«لا» 21 السياسي -
بدايةً وبالقطع فأنا مع كامل حرية الناس في التعبير عن أنفسهم قولاً وفعلاً، بما لا يتجاوز الدستور والقانون، ولا يتعدى خصوصية العادات والتقاليد والعرف والسلف، ولا يقطع خطوط المصلحة الوطنية العليا، ولا يطعن لحمة الشعب ولا يتطاول على تضحياته، ولا يخدم دول العدوان ولا يحقق أهداف الرياض وأبوظبي في تمزيق النسيج الاجتماعي أو تمزيع تابوهاته الدينية والوطنية. كما وضد التحريض على فتنة لا تبقي ولا تذر، وضد التحريض أيضاً ضد أشخاص خارج إطار القوانين المنظمة والنافذة، ومع إنفاذ النظام على الكل، دون استثناءات لأي خلفيات بائدة عنصرية أو مناطقية أو جهوية أو حزبية.
خلال الأسبوعين الماضيين تواترت الأقوال، فعلاً ورد فعل، حول بعض الشخصيات فيما يتعلق بالاحتفال بثورة هنا والاحتفاء بثورة هناك، إيقاداً لشعلة وإشعالاً لثورة، وصارت مواقع التواصل الاجتماعي منابر للتنابز السياسي والتلامز الاجتماعي والتجاوز الأخلاقي، واختلط حابل الصدق مع نابل الكذب. ولفت انتباهي شخصياً وسط هذه المعمعة الرقمية ادعاء البعض امتلاك الحقيقة، ونفي البعض الآخر نسبية الصواب والخطأ فيما يقولون ويفعلون ويكتبون ويؤنترون... كما لفت انتباهي المزايدة المكشوفة على الثوابت، والمناقصة المفضوحة على الأعلام، وتكرر ذكر أسماء بعينها وسط كل ذلك وذاك، من أمثال خالد الرويشان وحمير الأحمر وأحمد سيف حاشد وعبدالوهاب قطران... وغيرهم.
لتلخيص ما أود قوله ولتخليص الأمر سأذكّر بحدثين اثنين متعلقين بشخصين اثنين من المذكورين أعلاه، لعلهما يفتحان هوة فهم في أحد جدران جمجمة التساؤل واللافهم. حدث قبل سنوات وآخر قبل أيام، وهما الحدثان اللذان كما قلنا قد يبرزان جزءاً من حقيقة أسباب ما وصلنا إليه:
الحدث الأول: اعتقال خالد الرويشان بسبب منشوراته، وإطلاق سراحه خلال ساعات. والحدث الثاني: إيقاد حمير الأحمر شعلة ثورة 26 سبتمبر في حوش منزله.
قد يبدو وللوهلة الأولى أن الأمرين منفصلان وغير ذوي علاقة بما نتحدث عنه؛ لكنهما للأسف في صلب الموضوع الذي نبحث فيه، وقد يجمع بينهما مشاهد البذخ في العرس الأسطوري الذي جمع بين الجهتين قبل أسابيع في صنعاء. خلاصة الأمر أنه حين يتم القفز على المساواة في التعامل مع الناس لأسباب لا تمت بالمصلحة الوطنية بصلة سيتقافز هؤلاء على الجميع لتلك الأسباب غير الوطنية ذاتها، بل وسيُقافزون رعاع القوم على الرعية الواسعة من الشعب.
أما القاضيان قطران وحاشد فليتذكر الأول أنه كان يزايد مطالباً بشنق علي عبدالله صالح في ميدان التحرير حين دخل أنصار الله صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، وليذكر الثاني أنه أضاف اسم هاشم على اسمه بُعيد ذلك التاريخ مباشرة.
وللخبرة أقول: لا تَرْكِزوا للبعض حتى يكاد ينكسر من «الركزة» وبما لا يستحق، ثم يقع ما تعرفون! ضعوا الناس مواضعهم التي يستحقونها، واليمن كبير ولا ينحصر كما كان بين «الحصبة» و«الثنية» أو بين «الجراف» و«حدّة» أو بين «جولة الجمنة» و«جولة دار سلم»، وأحسنوا الظن بالشعب كما أحسن إليكم، وعاقبوا من أساء ولو كان ذا خصاصة!