أخرجت فيلما عن فلسطين وشاركت كمساعد مخرج في فيلم آخر

حاورته: بشرى الغيلي / لا ميديا -
مع عدسته الاحترافية تجوب اليمن شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، تغتسل روحك في شواطئها الدافئة، وتقطف بعينيك العنب والرمان من حقولها السندسية، وتلامس بقلبك غمام القرى البهية، وتحتسي قهوتك من كؤوس مزارع البُن وأنت تتأمله بين أنامل القاطفات، وتمرح مع الرعيان والراعيات، إنه باختصار ذاكرة اليمن المرئية ينتمي لجيل الأوائل الأفذاذ، وثق الكثير من اللحظات بعدسته، عاصر حقبا مختلفة، إنه المصور المحترف عبدالرحمن الغابري الذي يقول لـ«لا»: «طفت كل مناطق العالم لم أجد أجمل ولا أروع من بلادي اليمن»، يعكف حاليا على أرشفة أعماله التي قال إنه بدأ الأرشفة منذُ 12 عاما ولكن بشكل متقطع وبطيء حتى لحقت الأضرار بمكتبه ومنزله من قنبلة عطان المشؤومة. الكثير من المعلومات الجميلة عن المصور الاحترافي والموسوعة متعددة المواهب ضمن اللقاء التالي:

درست الإعلام ثم الإخراج السينمائي
منذ أكثر من أربعين عاما وأنتم تبحرون في عالم التصوير الفوتوغرافـي على مستوى الجغرافيا اليمنية... القارئ فـي «لا» يتوق لمعرفة جوانب من سيرتكم التي رافقتها البدايات؟
الحقيقة أنني بدأت أعمل في الفوتوغراف منذ عام 1968 وأنا مازلت فتى وطالبا، ولم تكن بداية استفتاء بالتصوير من 40 عاما وكنت من حينها ربما بعد رائد التصوير الفوتوغرافي أحمد عمر العبسي أول من خرج ميدانيا رغم صعوبة المواصلات لكني في فترة السبعينيات وما تلاها استطعت أن أجوب مجمل المناطق في كل اليمن شمالا وجنوبا، رغم تباين الأنظمة الشمولية في الشطرين.
وأما عن سيرتي الذاتية فأنا من مواليد 1956م في محمية عتمة انتقلت إلى صنعاء بعد ثورة 26 سبتمبر، وتدرجت في التعليم، وأنا موظف، درست الإعلام ثم الإخراج السينمائي التسجيلي وتخرجت بامتياز، وأخذت دورات في الفوتوغراف وأقمت إلى الآن حوالي 80 معرضا في الداخل والخارج، هذا باختصار شديد.

أعمالي تتعرض للسرقة
ليست فقط الكاميرا هي التي أخذت اهتمامكم أستاذ عبدالرحمن، فبعد أن عرفك جمهورك كفوتوغرافي محترف من عام 1968، عرفك أيضا كمخرج سينمائي، ما هي أبرز الأفلام السينمائية التي قمت بإخراجها؟
أخرجت فيلما عن فلسطين وشاركت كمساعد مخرج في فيلم آخر وصورت وأخرجت فيلما عن الفلكلور والتراث اليمني أساسه المدرجات الزراعية بما تحمله من أنغام مساعدة للعمل وتنشيط من يقوم به، هذا كان عام 1986م ولم أعرضه ولاتزال مادته معي خوفا من سرقة محتواه لأن الفنان معرّض لكشف أعماله ونسبتها لغيره، فلا قوانين تحترم في بلادنا، وحتى أعمالي الفوتوغرافية تتعرض للسرقة ونسبتها لغيري حتى الآن.

أهمها التحاقي بالتوجيه المعنوي
 لا شك أن المبدع في أي مجالٍ كان يمر بمراحل التجربة التي تواجهها الكثير من المحطات أو العقبات بمعنى أدق.. ما هي المحطة التي كانت منها الانطلاقة الأكبر؟
أهم محطة بالنسبة لي هي التحاقي بالتوجيه المعنوي، فقد كانت البداية الأهم في استفتاء بالفوتوغراف، صحيح أنني لاقيت عقبات نتيجة تخويف الناس من التصوير لكنني جابهتها ونجحت.

أمارس العزف في بيتي
 تحدث عنك بعض زملائك أنك كنت عازفا بارعا على الجيتار فـي وزارة الثقافة قبل أن يعرفوك مصورا محترفا، هل مازلت تهتم بهذا الجانب؟
نعم مازلت أمارس العزف والتلحين على العود والجيتار، لكن في منزلي فقد تقهقرت الفنون وحوربت من قبل التيارات الإسلامية السياسية التي دمرت كل شيء ومسخت هويتنا كبلد يمتلك ثراء ثقافيا ضخما، وها هم الغير يسرقون تراثنا الغنائي وينسبونه لبلدانهم، ولا اعتراض من قبل المعنيين في بلادنا على هذا التطاول، أهم ما يمكن أن يقوموا به هو محاربة المواهب في بلادنا، لذلك أنا أمارس فني في بيتي رغم مشاغل الحياة وصعوبة الظروف التي تحيط بنا اليوم.

لقطات إنسانية معبرة
 المتابع لصفحتكم الشخصية على «فيسبوك» يجد عوالم، ومدنا، وبورتريهات، وشخصيات من حقبٍ مختلفة عاصرتها، ما هي اللقطة التوثيقية الأهم بالنسبة لكم، أو ممكن نطلق عليها «حديث صورة» ماتزال عالقة بذهن الفوتوغرافي المحترف؟
دونت كل شيء في اليمن من أقصاه إلى أقصاه مرات عدة ومازلت رغم صعوبة الحركة، بورتريهات، وطبيعة، وشخصيات سياسية، وفنية، واجتماعية، واقتصادية، والأكثر هي صور الأطفال والمرأة منذ عقود طويلة، لا شيء يعتقد الآخرون أنه ليس موجودا في أرشيفي، وهناك لقطات لأشخاص من كل الفئات، أعتز بها، أهم اللقطات الأكثر تأثيرا علي هي لقطات إنسانية معبرة وذات حميمية وهي كثيرة، وأهمها لقطات لأمي في الحقل منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.

التصوير الفوتوغرافي أخذ الحيز الأكبر
 يذكر البعض أيضا من متابعيك أن لك تجربة في فن الإنشاد، والعزف على العود، وتلحين الأغاني، مما يجعلنا نقفُ أمام موسوعة كبيرة تضم بين متونها الكثير. ما هي التجربة الأقرب لكم بعد التصوير من كل ما ذكر؟
أنا أغني منذ الصغر لكني درست الموسيقي والعزف على العود حين كنت طالبا أدرس الإعلام في دمشق منذ عام 1970، درستها في معهد خاص على نفقتي، ثم درست الجيتار في معهد الموسيقى التابع لوزارة الإعلام والثقافة مطلع ثمانينيات القرن الماضي وتخرجت منه وغنيت فرديا وجماعيا، لكن كما أسلفت سابقا فقد حورب هذا المعهد وانتهى وانتهت الفرق الموسيقية، وكما تحدثت في السؤال السابق أنا أمارس كل ذلك في بيتي حين أجد وقتا يساعدني على تهدئة الأعصاب، كل اشتغالاتي في الفنون أحبها. لكن التصوير الفوتوغرافي أخذ الحيز الأكبر من اهتماماتي لأنه الأهم في تدوين مفاتن بلادي التي تتعرض للطمس بمباركة سلطات اليمن المتعاقبة، إننا نخسر بلدا عظيما كاليمن الزاهر بكل شيء عظيم، ثقافة، وتاريخ، وهوية تتحطم والسلطات المتعاقبة تبارك وتتفرج. إذن التصوير الفوتوغرافي والمتحرك على أيادي احترافيين أذكياء هو ما سيحافظ ويحتفظ بموروثنا وهويتنا العظيمة مهما تعرض بلدنا للنهب والتقسيم والمؤامرات.

أبنائي تشربوا الفن منذ الصغر
 أبناؤك أيضاً يمتازون بهذه الصفة: التصوير الاحترافي، وتنشر لهم بين الفينة والأخرى على صفحتك الشخصية صورا مذيلة بتوقيعاتهم.. هل هم من اختاروا هذا المجال عن رغبة فيه ليواصلوا مسيرة والدهم، أم أنت من شجعهم على ذلك؟
أبنائي كانوا منذ الصغر يسافرون معي إلى كل منطقة، وقد تشربوا الفن من حينها ولم أكن أحسب أنهم سيحترفون الفوتوغراف والسينما، إلا حين التحقوا بالجامعة وتخصصوا آرتيست ونمت مواهبهم بجانب تقنياتهم الحديثة فأصبحوا بارعين جدا بكل معنى البراعة، وقد اختاروا هذا المجال عن رغبتهم وليس فرضا مني، وأولادي أصدقاء وبيننا تعامل ديمقراطي وهذا ما أعتز به لذلك طلعوا ناجحين، البنات أريج وشذى، الأولى علم نفس، والثانية زراعية، لكنهما احترفتا التصوير والإخراج، زرياب وأمين هما اللذان تخصصا «آرتيست». فرض رغباتك على طفلك قد يحبطه، دعه يختر ما يرغب به لكن في مجالات العلم والمعرفة وليس التطرف يمينا أو يسارا، فقط أحذرهم من ذلك وأناقشهم بكل ود كصديق وليس كأب، فالأبوة راسخة بعقولهم، لكنها أبوة بمعناها العصري وهو احترام الأب كصاحب تجربة، وصديق ديمقراطي، وهنا الحنان يكمن بين الأب وأولاده.

منذ 12 عاما أقوم بأرشفة أعمالي
 حاليا تشتغل على توثيق وأرشفة إنتاجك المرئي، حتى إننا أجلنا الحوار لانشغالكم بهذا الجانب.. هل بعد انتهائكم من هذا التوثيق المهم والجهد الذي هو حصيلة سني عمركم الحافل هل سيكون بمتناول المهتمين؟
أنا أعمل منذ 12 سنة في الرقمنة والأرشفة ببطء شديد، لأن النيجاتيف يتعبني في التصنيف فلا أحد يستطيع مساعدتي، لأنه لا يعرف الأمكنة والأشخاص من خلال النيجاتيف ولأن المحتوى قديم سواء أمكنة أو أشخاص فقد تغير كل شيء، فالأشخاص معظمهم ماتوا، والأمكنة تغيرت سلبا طبعا. أعمل بمفردي بإمكانيات بسيطة، ومع ذلك أنجزت بعضا من أرشفة النيجاتيف أسود وأبيض وملون بحد أدنى إلى حين جاءت الحرب وتدمر مكتبنا وتضرر منزلي بفعل صاروخ أو قنبلة عطان 2015، فاختلطت الأفلام والصور المطبوعة ببعضها واللوحات المبروزة تحطمت وحتى الأجهزة دُمرت، فنزحنا من البيت والمكتب مدة عامين ونصف وعاودنا عملنا واستطعنا توفير الحد الأدنى كي نعمل أنا والأولاد، وحتى الصناديق التي تحتوي على الأفلام وزعتها إلى أكثر من مكان خوفا عليها من التدمير والسرقة، وها أنا أطلب البعض منها حسب أهمية محتواها وأؤرشفه برقمنة إلكترونية وهو تعب كالأول، أقوم بذلك العمل وأبيحه للناس عبر صفحتي في «فيسبوك»، و»توتير» وبدون مقابل سوى أنني أود أن يتعرف اليمنيون على بلادهم الجميلة، والناس الطيبين من فلاحين وعمال وجزر وبحر ومدرجات ونساء عاملات وأطفال كبروا وأشخاص توفوا، وهكذا لا أطلب أي مقابل سوى رضا مجتمعي الطيب، لكني أعتب على من ينسخون أعمالي سواء بالنسخ الناسخ، أو بالرسم المشوه للمحتوى.
ولا أعتقد أن في بلادنا من يهتم بالصورة التاريخية الموثقة بكل حرفية وصدق، لأن ثقافة الصورة مفقودة لدى الحاكم باعتبار ذلك يعود للتعليم الفاسد منذ زمن بعيد. مع أن الصورة في هذا العصر هي الأهم من أي وسيلة إعلامية أخرى، لكني أتلقى دعوات من الخارج وتكون لصوري أهمية لدى الداعي، وأشارك في ورش دولية وإقليمية كموثق ومصور محترف وأجد نفسي بين ناس يقدرون ما قمت به مشكورين.. من اليمنيين قلة من يهتمون بذلك وهم مشكورون.

لم أجد أجمل من بلادي إطلاقا
 لا شك أن اليمن بكل محافظاته ذات طبيعة خلابة جميلة، لكن المصور عادة له رأي يجسّده بكاميراه، ما هي أجمل محافظة زرتها وعدت إليها مرة أخرى؟
لكل محافظة مميزاتها ومفاتنها سواء صحراوية أو جبلية وهذا ما يميز اليمن عن كل البلدان فأنا قد طفت العالم كله، ومرات عدة لم أجد أجمل من بلادي إطلاقا، صحيح أن هناك تميزا في الطقوس والبيئة، لكن إجمالا اليمن ثرية جدا بجمالها وأهم منطقة هي جزيرة سقطرى، هذه الجزيرة زرتها قبل الوحدة واشتغلت فيها أياما دون أن أنام، ولدي لها أكثر من 32 ألف لقطة فوتوغرافية شملت كل شيء حتى الحصى لم أتركه إلا وصورته، ونبغ أولادي بأفلام التايم لبس، وفيديوهات وفوتوغراف، كلنا اشتغلنا في كل منطقة يمنية، وسقطرى أخذت الحيز الأكبر من أعمالنا فأنا زرتها بعد 1989 أكثر من مرة وتبعني أولادي، ولا يعني أننا اعتنينا بسقطرى فقط، فكل اليمن شبرا شبرا مدونة في أرشيفنا أرضا وإنسانا وحيوانا.

ليس كل من امتلك كاميرا سيصبح مصورا
 بماذا تنصح الشباب الذين اشتهروا حاليا على السوشيال ميديا وهم يخوضون مجال التصوير الفوتوغرافي؟
لا أمارس البابوية، والتصوير حاليا في متناول الجميع من كاميرات وهواتف و.. و.. و..، لكن ليس كل من امتلك كاميرا أو صور يصبح مصورا، من لديه موهبة سيصبح له شأن والبقية لعب، وأنصح الشباب بالتثقف المستمر في هذا المجال.
 ثلاث وردات جورية لك حرية إهدائها من على صفحاتِ «لا» فلمن تهديها؟
أولاها أهديها لأمي في الثرى لأنها أمي الأعظم، ثانيتها لكل الأمهات في اليمن والعالم، ثالثتها لأطفال المستقبل الذين سيغردون كالعصافير من أعالي الشجر وللفلاحين الذين ينمنمون الحقول بأناملهم ويزرعون الحب على كل الشفاه الحزينة.