حلقات يومية يكتبها القاضـي محمد الباشق / لا ميديا -
ما إن يهل علينا هلال شهر الصيام حتى تختلج مشاعر السرور به مع مشاعر الشوق والحنين إلى من كانوا معنا من الأهل والجيران والمعارف الذين سبقونا إلى الدار الآخرة، إضافة إلى مشاعر تدارك النفس بعلو الهمة لنكون إلى الله أقرب ولنجتهد في العبادة ومشاعر الاهتمام بشؤون الحياة وما بها من عوائق.
كل هذه المشاعر نستطيع أن نجدها مجموعة في مشاعر واحدة وهي الإقبال القلبي إلى الخالق جل شأنه بأن نوقن أن أي تفكير في أمور الحياة ماضيها تفكيرا فيه حنانا إليه أو ندما مما كان فيه وتفكير في الحاضر بهمومه وما به من أحلام لم تتحقق أو مطالب لم تتم أو رغبات لم يتم الحصول عليها أو ضروريات وحاجيات إما طلبا لحصولها أو سعيا للحفاظ عليها وإما تفكير في المستقبل خوفا مما قد يكون فيه كل تلك الأمواج المتلاطمة من الخواطر المترقية بالوقت إلى هواجس المتكاثفة إلى أفكار وتصورات الحل هو التوجه القلبي إلى الخالق، سجود القلب لله بكل ثقة بلسان الحال والمقال.
يا مدبر الأمر يا مصرف الآيات يا خالق كل شيء، يا مكون الكون يا مجري الفلك يا مالك الملك يا من يعلم ما تسقط من ورقة في ظلمات البر والبحر، يا من لا تخفى عليه خافية حالنا لا يخفى عليك ليس لنا سواك، تعلم ضمير الصامتين وتعلم ما يقصد المتكلم وتعلم كل شيء أكفنا ما أهمنا يا كافي المهمات.
إن الاستقبال الذي نحن بحاجة إليه أن نستقبل تغيرات الوقت وتغيرات الحياة وكل ما في حياتنا بأن نلجأ إلى خالقنا فاطرنا بارئنا مصورنا ليس لنا من حل إلا أن ننطرح على أعتاب العبودية ولنا في كل ما يحدث في الحياة شواهد حية من شروق شمس كل يوم وغروبها وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض وما نرى من إحياء وإماتة ومن ألطاف في حياتنا، فكم من شرغة لطف الباري فنجا العبد وقد كاد أن يفارق الحياة بها، وكم من شخص نجا من حادث كاد أن يودي بحياته، وكم من صغير نجا من مخاطر وكبير رأى في حياته صروف الدهر.
إن كل ما في الحياة يحتم علينا أن نفهم أن علينا أن نلجأ إلى الله وحده لا شريك له.
إذن لنستقبل كل وافد من تغير وقت ومن تحول حال ومن تأثير وتأثر بما يكدر الخاطر أو بما يخدش مسامعك أو بما تشاهد كل قادم في بكور صبح أو غسق ليل كل ما يطرأ في الحياة نخرج من ضيق التفكير ومن تنوع التصورات ومن فلسفة التحليلات ومن التوقعات للواقع ومن استنتاج لنتائج الأحداث والواقع ومن التفكير في الأسباب والنتائج إلى أن نشعر أن الحي الذي لا يموت يعلم مشاعرنا، فمن كانت مشاعره مشاعر صفاء فلا حقد ولا حسد ولا احتقار لأحد ولا نية مكر وسوء بمخلوق، من كانت هذه مشاعره استقبل شهر الصيام بالصيام عن كل منكر وعن كل شر وعن كل حرام، صم عن مشاعر اليأس والقنوط واجعل مشاعرك مشاعر ثقة بالله الودود الحي القيوم، إن الله لن يتركنا ولن يتخلى عنا، فمن امتلك هذه المشاعر قبل الله منه الشعائر.