليماني ليصلح الميكرفون لنتنياهو. ومع بداية العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، يقول الدباشي إنه لم يجد في المحيط إلا المسيرة القرآنية الفتية الصادقة وصدقية مواجهة مشروعها للعدو الصهيوني التي أظهرها قادة الإصلاح طوال عقود ديكوراً وقناعاً لتنفيذ مآرب أخرى. فكان من البديهي، بحسب الدباشي، أن ينخرط في تلك المسيرة، ملتحقاً باللجنة المركزية العلمائية للتعبئة والحشد.
له ديوان تحت الطبع، وقصيدة بعنوان «ألفية المبني للمجهول» مكونة من ألف بيت، كما له أربعة أبحاث هي: «يهود سامراء سر كل بلاء»، «الآثار المكانية في القرآن الكريم»، «الحقب الاستعمارية الأربع»، «توراة ما قبل التحريف».
صحيفة «لا» التقت الشاعر والباحث توفيق الدباشي في حوار حول تجربته في المسيرة القرآنية ونظرته الجدلية إلى شعر الفصحى والعامية، فإلى الحوار:
قناع لمآرب أخرى
بداية لو تحدثنا أستاذ توفيق عن بداية انخراطك في المسيرة القرآنية وتحولك عن حزب الإصلاح الذي كنت أحد كوادره..؟
أولاً أتشرف بكوني ضيفاً على هذه الصحيفة اللامعة التي أنا من جمهور قرائها ومن المعجبين بطرحها وجرأتها، وعنوانها المتفرد. أما بالنسبة لسؤالك فلقد تأثرنا بالعدوان، ودفعتنا الأحداث إلى أن نحرك أقلامنا، ونتصدى لزيف ما روج له المعتدون من صدقية وأحقية في شن الحرب بتلك الشراسة، وكنا ممن أسس مع بعض الإخوة الشعراء والأدباء الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان، وانطلقنا عبرها نملأ الساحة ونجمع الشعراء ونرتب الفعاليات، وكان لنا أكثر من 150 فعالية منذ بدء العدوان وحتى 2018. كانت تلك بداية انطلاق الشعراء المجهولين والمغيبين، باحتوائهم وإبراز قصائدهم وإقامة فعاليات متتالية لهم، إذ كان لا يمضي أسبوعان إلا وأقمنا فعالية، ولكل فعالية مسماها. فبرزنا عبر الجبهة الثقافية، وعرف الكثيرون اسم توفيق الدباشي، من خلال ذلك التعريف الجميل الذي كانت تعرفني به الدكتورة ابتسام المتوكل، وهو: السائر على نهج حسان، وهذا وسام أفتخر به، أن أكون سائراً على نهج حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
أما كوني في السابق منتمياً إلى حزب الإصلاح ومن شعرائهم، فهذا صحيح، وكان انتماء صادقاً، إذ كنا نظن فيه أنه سيوصلنا إلى القدس من بوابة الأقصى وحيفا والمدن الفلسطينية المحتلة، فما أدركنا إلا وقد دخلوا إلى الأقصى من بوابة تل أبيب، وأدخلوا خالد اليماني ليصلح الميكرفون لنتنياهو. خابوا وخسروا والله؛ إذ لم نجد في المحيط من بعد العدوان إلا حركة أنصار الله الفتية الصادقة في مواجهة من كنا نواجههم ديكوراً من قبل قادة الإصلاح: أمريكا و»إسرائيل» والطغيان العالمي، لكنه كان عبارة عن قناع لبسوه لتنفيذ مآرب أخرى لهم. فكان من البديهي أن نرى الحق فنتبعه، وأن نرى سفينة النجاة هذه التي سنبحر عبرها معاً بإذن الله إلى الأقصى وكل الأراضي المقدسة، فذبنا في المسيرة القرآنية والتحقنا باللجنة المركزية العلمائية للتعبئة والحشد، وعبرها إلى كل المديريات والمحافظات.
اتهامات باطلة
هل كان لكم لقاء مع قائد الثورة؟
كان لي شرف اللقاء به في 2017، وأهداني بعض كتب والده، ومنها «التيسير في التفسير» و»مجموعة الرسائل والردود»، فوجدت في ذلك الأب، الذي دائماً ما أرى فيه العمق الروحي للمسيرة القرآنية، قامة علمية سامقة استطاع أن ينشئ في بيته تلك الكوكبة من القادة ومنهم السيد حسين والسيد عبدالملك والسيد محمد وغيرهم. كما أنني في ذلك اللقاء طرحت عليه سؤالاً حول أم المؤمنين عائشة، فأجابني: خالتي زوجة أبي وأم أخي محمد اسمها عائشة. فشعرت بخجل كبير من أننا كنا نكيل لهم اتهامات فيتحملونها ولا يردون على السيئة بسيئة، بل يوضحون لمن التبس عليه الأمر، وكنت أحد هؤلاء.
بين مظلوميتين
من وجهة نظرك كشاعر.. كيف ترى هذا التقدم الذي وصلت إليه ثورة الـ21 من أيلول؟
الانتصار الذي تحقق يمكن أن أترجمه عبر فكرة أريد من القارئ أن ينظر إليها بعين الحيادية والإنصاف، وهي أن الأمة ظلمت بمقتل الإمام الحسين عليه السلام ودخلت في نفق الحكم العضوض، ومنذها إلى أن ولد مجدداً الحسين بن بدر الدين وحصل له ما يتطابق كلياً مع المظلومية الأولى للحسين بن علي، من تكالب وجور ومحاولة استئصال وإبادة، ولكن الفرق بين المشهدين هو أن مظلومية الحسين كانت بداية دخول في النفق المظلم الذي عاشته الأمة، بينما مظلومية السيد حسين كانت بداية انفراج، ولذا لا غرابة أن يكون كل يوم بمثابة انتصار للمظلومية التي عاشها التاريخ بكله والأمة بكلها. فما حدث في سبع سنين منذ بداية العدوان إلى اليوم، من تحرر وانفراج، لم يكن ليحدث لليمن، لو أننا بقينا في ذلك النفق، طيلة 70 سنة أو 700 سنة، في ظل الوصاية والتحكم والسيادة الخفية. وهذا شيء نفخر ونعتز به من دون شك.
كما أن هناك انتصاراً لا يلحظه الكثيرون، وهو الانتصار على ما سبق أن بني من أسوار للمذهبية والجماعات والانتماءات الحزبية والمناطقية الضيقة. فحين ننصهر جميعاً في بوتقة واحدة هي الأصلب والأقوى، تضم مختلف الأطياف والجماعات التي تحمل هماً واحداً وتنظر إلى عدو واحد سبق أن صنع له ألف سور وأوصد عليه ألف باب، كي لا يلتقي الإصلاحي مع الأنصاري ولا السلفي مع الزيدي ولا الصوفي مع الشافعي، فذوبان الجليد هذا هو انتصار يتوازى تماماً مع الانتصار في المجال التصنيعي والميداني.
ثورتنا متكاملة
وهل انعكس ذلك على مجال الإبداع الفكري والثقافي أيضاً؟
بالتأكيد، فلقد كانت ثورة متكاملة أخرجت لنا براكين من العاطفة والوجدان، وفجرت ألسن كثيرين كنا نجهلهم قبل ذلك الحدث الجلل. وما تحقق في المجال العسكري والتصنيعي والتنموي، تحقق أيضاً في شتى المجالات، ومنها المجال الإبداعي والثقافي، إذ شهدنا شراسة المعركة التي خاضتها الزوامل الباليستية التي انطلقت كالصواريخ. وبالتالي فإن سنوات النصر أنجبت توفيق الدباشي والكثير من الشعراء، ومنهم الأستاذ صلاح الدكاك الذي نأنس كثيراً لشعره وطرحه الأدبي وتمكنه من الحرف وانصياع الحرف له، هؤلاء يمثلون لوحة متكاملة من العظماء الذين سطروا بمواقفهم ما سيخلده التاريخ.
مبارزة شعرية
بالنسبة للشاعر توفيق الدباشي هل يرى في شعره فارقاً قبل وبعد؟
أعتى، أصلب، أقوى، أنكى، أصبح الشاعر هكذا، وسبب ذلك حجم المظلومية. أستطيع أن أستعرض لك بعضاً ممن برزوا لنا شعراً من الجانب الآخر، وبرزنا لهم ضداً، إذ رصدنا ما قيل عنا من شعرائهم، سواء من اليمن أو المملكة أو سواهما، فكان لنا ردود عليهم، إذ اجتمعنا في 2016 بمبنى وزارة الثقافة، شعراء فصحى وشعبيين، وعرضنا عليهم أكثر من 23 قصيدة قيلت فينا من كبار شعرائهم، ومنهم ناصر الفراعنة، ماجد الخالدي، عايض القرني، سعود الشريم، يحيى رياني مسرعي، ماجد الخالد، مصطفى الجزار وغيرهم، وحللنا تلك القصائد فوجدناها تتمحور جميعاً في ثلاثة محاور: الأول أننا مجوس، والثاني أن لديهم طيراناً لا يقهر، والثالث أنهم حبيوا بالإمام الفارس المغوار محمد بن سلمان. بالإضافة إلى ما يصحب هذه القصيدة أو تلك من ألفاظ سوقية وساقطة تتدنى إلى مستوى الانحطاط. فبرز شعراء الفصحى للرد على شعرهم الفصيح، وشعراء الشعبي للرد على شعرهم الشعبي، ونبهنا كتيبة الشعراء إلى التعالي عن تلك الألفاظ السوقية الهابطة، وأن تكون ردودنا متعلقة بما تم اتهامنا به، فكانت الردود راقية تليق بنا كمسيرة قرآنية، وكان لنا فعالية لعرض تلك الأشعار والردود، وبرزت أنا لستة من شعرائهم، كما برز غيري من الشعراء، ومنهم أحمد العجري ووفي العمري وأمين الحنظلي، وآخرون.
الفتاة الجميلة
وهل كان بروزك لهم في مجال الفصحى؟
نعم، فأنا لا أكتب إلا الفصحى، وسأقول هنا قولاً لن يعجب كثيراً من القراء، وهو أنني أرى في القصيدة الفصحى تلك الفتاة التي حباها الله بالجمال ولا تحتاج إلى أي مساحيق تجميل تحتاجها غيرها من الفتيات غير الجميلات لتعويض النقص. فهذا رأيي في القصيدة، ولا أفرضه على أحد. كما أن القصيدة الجزلة والقوية ليست بحاجة أصلاً إلى موسيقى لتنشد، فجمال القصيدة هو عندما تكون خالية من أي محسنات صوتية. كما أن من طبيعة الفصحى أنها لا تزومل، ولكن أرى في مصطفى المحضار أنه تفرد في عرض القصيدة بشكل يتوازى مع قيمتها، مستفيداً من حدة صوته. فلحن القصيدة ينقص من جمالها، وأؤيد ما يسير عليه المحضار الذي أخرج لي بصوته قصيدة بعنوان رمضانة.
هذه بضاعتي
لكن ألا ترى في ذلك ظلماً للقصيدة الشعبية؟
الفصحى تنشد، وقد تغنى، بينما العامية لها مسار الزامل. ولأنها شعبية فقد أتت بأكلها على أكمل وجه، وسلام الله على أمين الجوفي وعلى الباليستي بسام شانع وعباد أبو حاتم وأمين الحنظلي ووفي العمري وعماد العملسي، وعلى كل شعرائها الذين أبدعوا. فالقصيدة الشعبية تعتبر من الشعر، ولكن أدبياً فإن القصيدة الكاملة هي الفصحى، وأنا أحاول بقصيدتي أن تصل إلى ذلك المستوى، وينقدني كثيرون أنهم ليسوا جمهور قصائدي، وأنني أحاكي جمهوراً لا يفهمني، حتى إن رئيس قناة تليفزيونية، وقد طلب مني أن أعرض قصائدي في التوجيه المعنوي، قال لي: ألا يوجد غيرها ذات ألفاظ بسيطة، فقلت له: هذه بضاعتي، فقال: يصعب أن تجد لها جمهوراً إلا المثقفين، مضيفاً: لماذا لا تكتب كمعاذ الجنيد، فهو شاعر فصحى ويكتب في السهل الممتنع، بحيث يفهم قصيدته الجميع. لكنني نادراً ما أكتب السهل الممتنع، ولذا أفتقر إلى الجمهور، لكني لا أبحث عنه بل عن القصيدة الخالدة التي تبقى إن ذهبنا.
عيب ثقافي
هذا التوجه العام والمزاج العام نحو القصيدة الشعبية ألا يعتبر تراجعاً وعلى حساب الفصحى؟ وأين هو دور الجهات المعنية في إبقاء القصيدة الفصحى في الصدارة أو على الأقل جنباً إلى جنب مع الشعبية؟
الشعر الشعبي وفصيح السهل الممتنع، كشعر صديقي وزميلي معاذ الجنيد الذي أعتبره جبهة بحد ذاتها، أعتبر أن تذوق الجمهور لهما عيب في مستوى الثقافة، فالأصل الذي كان يجب أن يكون عليه الجمهور، وبالذات أهل اليمن، أنهم أكثر الشعوب فصاحة وجزالة لأنهم أصل العرب، لكننا نرى اللهجات واللكنات قد تدنت بمستوى اللسان اليمني فكان من ثمار ذلك تدن في اللفظ إلى مستوى العامية، وبالتالي هناك معضلة في مستوى ذلك اللسان، وأنا أريد أن أنتشل القارئ من مستوى ما تعود عليه واستحسنه من شعر شعبي ومن سهل ممتنع إلى الإبحار في شعر حسان والمتنبي وعبدالله البردوني وغيرهم. فالقصيدة الشعبية والزامل أعتبرهما نعمة وقتية آنية مرحلية، ومع ذلك نحن بأمس الحاجة إليهما في هذه المرحلة؛ إذ يفهمهما الجمهور ويخاطبان وجدانه ويدفعانه إلى فهم القضية وشرح زوايا وأبعاد وملابسات ما نحن فيه، وبالتالي لا ينتقصان ولا يلام فيهما جانب رسمي ولا غيره، بل ولو استطاعوا أن يُظهروا ما هو أكثر من ذلك، فعليهم أن يفعلوا. فالزوامل فعلاً صوبت رؤى وحددت مظلومية، وهي جبهة بكل معنى الكلمة أوجدت مستوى كبيراً من الوعي. وعندما أزور الجبهات، فإن أكثر ما يُطلب مني هو «إم بي 3» فيها زوامل. لكن إذا ما أتيت لتتحدث عنها أدبياً فأيهما أكثر ارتقاءً لأن يكون ضمن مؤلفات من سبقونا من كبار الشعراء؟ بالتأكيد لن يكون إلا للقصيدة الفصحى الجزلة، التي وإن افتقدت جمهورها حالياً فإن جمهورها هو اختزال السنين.
كلمة أخيرة من خلال صحيفة «لا»؟
إثراؤكم عظيم، وجهادكم لمسنا أثره، ولائيتكم سهم في نحور أعداء هذا الوطن. كتب الله أجركم، أنتم تقودون معركة عظيمة، وتعتبرون منبراً عظيماً لا يستهان به.
المصدر نشوان دماج / لا ميديا