علي عطروس / لا ميديا -
«في حكايا بعض العبرانيين من المؤرخين ورجال الدين إشارات إلى مكانة خاصة حظي بها البحر الأحمر في الميثولوجيا التوراتية والصهيونية. تقول هذه الحكايا إن البحر الأحمر كان بحراً يهودياً في الماضي، وأن علائق وصلات ربطت بين قدماء اليهود والبحر الأحمر تعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد. وردد المؤرخون المعاصرون من الصهاينة أن البحر الأحمر سيبقى بحراً يهودياً في الحاضر والمستقبل كما كان في الماضي. وفقاً لتلك القصص، فإن سليمان بن داود قد اتسعت مملكته بإضافة البحر الأحمر ومملكة سبأ، واتسع وجدانه فتزوج امرأتين من شاطئ البحر، ابنة أحد فراعنة وادي النيل من الشاطئ الغربي، وبلقيس من الشاطئ الشرقي، أنجب من الثانية ابناً اسمه ابن صيرة، وتمضي السردية لتقول إن إمبراطور إثيوبيا هيلاسيلاسي هو حفيد الملكين سليمان وبلقيس، وهذه رواية شائعة في أوساط يهودية، وفي أوساط مسيحيين ومسلمين ينتمون إلى إثنية الأمهرا في إثيوبيا»(1).
وللمزيد من هكذا توهيم وتهويم ميثولوجي صهيوني يمكن النظر إلى ما كتبه -وما يزال- العراقي فاضل الربيعي من محاولات إثبات نظريته في إسقاط النص التوراتي (المحرف طبعاً) على الجغرافيا اليمنية بدلاً عن الفلسطينية، وكأن به يقود محاولة حثيثة لنفي أرض ميعاد الصهاينة عن فلسطين وإنما لإثباتها على اليمن (اسألوا ثيودور هرتزل عن تفضيله للأرجنتين).
كما ارتبط البحر الأحمر بالقصة التي وردت في التوراة والمتعلقة بابتلاع الحوتُ النبي يونس  (Jonas).
في «العهد القديم» كان العبرانيون يسمون البحر الأحمر «بحر سوف» حيناً و«البحر» أحياناً. وفي «سفر الخروج» جاء: «لما أطلق فرعون شعب إسرائيل رأى الله ألا يسير بهم في طريق أرض الفلسطيين مع أنه قريب (...) فأدار الله الشعب في طريق البرية (سيناء) نحو البحر الأحمر». ولما علم فرعون بأمر العبرانيين، كما في السفر عينه، شد رحاله نحوهم بمركباته وجنده، «وقسى الرب قلب فرعون، حتى تبع بني إسرائيل وهم خارجون بقوة عظيمة، فلحقهم المصريون وهم نازلون عند البحر(...) فقال الرب لموسى: ارفع عصاك ومد يدك على البحر فينشق ليدخل بنو اسرائيل في وسط البحر على الأرض اليابسة (...). ومد موسى يده على البحر، فأرسل الربُ على البحر ريحاً شرقية عاصفة طول الليل حتى أيبس ما بين مياهه، فانشقت المياه ودخل بنو إسرائيل في وسط البحر على الأرض اليابسة (...) وتبعهم المصريون (...) وقال الرب لموسى: مد يدك فيرتد الماء على المصريين وعلى مركباتهم وفرسانهم. فمد موسى يده على البحر، فارتد البحر عند طلوع الصبح إلى ما كان عليه، فواجهه المصريون وهم هاربون، فطرحهم الربُ في وسط البحر». وبعد خروج العبرانيين وعبورهم البحر الأحمر مثلما يقص «سفر الخروج» أنشد النبي موسى وإياهم هذا النشيد: «أنشدُ للرب جل جلاله، الخيل وفرسانها رماهم في البحر (...) الرب سيد الحروب، مركبات فرعون وجنوده أخفاهم في البحر، نخبة قواده أغرقهم في البحر الأحمر». ويرد اسم البحر الأحمر مرات عدة في «سفر العدد». ومن شواهد ذلك: «رحل بنو إسرائيل من رعمسيس (مدينة مصرية) ونزلوا في سكوت (شرق الأردن)، وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام (يرجحونها بالقرب من مدينة الإسماعيلية)، ورحلوا من إيثام إلى فم الحيروث (حدود مصر)، ورحلوا من فم الحيروث وعبروا البحر الأحمر إلى برية شور (جنوبي فلسطين المحتلة) ونزلوا في مارة (موضع في برية شور)، ورحلوا من مارة إلى إيليم (يقال إنه وداي غرندل جنوبي سيناء)، وارتحلوا من إيليم ونزلوا على البحر الأحمر، ورحلوا من البحر الأحمر ونزلوا في برية سين». ومن ضمن الأسفار التي تتناول نصوصها البحر الأحمر: «التثنية»، «يشوع»، «صموئيل»، «نحميا»، و«إشعيا». وجاء أيضا في «المزمور 66»: «تعالوا انظروا أعمال الله ما أرهب صنائعه للبشر، حول البحر إلى يباس، وبالأقدام عبر آباؤنا النهر هناك، فرحنا به». وفي «أعمال الرسل» كما يرد في «العهد الجديد» أن «موسى الذي أنكره شعبه وقالوا له: من جعلك رئيسا وقاضيا علينا، هو الذي أرسله الله رئيسا ومخلصا بمعونة الملاك الذي ظهر له، فأخرج شعبه من مصر بما صنعه من العجائب والآيات في أرض مصر وفي البحر الأحمر». وفي الرسالة الأولى للقديس بولس إلى «كنيسة كورنثوس» حول الإيمان المسيحي: «لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة أن آباءنا كانوا كلهم تحت السحابة وكلهم عبروا البحر، وكلهم تعمدوا لموسى في السحابة وفي البحر». وفي «رسالة إلى العبرانيين» موجهة إلى جماعة من المسيحيين لاقوا اضطهادا شديدا: «بالإيمان عبر بنو اسرائيل البحر الأحمر كأنه بر، ولما حاول المصريون عبوره غرقوا».
غير أن الأمر لا يقتصر على إسرائيليات التوراة وأساطيرها، بل وينتقل إلى إسرائيليات التفاسير القرآنية، فقد ذكر المقدسي -على سبيل المثال- في كتابه «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»، أن «بحر القلزم هو البحر الذي طَرَحت فيه أم موسى تابوت موسى لما خافت عليه من فرعون». كما يضيف: «وقد عبر بنو إسرائيل البحر الأحمر برفقة نبي الله موسى»(2).
كما ورد في القرآن الكريم: } فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُ فِرْقٍ كَالطَوْدِ الْعَظِيمِ{(الشعراء، 63)، } وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى{، رغم أن البحر المذكور في الآيتين لم يُحدد كما ويأتي ترديف البحر في القرآن الكريم بمعانٍ أخرى.
وقبل أن نأتي على تفنيد الميثولوجيا التوراتية والخرافات الصهيونية التي رُبطت بها، نمر سريعاً على جزء من كارثة الروايات الدينية المحرفة في العهدين القديم والجديد وانتهازية ولصوصية صهاينة المستوطنين لتلك الروايات لسرقة أرض فلسطين وقتل شعبها.
يسلط عماد عطا الله الضوء على «حرفية النصوص الواردة في الكتب السماوية وكيفية تأبط الصهيوني تلك الحرفية لتبرير فظاعة أفعاله على أرض الواقع في الماضي والحاضر»(3)، سواء بسلب فلسطين أم بنهب رئتها: البحر الأحمر، كما كان يقول ديفيد بن غوريون.
يتحدث عطا الله: «مثلاً محاولات فجة لإلباس يسوع المسيح العباءة اليهودية غصباً، لتقديم أوراق الاعتماد السياسية أمام فعاليات القبائل العبرانية التي صلبته بعدما غسل الحاكم الروماني بيلاطس البنطي يديه من دمه، وتحويله إلى رسول يهودي لليهود حصرياً. فلا يتردد «إنجيل متى» (15 - 21:28) في كتابة واحدة من أكثر القصص المشينة بحق المسيح والكنعانيين، حيث يرفض يسوع مساعدة امرأة يائسة من منطقة صور وصيدا، فقط لأنها كنعانية: «لَمْ اُرْسَل إلا إلى خِرَاف بَيْت إسرائيل الضَالَة»، ثم يهين المرأة أن «ليسَ حسناً أن يُؤخَذ خُبْز البنين ويُطْرَح لِلكلاب»(4).
أما «العهد القديم» فحدث ولا حرج؛ فسيدنا إبراهيم نفذ أوامر صريحة لا ريب في وضوح جرمها: «اذهَبْ مِن أرضك ومِن عشيرتك ومن بيت أبيك (في حران، من مناطق كردستان الحالية) إلى أرض غيرك» (سفر التكوين، 12)، حيث «كان الكنعانيون حينئذ في الأرض» لتأتيه الهدية «لِنَسْلِكَ أعْطي هذه الأرض».
بعدها بعشرات القرون تزداد درجات الصراحة في «سفر التثنية، 6» (10-13)، الذي يؤكد أن المدن والبيوت والآبار والكروم بناها الكنعانيون ولا تعود ملكيتها إلى العبرانيين. لكن صك الملكية ببساطة يندثر بمسحة ذقن وقَسَم يمين واحد، «ومتى أتى بِكَ الرَب إلهُكَ إلى الأرض الَتي حَلَفَ لآبائِكَ... أَنْ يُعْطيك، إلى مُدُن عظيمة جيدة لَمْ تَبْنِهَا، وبيوت مملوءة كُلَ خَيْرٍ لَمْ تَمْلأْها، وآبارٍ محفورة لَمْ تَحْفِرْها، وكروم وزيتون لَمْ تَغْرِسْهَا»(5).
استولوا عليها -كما يؤكد «سفر يشوع، 1» (جاشْوَا) بعد موت موسى، «مِن البَرِية ولُبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات، جميعِ أَرض الحثيين، وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس». بعد عبور نهر الأردن وقبل دخول مدينة أريحا أعطى يشوع الأوامر إلى مسلحيه بالحفاظ على شيئين فقط لا غير: المومس والذهب، «رَاحَاب الزَانِيَة فقط تَحْيا هي وكُل مَن معها في البيت (...) وكُل الفِضَة والذَهب وآنِيَة النُحَاس والحديد»، ثم أغاروا «وحَرَموا كُل ما في المدينة مِن رَجُل وامْرأَة، مِن طفل وشيخٍ، حتى البقر والغنم والحمير بِحَدِ السيف»، وما لبثوا أن «أَحرَقوا المدينة بالنار مع كُل ما بِهَا» ما عدا الغنيمتين الدسمتين(6).
أما «سفر العدد، 33 (55-56) فيُهدد العبرانيين بضرورة إبادة الكنعانيين الجماعية والتطهير العرقي، «وإنْ لَمْ تطردوا سكان الأرض من أمامِكُم يكون الذين تستبقون مِنهُم أشواكاً في أعيُنِكم، ومناخِس في جوانبكم، ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها»، وإلا إذا لم يفعلوا «فيكون أَنِي أَفْعَلُ بِكُم كما هَمَمْتُ أَن أَفعلَ بِهِم»(7).
وبعيداً عما سقناه أعلاه من شواهد توراتية عنيفة أحياناً وخرافية أحياناً أخرى، ولو افترضنا صحة الأحداث التي زامنتها تلك المرويات الميثولوجية، فإن هنالك لبساً متعمداً يخوض غمار زيفه العالم، ونحن شربنا «مقلبه» على جرعاتٍ متعددة سياسية وإعلامية وفكرية وتاريخية، ونعني به: الخلط بين الصهيونية وبين العبرانية إلى الحد الذي صار لدى البعض وكأنها مسلمات تاريخية، وهو ما يفضي إلى وصف الكيان الصهيوني أحياناً بـ«الدولة العبرية»، وصحافته بـ«الصحف العبرية»(8) بحسب تعبير زينب الطحان، التي تشير إلى أنه «ليس عبثاً اختيار الكيان الصهيوني اللغة العبرية لتكون الجزء الأساسي من هويته المصطنعة في فلسطين المحتلة؛ فهو خلق أسطورة اللغة حين نبشها من تاريخ عمره أكثر من 8 آلاف عام على اندثارها ليدلل بها على انتماء غابر. ونحن بدورنا صدقنا مسألة إحيائه لهذه اللغة»(9).
وتتوقف الطحان بدايةً عند المرجعية التاريخية للانتماء اليهودي الذي تدعيه الصهيونية إلى «القبيلة التوراتية» الأصيلة الممتدة إلى زمن النبي موسى، وفي أنهم العبرانيون، وهو ما يعنينا في هذا المبحث.
تنقل الطحان عن الدكتور فرح موسى، العميد السابق لكلية الدراسات والعلوم الإسلامية في الجامعة الإسلامية في لبنان، أن «أهل التأريخ والتفسير لم يتحدثوا عن ظهور لهذا المصطلح (أي اليهود) في زمن أنبياء الله تعالى داود وسليمان وموسى، أي في القرن العاشر قبل الميلاد؛ فهناك مئات السنين بين بعثة النبي موسى ونزول التوراة وبين التشكلات الحزبية في تاريخ بني إسرائيل»(10).
و«منها الحزبية اليهودية، وكانت وظيفتها تحريف التوراة واستثمار الدين في السياسة والمال لإعادة الناس إلى جاهلية ما قبل التوراة، ليكونوا ملوكاً وطواغيت يستثمرون في الدين، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويقتلون الناس والنبيين بغير الحق»(11).
}ذلك عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، قَوْلَ الْحَق الذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34)... فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ، فَوَيْلٌ للذِينَ كَفَرُوا مِن مشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ{ (سورة مريم، 34-37).
«هذا يفضي إلى حقيقة تؤكد أن اليهود تاريخياً لا علاقة لهم بالعبرانيين الذين عبروا مع النبي موسى البحر في أيام فرعون الطاغية. وتالياً: «بنو إسرائيل، مثلهم مثل العديد من الأقوام والحضارات التي اندثرت عبر التأريخ القديم واندثرت معهم كتبهم. وهذا يعني أن هناك انقطاعا تاريخيا بين ظهور اليهود وبين زمن الوحي السماوي»(12).
ويرفض المؤرخ اليهودي النمساوي آرثر كوستلر، في كتابه «إمبراطورية الخزر وميراثها، القبيلة الثالثة عشرة»، الاعتقاد الشائع بوجود عرق يهودي متحدر من «القبيلة التوراتية»، ففي تتبعه لتاريخهم، يتبين له أن أصل اليهود قليلي العدد الذين عاشوا في فلسطين إبان الحكم العثماني، وهم اليهود السفارديم، كانوا مقيمين في إسبانيا 1492، وأما معظم اليهود الذين عاشوا في الأقطار العربية فأصولهم تعود إما إلى العرب، وإما إلى بربر شمال أفريقيا الذين تهودوا بعد آلاف السنين. أما يهود الغرب فهم من أوروبا الشرقية، ممن يدعون الأشكيناز. وقد أثبت كوستلر بدلائل تدعم الحجة القوية التي قدمها المؤرخون المُحدثون، سواء النمساويون اليهود أو البولنديون، أن الغالبية العظمى من اليهود المعاصرين ليسوا من أصل فلسطيني(13).
ويؤكد المؤرخ اليهودي المعاصر إبراهام بولياك، في كتابه «خازاريا»، أن «كتلة اليهود الخزر (في عام 740 للميلاد اعتنق ملك الخزر وبلاطه وعسكره اليهودية) كانت ركيزة المجتمع اليهودي الكبير في أوروبا الشرقية، وأن أبناء هذه التجمع، هؤلاء الذين بقوا حيث هم، وهؤلاء الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة وغيرها من الأقطار الأوروبية، وهؤلاء الذين هاجروا إلى إسرائيل، ويمثلون الغالبية العظمى من اليهودية العالمية اليوم. وهذا يعني أنهم متحدرون من أقاليم مختلفة وثقافات مختلفة، وهم أيضاً انقسموا إلى طوائف عديدة متناقضة متناحرة في ما بينها»(14).
والذي لا يمكنه تصديق هذه الوقائع «يكفيه ما يكتشفه علماء آثار ومؤرخون يهود حاليون، وأبرزهم إسرائيل فلنكشتاين، وزائيف هيرتسوغ، وإيلان بابيه، وشلومو ساند (بعضهم غادر الكيان الصهيوني نهائياً) من عدم العثور على شواهد تاريخية أو أثرية تدعم قصص الصهيونية في التاريخ اليهودي المزعوم في فلسطين، ويوثقون بالأدلة دحض الادعاءات التوراتية في أساطيرها، وهي تتناقض تناقضاً علمياً مع حقائق التاريخ والواقع»(15).
ويكشف ساند أن الطامحين إلى إنشاء «قومية إسرائيلية» بخلفية يهودية، ركزوا على ما يجمع الجماعات الدينية، فوجدت الحركة الصهيونية الاستعمارية أرضية لاهوتية لتبني عليها المشتركات التي أسست «إسرائيل» على أساسها(16).
وفي إشارة ذكية ولمحة عبقرية يشير عطا الله إلى أنه «لا شك أن مؤسسي إسرائيل في بداية القرن الماضي اتخذوا العهد القديم كدليل المُسْتخدِم في إلهام وتخطيط وإدارة الاستراتيجيات العسكرية لاغتصاب فلسطين...»(17).
تأبطوا كتاب الإرشاد هذا بالأيمن وكل ما وفره الإنكليز من أسلحة بالأيسر، «وكتاب المؤرخ الرائع والصديق إيلان پاپي (أستاذ «إسرائيلي» في جامعة اكزتر في إنكلترا) «التطهير العرقي لفلسطين» خير دليل (أعيد طبعه 14 مرة، آخرها سنة 2021). ما الفرق بين كل التجسس والمناورة ثم القتل والذبح والدم المُوَثق في العهد القديم من جهة، وصورايخ الـ إف 16 والأباتشي ودبابات الميركافا من جهة أخرى؟! ما الفرق بين كتاب سماوي يتعهد بالإبادة وطائرة درون مُسيّرة تقصف المستشفيات من السماء؟! التقنية تختلف؛ لكن العهد القديم مع جرم المتعهد الأميركي والأوروبي هو ذاته»(18).
فمن عاثوا ظلماً بأرض كنعان وصَلَنا منهم ورثة «العهد القديم» على أشكال ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغن وأرييل شارون وبنيامين نتنياهو(19).
هكذا «كانت قصص المؤرخين ورجال الدين وسردياتهم عن البحر الأحمر حاضرة عند قادة الحركة الصهيونية وقادة «الدولة» منذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية في بازل عام 1897، وقد عززت سردياتهم فرص اختيار فلسطين لإقامة مشروع الدولة اليهودية»(20).
و«تجلى رسوخ تلك السرديات بشكل عملي في خطة الاستيطان الصهيوني في فلسطين قبل قيام «الدولة» وبعدها، ففي عام 1938 بدأت عمليات الاستيطان في جنوب فلسطين، في النقب، ثم في أم الرشراش عام 1949، ثم سيناء وشرم الشيخ وجزيرتي تيران وصنافير عام 1956»(21).
عند مناقشة الجمعية العامة للأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين عام 1947، «أبدت الحركة الصهيونية اهتماماً بالغاً بجنوب فلسطين، ومارست ضغوطاً كبيرة على أميركا ليكون جنوب فلسطين من نصيب «الدولة اليهودية»، وتحقق لها المراد. وحين اكتمل بناء ميناء «إيلات» (أم الرشراش) في عام 1951، أعلن ديفيد بن غوريون أن أساطيل داود وسليمان ستشق طريقها من جديد في البحر الأحمر»(22).
انطلاقاً من فهم ما وراء تلك الميثولوجيا الصهيونية يفهم المرء ويتفهم الصراخ الموجوع والصياح المألوم الصهيوني الأمريكي الأوروبي لما فعله اليمن بإعلانه الحرب على الكيان الصهيوني وحصاره، حيث مزق السردية الصهيونية وأقفل الطريق أمام أساطيل داود وسليمان التي أراد بن غوريون لها أن تشق طريقاً في البحر الأحمر ونسف ما تبقى من نظرية بن غوريون لـ«الأمن القومي الإسرائيلي» التي قامت على ثلاث ركائز هي: التفوق الاستخباري، الردع، والحسم السريع، وهي التي أسقطها مجاهدو حماس وشقيقاتها في عملية «طوفان الأقصى» جملة واحدة.
«ما الذي جلب على هذا المشرقِ كُل هذه الويلات؟! من هو المجرم الحقيقي: المُحَرض أم القاتل؟! وهذا الهلال الخصيبُ الذي كان ملجأً للاجئين والمذعورين والمعذبين، ما الذي أوصلَ مُدُنَهُ إلى هذا الدمار الشامل؟!».
«خَلَقَ الله عالم البشر فقابلَهُ عالم الأفاعي، وهي التي أخرجتْ آدمَ من الجنة، وهاجمَتْ قاربَ «إنانا» في عودتها من السماء حاملةً شرائع الحضارة لسومر وأورورك، وهي التي سرقتْ عشبة الخلود من جلجامش في عودته من رحلته إلى غابة الأرز الخالد، في مزارع الجليل تصدى لهم السيد، مُسَمياً إياهم بأسمائهم: «يا أولاد الأفاعي، كيف تقدرون أن تتكلموا بالصالحات وأنتم أشرار... إني أريد رحمةً لا ذبيحة»(23).


الهوامش

1 - محمد حسب الرسول: البحر الأحمر بين الميثولوجيا الصهيونية ومدافعات اليمن (الميادين نت).
2 - المقدسي المعروف بالبشاري: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مكتبة مدبولي، ط3، 1991، ص18.
3 - عماد عطا الله: إسرائيل على حق ما دام الحق مع إبراهيم، «الأخبار» اللبنانية.
4 - المرجع السابق.
5 - نفسه.
6 - نفسه.
7 - نفسه.
8 - زينب الطحان: العبرية وفخ المصطلحات، «الأخبار» اللبنانية.
9 - نفسه.
10 - نفسه.
11 - نفسه.
12 - نفسه.
13 - آرثر كوستلر: إمبراطورية الخزر وميراثها - القبيلة الثالثة عشرة.
14 - إبراهام بولياك: خازاريا.
15 - زينب الطحان، مرجع سابق.
16 - نفسه.
17 - عماد عطا الله، مرجع سابق.
18 - نفسه.
19 - نفسه.
20 - محمد حسب الرسول، مرجع سابق.
21 - نفسه.
22 - نفسه.
23 - سمير عطا الله، انقضاء الشرق، ص 186.