«لا» 21 السياسي -
في خضم حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة قدم المرشح الديمقراطي حينها جوزيف بايدن خطاباً ضدياً لمعظم سياسات الرئيس الجمهوري وقتها دونالد ترامب، وتبادل الرجلان مختلف أنواع الاتهامات وأشكال الشتائم.
لم يكل بايدن ولم يمل من محاولاته في إظهار نفسه وديمقراطييه على نقيض المواقف التي اتخذها ترامب وجمهوريوه في الشأنين الداخلي والخارجي طوال أربع سنوات.
كما يفعل المرشحون غالباً سلك بايدن في سعيه للوصول إلى البيت الأبيض طريق اللعب على أخطاء الخصم وعلى طريقة ما ينصح به المثل الفرنسي القائل: البعض ينجح بذكائه والبعض الآخر ينجح بغباء الآخرين.
لا يعنينا هنا بالتحديد إتباع هكذا سذاجة في توصيف آليات الفوز والفشل في سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية غير أن ما يهمنا هو التأكيد على إعادة كشف وتكرار اكتشاف لعبة الديمقراطية الأمريكية، بكونها مجرد لعبة كراسي موسيقية على الأقل في بُعد تعاملاتها وتفاعلاتها مع قضايانا الوطنية والعربية والإسلامية.
نصف عام أو يزيد منذ أن وصل بايدن الديمقراطي إلى كرسي مكتب الرئاسة الأمريكية البيضاوي خلفاً للرئيس الجمهوري السابق ترامب حاملاً ذات مضامين الملفات التي كانت لدى سلفه وإن اختلفت ألوان أغلفتها وأشكال (بوكساتها) وأحرف عناوينها إعلاناً عن مغايرة ديمقراطية وتعبيراً عن معايرة حزبية.
بدأ بايدن رئاسته بما انتهى إليه خطاب ترشحه بشأن العدوان على اليمن وبخصوص العلاقات مع السعودية وولي عهدها معلناً التزامه بإنفاذ ما تضمنه ذلك الخطاب بدايةً من إيقاف الحرب على اليمن وليس نهايةً بمعاودة الحوار مع إيران مروراً بمعاقبة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لقاء تورطه المباشر في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
بمرور الوقت تجلت البراجماتية الأمريكية القذرة في نكوص بايدن عن الوفاء بأيٍ من وعوده وإن حاول ومايزال الظهور عكس ذلك فأعلن وقف دعم بلاده للسعودية في حربها على اليمن وإيقاف صادرات الأسلحة الهجومية للرياض والمستخدمة في اليمن، لكنه في المقابل أعلن التزامه بالدفاع عن السعودية واستمرار بلاده في تزويد الرياض بالأسلحة الدفاعية وهي الأسلحة التي يمكن استخدامها في تنفيذ العمليات الهجومية.
عين بايدن مبعوثاً أمريكيا خاصاً من أجل إيقاف الحرب على اليمن إلا أن مواقف مبعوثه الخاص هذا عبرت بجلاء عن تبني واشنطن الواضح للحرب على اليمن، وهي الحرب التي أُعلنت وهو -أي بايدن- يشغل منصب نائب الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، وهي أيضاً الحرب التي استمرت وازدادت توحشا بدعم مباشر ورعاية متواصلة من قبل سلفه الجمهوري ترامب، وهي الحرب ذاتها التي يرعاها حتى الآن بايدن نفسه.
أمر بايدن بعرض تفاصيل تقرير مخابراته بشأن تورط محمد بن سلمان في اغتيال خاشقجي على الكونجرس، وهو التقرير الذي أدخله ترامب درج مكتبه ومنع الكشف عن محتواه كما وامتنع بايدن حتى اللحظة من مخاطبة بن سلمان مباشرة، لكنه لم يف بالعهد الذي قطعه بجعل السعودية دولة منبوذة وبمعاقبة بن سلمان الذي قابل ذلك بأن أرسل أخاه خالد إلى واشنطن مؤخراً ليلتقي بأهم رجالات بايدن محملاً إياهم تحيات شقيقه محمد إلى بايدن.
يتفق الكثيرون على أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كان هو الأصدق تعبيراً عن حقيقة السياسة الأمريكية الإجرامية الإمبريالية المتعجرفة، وبمغادرته عاود الخداع الأمريكي أنشطته الشيطانية المراوغة والخبيثة.. كل ما حدث هو أن واشنطن خبأت وجه «المغضوب عليهم» القبيح من جديد بمغادرة الجمهوري ترامب، وغطت بشاعتها في المقابل بأن وضعت الديمقراطي بايدن قناع «الضالين».