المنشد أحمد محمد الحلبي في حوار خاص لـ«لا»:وُلدتُ منشدا وفنانا وأبي ترك لي حرية الاختيار
- تم النشر بواسطة نشوان دماج / لا ميديا
حاوره: نشوان دماج / لا ميديا -
من تهامة ضيفنا هذه المرة، ومع أجواء الشهر الفضيل الذي يكون للإنشاد الصوفي صبغة أخرى ومذاق الفيض والحب والقداسة، هو المنشد أحمد محمد الحلبي، نجل الفنان الكبير محمد الحلبي، الغني عن التعريف، والذي حمل صوته كل معاني الحضور.
المنشد أحمد الحلبي من مواليد 1994. وُلد فنانا ومنشدا كما يقول عن نفسه؛ وكيف لا يكون ذلك وأبوه هو من هو؟!
في هذا الحوار الذي أجرته معه صحيفة «لا»، يسلط المنشد أحمد الحلبي الضوء على عدد من المسائل المتعلقة بالتراث التهامي، وعلى ما يتعرض له والده من هضم وتجاوزات وممارسات يصفها بـ«المتعمدة» و»الدنيئة»، تقوم بها إدارة العمل بمحافظة الحديدة، حيث تعمل على إعاقة عمله، تغيِّب وتعيق وتضعف ما يقوم به، مما يؤثر عفي العمل عامة ويحرمه من ظهوره بالشكل المطلوب، لأغراض لا تخدم ولا تفيد إلا مصالحهم.
أجمل اللحظات
بداية لو تحدثنا عن ميلك إلى الإنشاد، وهل كان لوالدك دور في ذلك؟
أولاً وقبل كل شيء إنه لشرف كبير جداً أن تستضيفني مثل هذه الصحيفة الكبيرة، فهذا خير دليل على أن هذه الصحيفة تبحث وتتعمق في كل المجالات التي تتعلق بالحياة، وما أصفه عن هذي الصحيفة قطرة من بحر.
أما ميلي للإنشاد فقد وجدتُ أنني وُلدتُ منشدا وفنانا، وبحكم التربية وما حولي في المنزل. وبالنسبة للإنشاد، كان أبي هو ملهمي ومعلمي، ولم يكن بمثابة الأب فقط، بل كان بمثابة الأخ المحب والصديق المقرب. جلوسنا مع بعض يعني لي كل شيء. هو ترك لي الحرية الكاملة في اختيار أي مجال، ولم يضغط عليَّ بشيء. ولقد كان ميلي للإنشاد بسبب حبي لسماع صوت أبي وهو ينشد بعفوية في البيت، وأنا أستمع له وأردد معه، وهذه أجمل اللحظات بالنسبة لي.
بدأت مع المولد و»الشهيد»
متى كانت انطلاقة المنشد أحمد الحلبي؟ وكيف بدأت؟
منذ أن عرفت نفسي وأبي يمارس العمل كل يوم، وهو يشجعني على الترديد معه والجلوس والاستماع وحفظ الألحان، كبرنامج يومي، وعند ذهابه لإحياء المناسبات الاجتماعية كالأعراس والموالد والفعاليات الوطنية. ولكن انطلاقتي الحقيقية كانت وأنا في سن الحادية عشرة، عندما سجلت مع والدي في أحد الأوبريتات الوطنية في عيد الجلاء في 2005. وأتيحت لي الفرصة مجدداً من 2016 كمنشد برز في أوبريتات المولد وذكرى الشهيد. وأترك الكلام عن تجربتي المتواضعة للجمهور من خلال ما قدمته كدويتو.
ممارسات «دنيئة ومقصودة»
كيف تجد العمل مع والدك وآخرين كفريق واحد؟ وما الإشكاليات التي تواجهونها بهذا الصدد؟
والدي ليس له عمل آخر غير الإنشاد، وليس له أي حسابات تخدم شخصه في اللحظات التي يقوم فيها بالعمل إلا العمل، وهذا مكنه من قوة الإيمان والمصداقية والتفرغ والدقة والجدية والالتزام نحو ما يفعله، مجسدا مقولة: «ما كان من القلب يصل إلى القلب»، وبعفوية تامة تترجمها أرض الواقع، لتجعل كل الفريق المصاحب في العمل روحا واحدة متفاعلة وملتزمة بشوق ورغبة واستمتاع في لحظات تنفيذ ما يقوم به.
لكن، وبدلا من ذلك، يؤسفني ويحزنني أن أقف عاجزا أمام التجاوزات والممارسات الدنيئة المقصودة التي تقوم بها إدارة العمل بمحافظة الحديدة، وهي في الأساس لا علاقة لها بمفهوم الإدارة ولا الإبداع، بل هي عصابة وبكل وقاحة وبشكل مقصود وفاضح، أثناء أدائه لعمله، تعمل على إعاقة عمله، تغيِّب وتعيق وتضعف ما يقوم به، مما يؤثر على العمل عامة، ويحرمه من ظهوره بالشكل المطلوب، لأغراض لا تخدم ولا تفيد إلا مصالحهم الشخصية، وأصبحت واضحة للعيان وبشهادة وحضور أهم المعنيين بإيقافها دون جدوى.
أبي مريض بالسكري والضغط، ولو تعلم ما يتعرض له من ضغوط وانفعالات وحالات من القهر ونتائجها على صحته وحياته، أعتبرها شروعا في قتله. ولثقتي بتحمل مسؤولية ما أقول أنتهز هذه الفرصة لتوجيه نداء استغاثة إلى السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والأخ المحافظ محمد عياش قحيم، والأستاذ أحمد البشري، والأستاذ ضيف الله سلمان... لقد منعت والدي، خلال المرحلة الماضية، الظروف التي تجعلنا نلتزم الصمت للحفاظ على لُحمتنا؛ لكن، ونظراً لما زاد عن حده، أرجو أن يسرعوا بالتحقيق ومحاسبة وإيقاف من يقوم بذلك عند حده، فمن المعيب أن يستمر هذا الوضع والتجني على رمز من رموز العمل الإبداعي.
تغييب وعدم اهتمام
ما الذي مثله الفنان والمنشد الكبير محمد الحلبي بالنسبة لك كمنشد؟
كمنشد، ومن خلال معايشتي له، وبما أعرفه عنه، مازال الكثير والكثير. ألا تلاحظ أن تجربة والدي حتى الآن تفتقر إلى وجود الناقد المتخصص، وغيابه إن وجد، والذي ينطلق من وعي وفهم ومعرفة للتحدث عن ماهيتها وأثرها على واقعها، ليطرحها في مكانها الطبيعي، سلبا أو إيجابا. أليس من حقه ذلك؟! ولعلمك، مازال هناك الكثير والكثير من قدرات والدي، وتجربته حتى الآن ظهورها لا يكاد يُذكر، بسبب غياب مقومات ذلك، رغم مطالبته المعنيين بهذا الصدد ولا مجيب. والدي، ولي الفخر، مدرسة أثرها واضح، لا بد أن ينهل الجميع من عطائها، ويغتنم فرصة وجودها، ليس بالنسبة لي فقط، بل لكل من يرغب أن يكون في هذا المجال. وأخاف أن تطول عدمية قيمة وجوده إلا بعد فقدانه لا قدر الله.
انفتاح على كل الألوان
هل ستتقيد مثل والدك بالموروث الصوفي التهامي؟ أم بالإمكان أن تنتهج طرقا أخرى؟
الإنشاد والعمل الصوفي هو الأساس؛ ولكن لم أتوقف عنده فحسب، بل لي طموحات في ألوان أخرى، في الغناء الشعبي التهامي وحفظ ألحانه والغوص فيه والتلحين، وأحرص على ممارسة أداء جميع الألوان الغنائية في اليمن والوطن العربي والعالمي، وأحرص على الإحاطة بها قدر ما أستطيع. ولدينا الآن فرقة لإحياء الأعراس والفعاليات الاجتماعية بهذه الألوان، ومازلت في أول المشوار.
مواهب مبعثرة
كيف ترى الأصوات التهامية الصاعدة في الإنشاد الصوفي؟ وهل بإمكان تلك الأصوات أن تشكل مدرسة إنشادية مستقبلا؟
المواهب كثيرة، والأصوات الشابة موجودة أكثر مما تتصور وبشكل مذهل؛ ولكنها مبعثرة، وتفتقر إلى مشروع دولة تتبنى مَن يطورها ويرشدها وينميها ويُفعلها لتبرز بالشكل المطلوب كشريك تنموي للبلاد في هذا المجال. لا بد من هذه الخطوة، وإن لم يكن هذا أوانها فلن يكون هناك أوان لها.
نصف دين فقط
ما العوائق التي تجدها في حياتك آنياً وتشكل منعطفا لا بد من تجاوزه؟
الاستقرار العاطفي والعائلي جانب مهم أفتقر إليه لعطاء أكثر، فقد مر وقت طويل على خطوبتي ومازلت متعثرا وسط نصف دين بالاحتياجات اللازمة لاستكمال النصف الآخر. دعواتكم والقارئ الكريم بالتوفيق فيه.
الوضع سيئ لكن الأمل موجود
هل وجدتم من الجهات المعنية الدعم اللازم؟ أم أن الاهتمام فقط يتعلق بالمواسم والمناسبات؟
بالنسبة للجزء الأول من السؤال، لا أنكر أنني أتسلم رعاية 30 ألف ريال تأتي كل شهرين، لا غيره، وحالها غني عن شرح ما لها وما عليها. وبالنسبة للجزء الثاني من السؤال، أنت أجبت عليه، فلا شيء يستحق الذكر، فكل ما أفعله وأقوم به لا يتجاوز المكان الذي أنا فيه. الفنان أو المنشد يحتاج لإمكانيات لينفذ عمله، وإعلام يوصل تجربته إلى واقعها، ليحكم عليها الناس؛ إما أن يستمر أو يتوقف. ولا موقع لي في كل ذلك. أما المناسبات الوطنية فلا تكفي للقيام بهذا الدور. ومع أنها كانت المتنفس الوحيد لإظهار جزء من إمكانيتي؛ إلا أنني مؤخرا أصبح لا مكان لي فيها، ولم ألق منها إلا الحرمان والاستبعاد.
الأمور الآن أصبحت أسوأ مما كانت عليه؛ ولكن مازال الأمل موجودا بأن الأفضل سيأتي، المهم الاستمرار في المثابرة والسعي الجاد، لعل الله أن يُحدِث أمرا.
نريد حقوقنا وكفى
ما الذي تأملونه من تلك الجهات مستقبلا؟
لا نريد منها أكثر من حقنا، ومنها خلق مناخ يضمن لنا الاستمرار، بسرعة تذليل الإمكانيات وتهيئة الظروف اللازمة لتنميتنا من كل الجوانب، متوجة بالمعرفة والعلم، فنحن الواجهة الحقيقية والحضارية لهذه البلاد.
كلمة أخيرة تود قولها من خلال صحيفة «لا»...؟
سيدي عبدالملك بدر الدين الحوثي، يا قائدنا ثورة 21 أيلول/ سبتمبر، إيماننا، نحن جيلها وحماتها، أنها لنا ونحن لها، وسنستمر في الدفاع عنها والحفاظ عليها بكل ما أوتينا من قوة. ولاؤنا لكم ما هو إلا ضمانة حتمية لنصرنا.
المصدر نشوان دماج / لا ميديا