«لا» 21 السياسي
كان والي دمشق أسعد باشا بحاجة إلى المال بسبب النقص الحاد في مدخرات خزينة الولاية، فاقترحت عليه حاشيته أن يفرض ضريبة على صناع النسيج في دمشق، فسألهم أسعد باشا: وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟
قالوا: من خمسين إلى ستين كيساً من الذهب.
فقال: ولكنهم أناس محدودو الدخل؛ فمن أين سيأتون بهذا القدر من المال؟!
قالوا: يبيعون جواهر وحلي نسائهم يا مولانا.
فقال: وماذا تقولون لو حصلت على المبلغ المطلوب بطريقه أفضل من هذه؟!
سكت الجميع. وفي اليوم التالي أرسل أسعد باشا رسالة إلى المفتي لمقابلته بشكل سري. وليلاً عندما وصل المفتي قال له أسعد باشا: عرفنا أنك ومنذ زمن طويل تسلك في بيتك سلوكاً غير قويم وأنك تشرب الخمر وتخالف الشريعة، وإنني في سبيلي لإبلاغ اسطنبول؛ لكنني أفضل أن أخبرك أولاً حتى لا تكون لك حجة عليّ.
أخذ المفتي المفجوع بما يسمع يتوسل ويعرض مبالغ مالية على أسعد باشا لكي يطوي الموضوع، فعرض أولاً ألف قطعة نقدية، فرفضها أسعد باشا، فضاعف المفتي المبلغ؛ ولكن أسعد باشا رفض مجدداً... وفي النهاية تم الاتفاق على ستة آلاف قطعة نقدية.
وفي اليوم الذي يليه استدعى الوالي القاضي وأخبره بالطريقة نفسها بأنه يأخذ الرشوة ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة وأنه يخون الثقة الممنوحة له... فأخذ القاضي يناشد الباشا ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي، وعندما وافق على مبلغ يساوي المبلغ الذي دفعه المفتي أطلقه الوالي.
في الأيام التالية استدعى الوالي المحتسب والنقيب وشيخ التجار وكبار التجار... وفعل معهم كما فعل مع المفتي والقاضي، ثم جمع حاشيته وقال لهم: هل سمعتم أن أسعد باشا قد فرض ضريبة في الشام؟
قالوا: لا، ما سمعنا!
فقال: ومع ذلك فها أنا قد جمعت مائتي كيس بدل الخمسين التي كنت سأجمعها بطريقتكم!
تساءلوا جميعاً: كيف فعلت هذا يا مولانا؟!
فأجاب: إن جز صوف الكباش خير من سلخ جلود الحملان.