حلقات يومية يكتبها  القاضي محمد الباشق / لا ميديا -
أي إنسان تحيا مشاعره تُقبل منه الشعائر. ووصول الإنسان إلى هذا المستوى من حياة القلب والضمير مسألة جدا سهل الوصول إليها ولا يحتاج إلى مشقة، فقط كن إنساناً تشعر بالآخرين، تتألم حين سماع خبر محزن وتتأثر عند رؤية محزون.
أن تكون إنساناً صاحب ضمير حي معنى هذا أن سلوكك وأقوالك وأفعالك ليس فيها أذية لأحد، بل المجتمع يجد منك الخير، فتكون إنسانا خيِّرا. وحتما إنَّ من كان خيِّرا فاضلا محسناً بأي نوع من أنواع الإحسان حسب ما لديه يبذل مما لديه، صاحب مال ينفق، صاحب علم يُعلِّم ويرشد، صاحب تجربة وخبرة يعطي من خبرته نصحا وعونا، صاحب أي موهبة أو إبداع أو طاقة ينفق مما لديه، فيدخل فيمن شهد الله لهم بالإيمان أنهم «مما رزقناهم ينفقون».
فإن لم يكن لديه مال ولا علم ولا تجربة فليس معدماً؛ إذ بقي لديه مكارم الأخلاق، وحُسن الأخلاق. وكل إنسان يستطيع أن ينفق ويبذل من أخلاقه. ويا له من إنفاق سخيّ وعطاء كريم جعله سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه وآله هدف الرسالة الأسمى: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق».
ومَن أنفق مِن أخلاقه عززه الله بمواهب ومنحه فضائل وجعله من أهل الإحسان، وما كان صاحب الأخلاق معدما، بل لا بد من أن يكون محبوبا، يسخِّر اللهُ له القلوب، لذا شرح الهدف الرسالة، يقول باب مدينة العلم، سيدنا علي (عليه السلام): «إن في حسن الأخلاق سعة الأرزاق». ومن أحسن إلى الخلق بأي نوع من أنواع الإحسان، طبعاً مما لديه، لا أن يقول صاحب المنصب إن إنفاقه بالأخلاق، إنفاقه هنا بالقرار الحكيم والموقف المشرف، وصاحب الجاه إنفاقه بإيصال حوائج الخلق إلى مَن يستطيع دفع المضار عنهم، ويستطيع إيصال الخير إليهم، وإنفاق صاحب المال بالعطاء والإحسان المادي، لا أن يجود بجمال الأخلاق ويمنع المال، فإن فعل فقد جحد، ولم ولن يكون شاكرا حامدا للنعم، ولن يكون من المنفقين إلا أن ينفق مما أعطاه الله، وإنفاق العالم من علمه مع وجوب فهم وإدراك أن مكارم الأخلاق ليست إنفاق العاجز وليست زكاة الفقير، بل هي سياج أمان ودليل جلي على إخلاص المنفق مما لديه.
فلا يعني إنفاق أصحاب القرار أن تنزع من أخلاقهم مكارمهم بحجة انشغالهم بمصالح العباد، ولا يعني إنفاق صاحب الجاه من وجاهته أن يفقد أخلاقه بحجة أنه مشغول بأن يكون دليل خير؛ لأن الأخلاق تؤكد أن صاحب المنصب مع حكمته في القرار وحنكته في الإدارة فإن مكارم الأخلاق تدل على قوة إرادة ووعي وفهم من هو وما هي المسؤوليات التي على كاهله، والمنفق بماله تشهد على إخلاصه وشكره للنعمة مكارم الأخلاق، والعالم بلا أخلاق ليس بعالم.
إذن الإنفاق واسع، وكل قائم به من فيض ما أعطاه الله مع المداومة على طيب الكلام وحسن الاستقبال وبسط الوجه واستشعار أن ما يقوم به هو من باب «وأحسنْ كما أحسنَ اللهُ إليك». ومن تأمل في شرف حال ومصير ومستقبل ومآل المحسنين يجد أن عناية الله محيطة بهم، وأن رعاية الله جُنَّة لهم، وأن الله ينشر عليهم رحمته. فكن محسنا مما لديك وبما لديك وأبشر من الله بكل خير.