إعداد: رامي ناجي / لا ميديا -
 ما هي سيكادا؟
 ولماذا تجند العباقرة؟
 وأين يختفون بعد تجنيدهم؟
رغم اتساع فضاء الإنترنت، وغموض هذا الحيز الافتراضي، فإن أغلبنا يعرف أن هناك مكاناً أكثر غموضاً يسمى "الشبكة العميقة" أو ما تعرف بـ"الإنترنت المظلم" (Deep web)، وهي الطبقة الأعمق من الإنترنت والتي تُستعمل في النشاطات الإجرامية والمحرمة والغامضة.
فمن خلال هذه الشبكة يمكنك شراء أسلحة أو مخدرات أو أعضاء بشرية أو حتى العبيد! ويمكنك أيضاً أن تجد ألعاباً غامضة تقشعر لها الأبدان وألغازاً قد تؤرق نومك لسنوات، ومنها هذا اللغز الذي استمر 9 سنوات، وصنفتهُ صحيفة "واشنطن بوست" كواحد من أكثر أسرار عصر الإنترنت غموضاً ورعباً.

ما هي سيكادا؟
بدأ اللغز في 4 يناير 2012 على موقع التواصل (4chan) المفضل لدى مجموعات الناشطين ومجتمع ثقافات الإنترنت الفرعية بصورة مجهولة المصدر ورسالة تقول:
"مرحبا، نحن نبحث عن أفراد ذوي ذكاء مرتفع، ولنجدهم فقد صنعنا اختباراً. هناك رسالة مخبأة في هذه الصورة، ابحث عنها وسوف تقودك على الطريق كي تجدنا. نحن متشوقون لمقابلة العدد القليل الذي يستطيع أن يكمل الطريق حتى آخره… حظا طيبا" (توقيع: 3301).
ظن الكثيرون أن الأمر مزحة وتابعوا التصفح، لكن هناك مجموعة قبلت التحدي بغاية معرفة صاحب اللغز. وبالفعل! مع تغيير إضاءة الصورة ظهرت صورة سفلية لفراشة الحصاد المسماة "سيكادا" (Cicada) مكونة من أرقام ورموز قادت إلى اللغز التالي.

تتابع الألغاز
تتابعت الألغاز، كل منها يقود للتالي، ومع كل لغز تم حله تصاعدت صعوبة الاختبارات وتفرعت المجالات المطلوبة لحلها لأبعد بكثير من مهارات الإنترنت وعلوم الكمبيوتر، ومنها الأدب والفنون والعلوم المختلفة وكتاب الموتى المسمى (Agrippa) وهو قصيدة طويلة من تأليف وليام جيبسون، تم نشره عام 1992 على قرص مرن (floppy disk) يمسح نفسه بعد أن يُقرأ مرة واحدة!
كما يجب على من يريد حل هذه الأحاجي أن يعرف الكثير عن الأفكار الغريبة كـ"الموت الكلي للذات" وهو التخلص الكامل من الفردية، و"الوعي الجمعي"، وهو الاعتقاد بأن جميع البشر متصلون بكيان أكبر وفلسفة كارل يونغ وفريدريك نيتشه وجريجوري راسبوتين والفلسفة البوذية.
كما أن هناك تركيزاً على الأرقام الأولية (prime numbers)، لكن التركيز الأساسي كان على أمن البيانات، والتشفير، وإخفاء المعلومات.

تشعب المنظمة
التالي هو ما وضح مدى ضخامة المؤسسة صانعة اللغز وتشعبها على مستوى العالم، فآخر لغز من هذه السلسلة وصل إلى رقم هاتف في تكساس في الولايات المتحدة وعند الاتصال به تم إعطاء لغز من الأرقام الأولية مخبأ في الصورة الأولى، وعند حل هذا اللغز تم الكشف عن موقع إنترنت عليه عد تنازلي انتهى الساعة الخامسة مساءً في 9 يناير بظهور خريطة محدد عليها 14 مكاناً في مدن مختلفة، منها: وارسو، باريس، سياتل، سول، نيو أورلينز، سيدني، ميامي، أريزونا، كاليفورنيا، هاواي.

مواقع اللافتات الورقية من لغز 2012
وعند الوصول لهذه النقاط على أرض الواقع وجد المتسابقون بوسترات تحمل صورة الفراشة الأصلية ورمز الاستجابة السريع "باركود" يفتح موقعاً على الشبكة العميقة ويغلق نفسه بعد وصول عدد معين من المتسابقين ويحمل رسالة تقول:
"نريد الأفضل وليس التابعين".

ما بعد الفوز
بعد ذلك تم إرسال رسائل بريد إلكتروني للفائزين هي آخر ما نعرف عنهم وبها ما يشبه اختباراً للشخصية، وبالطبع بعد ذلك أصبح التواصل مع الفائزين سرياً تماماً لذا فنحن لا نعرف من فاز وماذا حدث لهم، ولماذا تم تجنيدهم!
قبل أن نكمل يجب أن تلاحظ أن ما نعرفه حتى الآن لم يأتِ من الفائزين المجهولين؛ فهؤلاء اختفوا من مجتمع الإنترنت تماما بعد ذلك، بل من مصدرين:
أولاً: مجموعات تشكلت لاحقاً حول اللغز وساعد أعضاؤها بعضهم البعض -كلاً في مجاله- لحل الألغاز والتوصل للمراحل التالية بدافع الرغبة في كشف الغموض لا أكثر.
ثانياً: أولئك الذين وصلوا للمرحلة الأخيرة بعد الاكتفاء من العدد المطلوب واختفاء الموقع نهائياً؛ وبالأخص مبرمج سويدي الجنسية يسمى «جول أريكسون» ويقول عن ذلك:
"بناء على كل ما نعرفه عنها يغلب الظن أنها منظمة ضخمة من النشطاء مثل "أنونيموس" (Anonymous)، واللغز هو طريقتهم في تجنيد الأعضاء". كذلك أشار إلى أن المواقع التي اختاروها هي أماكن تجمع قراصنة الإنترنت وخبراء التكنولوجيا.

كيف تعرف المنظمة نفسها؟
صحيفة "الجارديان" كانت قد نشرت بريداً إلكترونياً يُزعم أنه مسرب من أحد الفائزين يقول:
"تساءلتم جميعاً من نحن، والآن سنقول لكم: نحن مجموعة عالمية بلا اسم ولا شعار ولا قائمة عضوية، وليس لدينا موقع رسمي على الإنترنت، ولا نعلن عن أنفسنا، بل نحن مجموعة أفراد أثبتنا كفاءتنا مثلكم ولدينا معتقدات مشتركة، والقراءة العميقة للنص التالي ستكشف عن بعض هذه المعتقدات: إن الطغيان والظلم بأي شكل يجب أن ينتهي، الرقابة فعل خاطئ، والخصوصية حق أصيل".
 نحن لسنا مجموعة قراصنة ولا نشارك في أي نشاط غير قانوني، وإذا كنت تشارك في نشاط غير قانوني نطلب منك التوقف عنه فوراً أو رفض العضوية، ولن نطرح أسئلة عن ذلك، لكن إذا كنت تكذب علينا فسوف نكتشف.
 أنت تتساءل ما هو نشاطنا؟ نحن نعد مركزاً فكرياً، وتركيزنا الأساسي هو البحث وتطوير التقنيات لمساعدة الأفكار التي ندعو إليها، الأمن والخصوصية والحرية، وقد سمعت بلا شك عن عدد من مشاريعنا السابقة، فإذا اخترت قبول العضوية، فنحن سعداء بوجودك على متن السفينة للمساعدة في المشاريع المستقبلية.
 يرجى الرد على هذه الرسالة الإلكترونية مع الإجابة على الأسئلة القليلة التالية للمتابعة:
- هل تعتقد أن كل إنسان له الحق في الخصوصية وعدم الكشف عن هويته، وهل من ضمن حقوقه استخدام الأدوات التي تساعد في الحصول على الخصوصية من التشفير وبرمجيات الإخفاء... الخ؟
- هل تعتقد أن المعلومات يجب أن تكون مجانية؟
- هل تعتقد أن الرقابة تضر بالإنسانية؟".

الموجة الثانية
بعد اختبارات عام 2012 اختفت سيكادا تماماً لمدة عام كامل. وفي يناير 2013 ظهرت رسالة تجنيد أخرى بصورة جديدة وشيفرة جديدة؛ لكن الفائزين بهذه الدورة من الاختبارات انتظروا لمدة عام كامل قبل الاتصال بهم! ثم وصلتهم رسالة تقول: "أهلا، الفهم أمامكم وحجكم قد بدأ، التنوير في انتظاركم".

لغة غامضة وكتاب مقدس!
بعض هؤلاء الفائزين وصلهم ملف مشفر يحتوي على أبجدية لغة غريبة تسمى "جامتيريا بريموس" (Gematria Primus) وكتاب مشفر بها يسمى "ليبرا بريموس" (Liber Primus) ومعناه “الكتاب الحر الأول” غير معروف مصدرهُ أو مؤلفهُ، ولمدة عام بعد ذلك عمل الجميع على حل شيفرة الكتاب، ولكن حتى الآن لم يترجم الكتاب المكون من 60 صفحة بالكامل؛ لأن أغلب الذين ترجموا أجزاء منه أصابهم الإحباط، لإحساسهم أن النهاية مفتوحة، وهناك رسائل مخبأة لا يستطيعون حلها.

الموجة الثالثة والأخيرة
حسبما نعرف لم تظهر رسائل تجنيد جديدة حتى يناير 2016: "الطريق خالٍ، والتنوير يبحث عن المتحمسين. ليبرا بريموس هو الطريق، وكلماته هي الخريطة، وأرقامها هي التوجيهات.. ابحث وسوف تجد".

من هم؟!
هناك الكثير من التكهنات حول ماهية سيكادا، منها: أنها أداة توظيف لوكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) أو المخابرات الأمريكية (CIA) والمخابرات البريطانية (MI6) أو أنها مؤامرة ماسونية، أو مجموعة من مرتزقة الإنترنت... وقد زعم آخرون أن (Cicada 3301) هي لعبة من نوع الواقع البديل، ولكن في هذه الحالة لماذا لم تظهر منظمة أو فرد ينسبها لنفسه كي يتكسب منها؟!
وفي النهاية نتساءل: ما المنظمة القادرة على زرع الألغاز في أرض الواقع في 32 مدينة في 5 قارات حول العالم؟! وأين ذهب الفائزون من عام 2012 وعام 2013 بعدما فقد الاتصال بهم؟! وما هذا الكتاب الغامض؟! ومتى سنعرف معنى هذا الرمز واللغز؟!