خاص / علي عطروس / لا ميديا -
الثاني عشر من شهر ربيعٍ الأول من العام 1443هـ، كان حقاً يوم ولادةٍ ثانياً، وحقيقةً نهار ميلادٍ آخر احتشد له وفيه أحفاد الأنصار بالملايين الحقيقية -لا الفوتوشوبية- في أكثر من 17 ساحة في 14 محافظةٍ من جغرافيا السيادة الوطنية احتفالا بذكرى مولد خير الورى سيد المرسلين والأولين والآخرين النبي الخاتم والرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
هو الحشد الأكبر والأكثر والأعظم والأفخم في تاريخ الاحتفال بذكرى المولد النبوي وبدون تمادٍ وبلا غلوٍ وبغير مبالغة، هو الاحتفاء المختلف عن احتفاء المليار ونصف المليار مسلم في العالم، والمؤتلف من جهة أخرى مع صدق صاحب المناسبة عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم، ومع صدقية الداعي إليها سيد الثورة السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، ومع مصداقية المحتفين بالمناسبة والمحتفلين بالذكرى.

الخطاب الفصل والأصل
في الثالثة والنصف من عصر يوم المولد النبوي الشريف أطل السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي من نافذة النور المحمدي ضوءاً لا يغيب وضياءً لا ينطفئ ليشرق خطابه في قلوب أحفاد الأنصار حديثاً منسكباً مطراً وعطراً تُزهر من ربيعه تلك القلوب غيث عطاشٍ وغواث حيارى وتخضر أفئدة الناس إيماناً يمانياً لا يموت وإن ذبل وحكمةً يمانية لا تأفل وإن توارت لبعض الدهر خلف أضغاث الظنون.
خلال 45 دقيقة تقريباً وضع السيد المسلمين عامةً واليمنيين خاصةً أمام سيرورة المسار النبوي الحق وصيرورة المصير الرسالي الحقيقي في بلاغةٍ معهودةٍ ومشهودةٍ ومحمودةٍ غير محدودة وتبليغٍ مُتعدٍ ومتعددٍ ومعادٍ إنما غير عاد. نازعاً أي اعتوارٍ في أفهام الناس عن السيرة النبوية أو عن صاحبها النبي الكريم والرسول العظيم محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، قاطعاً بيقين آيات القرآن الكريم شكوك متقطعي متون التفسير وظنون متنطعي هوامش السِّير. مؤكداً في ختام خطابه الفصل مواقفه كقائد تجاه حاضر العدوان على الشعب والتآمر على الأمة، مجدداً الثبات على تلك المواقف المتعلقة بالوقوف مع مظلومية الشعب الفلسطيني والارتباط بجماعية الرد على أي اعتداء صهيوني على المقدسات والاستمرار القائم الدائم في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن والانتصار بدايةً ونهايةً أو الشهادة.


براءة إبراهيم وأبدية الصراع مع اليهود
نشر معهد إمباكت سي الإسرائيلي دراسة حول المناهج الدراسية في السعودية أكدت إلغاء أجزاء كبيرة منها وتغيير أجزاء أخرى للتخلص من "أفكار معادية لليهود".
وهو ما تراه الدراسة أنه تحول تاريخي ملحوظ في توجهات المملكة نحو التطبيع الشامل مع كيان الاحتلال الصهيوني.
وأوردت الدراسة التي نشرتها صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن الرياض ومنذ بداية العام الماضي جهرت بالتطبيع الفعلي مع تل أبيب وذلك على مستوى المناهج المدرسية.
وبحسب الدراسة فقد تم حذف وحدة الكتب المدرسية عن الجهاد من المناهج الدراسية.
ولفت التقرير إلى أن المنهج السعودي يسلط الضوء على التعايش السلمي بين المسلمين واليهود.
في سياق حديثه عن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ذكر السيد عبدالملك الحوثي في خطابه بمناسبة المولد النبوي حادثة الإسراء والمعراج مستدلاً بآيات الله سبحانه وتعالى في بداية سورة الإسراء عن فساد بني إسرائيل الأول والأخير ومآلات خسرانهم، مجدداً الحديث عن مركزية الجهاد في الدين الإسلامي وخطورة الانسياق وراء مخططات اليهود وأذنابهم وما ذكرناه أعلاه من إلغاء آيات الجهاد من المناهج السعودية إحدى نتائج تلك المخططات الشيطانية، وليس مقتصراً على مناهج التدريس السعودية، بل يشمل عدداً آخر من دول الانبطاح الإعرابية خصوصاً الدويلات الموقعة على الاستسلام للصهاينة في ما يعرف بالاتفاق الإبراهيمي أو اتفاق إبراهام، وهي التسمية الخبيثة التي حذر منها السيد مبرئاً سيدنا إبراهيم عليه السلام من نسب هكذا هطلٍ إليه.

أولو قوة وأولو بأس.. الأرق قلوباً والألين أفئدة
بين مشهديات الاحتفال اليماني الأرق والأصدق والألين والأحسن بذكرى المولد النبوي الشريف، وبين مشاهد البأس اليمني في جبهات العزة والكرامة والصمود والانتصار والإعجاز والمعجزات، يُزال أي التباس في الفهم بين دلالات آيات القوة والبأس وبين معاني أحاديث الرقة واللين.

لكم البيضاء..
جميع ساحات محافظات جغرافيا السيادة الوطنية اخضرت وأبدعت وأبهرت في فعالياتها الاحتفالية بذكرى المولد النبوي الشريف، غير أن ما لفت انتباهي وربما آخرين هو الاحتفاء المميز والمغاير والاستثنائي في ساحات محافظات تعز والبيضاء والجوف والحديدة وشبوة، وهي الساحات التي كان العدوان ومرتزقته يراهنون على فشلها في التحشيد والحشد والاحتفال، بل كانوا يرهنون مصيرها ببعض ظنونهم الخيانية الآثمة. ونقول لكل أهالينا في تلك الساحات وغيرها: لكم البيضاء.

ابتهال الليث نشوااان عند الفجر
شهدت فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في فعالياتها المركزية واللامركزية إبداعاً مميزاً ومتميزاً ومتمايزاً للغاية وفي شتى مجالات الإبداع، المسرحية أو الشعرية أو التشكيلية وغيرها. وفي الشعر ظهرت زوامل جديدة وجميلة تليق بهكذا مناسبة عظيمة، غير أن زامل المجاهد عيسى الليث "ابتهال الفجر" الذي كتب كلماته المجاهد نشوان الغولي، قد شد أوتار شغفي وأرخى على لهفتي جداول كلاميةً وصوتيةً ولحنية. وتقول كلمات الزامل:
يا سيد السادات أنت المبتدا وانت الخبر
وانت الجُمل وانت الحروف الناطقة والشاهدة
يا منتهى الإبداع في لوح المشيئة والقدر
واجمل وصوف الخلق ربي في صفاتك جسّده
أنت ابتهال الفجر يا طه وتسبيح السحر
والحمد في كل القلوب العابدة والحامدة
وانت الرضا والفضل كله في موايد من شكر
والجنة الأولى لميلاد العقول الراشدة
صلى عليك الله ما البركان في الجو استعر
والبدر والزلزال يرعد في مدانا راعده
صلى عليك الله ما دك المجنزر والهمر
رجال ربي في ميادين الحروب الواقدة
صلى جريح الحرب وامال الأسير المنتظر
والطفل والثكلى وآهات القلوب الواجدة
عاد ابرهة والفيل واصحاب المشالح والغتر
عادت فلول الجهل واصحاب النفوس الحاقدة
قلنا رسول الله قالوا ما ورد فيها أثر
صلى وسلم والنبي والآل فيها زايدة
قلنا رسول الله قالوا دق ناقوس الخطر
كل البدع في مذهبك يا رافضي متواجدة
قلنا رسول الله قالوا يا مجوسي ما سبر
ما بانعظّم شخص لو ينزل علينا المايدة
قلنا رسول الله قاموا فوقنا بحراً وبر
والجو طيارات ها يا وارد الما وارده
ما يشتوا الحوثي ولا هم حول حزب المؤتمر
ولا هدفهم شرعية مسعد ودولة مسعدة
عدوهم طه النبي واقولها بالمختصر
لا فرق بين اليهودة يا اصحابنا والسعودة
لبيك يا طه النبي رغم التحالف ذي كفر
لو يحشدوا ضد اليمن كل الجيوش الحاشدة
لبيك يا طه النبي وقت العشية والبكر
لبيك يا طه النبي في الشاردة والواردة


لا منّ في يمن البذل.. ولا انتظار للعطاء
ليس غريباً على اليمنيين أن يشهدوا هكذا مواطن فخرٍ وعزٍ وبذلٍ وعطاءٍ وأن يُشهدوا الله ورسوله وآل بيته نقاءهم وطهرهم ويقينهم وصدقهم.. وفي مناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف هذا العام قدم اليمنيون ما استطاعوا لذلك سبيلاً برغم الظروف القاسية التي يعيشونها ويعايشونها منذ سبع سنوات من العدوان والحصار وإيقاف الرواتب وارتفاع الأسعار..
وفي ختام هذه العجالة عن بعض المشاهدات المتواضعة لهذا الحدث العظيم، أختم بهذه الطرفة، إذ يُحكى أن وفداً من كبار رجال الدين العراقيين كانوا في زيارة للمغرب للوعظ والتدريس، فلما أنهوا مهمتهم أقام لهم الملك الحسن الثاني مأدبة عشاء تكريماً لهم حضرها بنفسه وتولى فيها إهداء كل عضو من أعضاء الوفد العراقي ساعة يد ثمينة، إلا رئيس الوفد فقد آنس الملك فيه مهابةً ووقاراً فأهداه بدلاً من الساعة مصحفاً شريفاً.
فلما انتهت مراسيم تسليم الهدايا وقف الشيخِ رئيس الوفد خطيباً يشكر الملك على حسن ضيافته للوفد وجزيل كرمه، ثم طفق يقول: ولقد فتحت كتاب الله الذي أهدانيه جلالة الملك فوجدت مكتوباً فيه أن الساعة آتية لا ريب فيها!
هنالك انفجر الملك ضاحكاً حتى كاد أن يستلقي على ظهره وخلع ساعته الملكية من معصمه فأهداها للشيخ.