عن ذكرى يونيو.. وفي نسيان حزيران
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
عند كل شهر حزيران/ يونيو تجتاحني موجتان متقابلتان متعاكستان، تتحمل الأولى مشاعر الموت المترددة، وتحمل الأخرى أحاسيس الولادة المتجددة.
وبين محاولة النسيان وتجربة الذكرى يحتدم الحبر عذباً فراتاً وملحاً أجاجاً، وبينهما أنا وحزيران ولا يلتقيان.
حزيران، حيث تحل الذكرى الـ55 لنكبة 1967 التي هزم فيها الكيان الصهيوني ثلاثة جيوش عربية خلال ست ساعات لا ستة أيام واحتل كامل فلسطين وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان.
ليست نكسة أبداً، وإنما نكبة ثانية بعد الأولى 1948.
نكبة مضاعفة ولدت وأنتجت بدورها نكبات أخرى توالت تباعاً في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة والكوشنريات القذرة من المحيط إلى الخليج.
كان العرب -بعضهم- قبل النكبة الثانية يمنّون النفس باستعادة فلسطين العام 1948، فإذ بهم في العام 1967 يتكبدون خسارة كل فلسطين التاريخية وأجزاء من وطنهم العربي في سورية والأردن ومصر، وهاهم في حزيران اليوم يستأذنون «تل أبيب» في حلهم بها وترحالهم إليها.
ولأحفاد حزيران الهزيمة وتيران الذل نذكرهم بآبائهم:
في وثيقة رقمها (342) لمجلس الوزراء السعودي في 27 كانون الأول/ ديسمبر 1966 رسالة من الملك فيصل يخاطب الرئيس الأمريكي ليندون جونسون:
«يتبين لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً، وأن هذا العدو إن ترك يحرّض ويدعم الأعداء عسكرياً وإعلامياً فلن يأتي عام 1970 -كما قال الخبير في إدارتكم السيد كيرميت روزفلت- وعرشنا ومصالحنا في الوجود. لذلك فإنني أبارك ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا أن اقترحوه، لأتقدم بالاقتراحات التالية:
ـ أن تقوم أمريكا بدعم «إسرائيل» بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر لتضطرها بذلك لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط بل لإشغال مصر بـ»إسرائيل» عنا مدة طويلة لن يرفع بعدها أي مصري رأسه خلف القناة ليحاول إعادة مطامع محمد علي وعبد الناصر في وحدة عربية، بذلك نعطي لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية أجساد المبادئ الهدامة، لا في مملكتنا فحسب، بل في البلاد العربية ومن ثم بعدها.
ـ سورية هي الثانية لا يجب ألا تسلم من هذا الهجوم مع اقتطاع جزء من أراضيها كيلا تتفرغ هي الأخرى فتندفع لسد الفراغ بعد سقوط مصر.
ـ لا بدّ أيضاً من الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة كيلا يبقى للفلسطينيين أي مجال للتحرك، وحتى لا تستغلهم أية دولة عربية بحجة تحرير فلسطين، وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة، كما يسهل توطين الباقي في الدول العربية.
ـ نرى ضرورة تقوية الملا مصطفى البارزاني شمال العراق بغرض إقامة حكومة كردية مهمتها إشغال أي حكم في بغداد يريد أن ينادي بالوحدة العربية شمال مملكتنا في أرض العراق، سواء في الحاضر أو المستقبل، علماً بأننا بدأنا منذ العام الماضي (1965) بإمداد البارزاني بالمال والسلاح من داخل العراق أو عن طريق تركيا وإيران.
يا فخامة الرئيس!
إنكم ونحن، متضامنين جميعاً، سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها دوام البقاء أو عدمه».
* إنه حزيران الأربعين على استشهاد 29506 أشخاص كانوا بعض ضحايا الحرب الصهيونية على لبنان العام 1982 المعروفة باسم «الاجتياح»، وهي الحرب التي في أحدث جولاتها اليوم يسرق الصهاينة ثروات اللبنانيين البحرية، وهي أيضاً الحرب الأولى والوحيدة التي انهزمت فيها «إسرائيل» وانتصرت فيها المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي يصادف حزيرانها هذا العام ذكرى تأسيسها الأربعين في منتدى فندق استقلال في طهران، الذي شهد بداية قرار انتشار مقاومة إسلامية لمواجهة الغزو الصهيوني للبنان والدفاع عن لبنان وعن فلسطين، وهو القرار الذي اتخذه مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام آية الله روح الله الخميني، والذي بالمناسبة قد توفي في حزيران/ يونيو 1989، وهو الشهر نفسه من العام 1965 حينما اعتقله الشاه ونفاه خارج إيران.
إيران في حزيران اليوم هذا تعلن زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي في مفاعلاتها النووية رداً على النكث الأمريكي الأوروبي المتجدد لاتفاقهما وعلى ما يقوم به الكيان الصهيوني من عمليات تحشيد وإرهاب ضدها تذكرنا بعمليته في قصف المفاعل النووي العراقي في حزيران/ يونيو 1980.
إنه حزيران/ يونيو 1916 حين أعلن الشريف حسين ما سميت «الثورة العربية» ضد الأتراك متحالفاً مع الإنجليز الذين اتخذوه مطيةً لطرد خصومهم العثمانيين والحلول مكانهم في احتلال الأرض العربية ليقطعوا له منها جزءاً يسيراً سموه الأردن كمكافأة له وضموا إلى حكم ابنه عبدالله الضفة الغربية في حزيران/ يونيو 1949.
حزيران/ يونيو 2011 وبالتحديد اليوم الرابع منه وفي ذروة أحداث ثورة شباط/ فبراير وعقب مواجهات «الحصبة» الدامية يتم تفجير جامع النهدين بالرئاسة في صنعاء، في حدثٍ حرف مسار الثورة السلمي إلى اتجاهٍ مغايرٍ تماماً أفضى بالنتيجة إلى تموضع نظام الوصاية مجدداً عبر المبادرة الخليجية.
بعدها بيومين لا غير تعرضتُ شخصياً لحادث مروع أسفر عنه بقائي بضع سنواتٍ لاحقة ممداً في كف رحمة الله الواسعة وممتداً على ملايات أسرّة ملائكة الرحمة البيضاء.
المصدر «لا» 21 السياسي