«لا» 21 السياسي -
حدثني صديق بأنه شاهد مقطع فيديو لجنود صهاينة عاش أجدادهم في اليمن وهم في بناية مدمرة في غزة يرقصون على صوت مزمار شعبي يمني (صارت زوامل عيسى الليث هي المعادل الموضوعي للمقاومة الممتدة من خان يونس إلى خليج عدن، بل وباتت تتردد في جميع أصقاع الأرض، بما في ذلك الولايات المتحدة). وصديقي يحدثني تذكرت ما كشفت عنه وسائل الإعلام من تفاصيل قصة رضيعة فلسطينية تمت سرقتها من قِبل جندي صهيوني في لواء جفعاتي، قبل أن يُقتل في المعارك الدائرة في شمال قطاع غزة، في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت.
قد لا يبدو ظاهرياً أية علاقة بين الحدثين: المزمار اليمني وسرقة الرضيعة الفلسطينية؛ غير أني تذكرت أمراً يربط بينهما؛ فمن المؤكد أن هؤلاء الصهاينة المتراقصين على صوت المزمار البلدي وجثث أطفال غزة هم أنفسهم أبناء وأحفاد أطفال اليهود اليمنيين الذين سرقهم يهود الأشكيناز (اليهود الغربيين) من أحضان أمهاتهم في منتصف القرن العشرين. وإليكم القصة:
في منتصف القرن الماضي، وتحديداً بين عامي 1949 و1950، وفي خضم عمليات التهجير والتوطين الواسعة لليهود في فلسطين، قامت الصهيونية العالمية بترحيل حوالى 50 ألف يهودي مع أطفالهم، كانوا يعيشون في اليمن، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال عملية أُطلق عليها اسم «بساط الريح». وفور وصولهم إلى فلسطين، ظهرت قضية علنية تتمثل في اختفاء الأطفال، والتي عُرفت باسم «قضية أطفال اليمن»؛ إذ فُقد أكثر من 10 آلاف طفل يهودي يمني.
ادعت سلطات الاحتلال آنذاك أن الأطفال ماتوا في المستشفيات بسبب أمراض معدية، وتم إعلام أهاليهم بذلك دون إعطاء شهادات وفاة. لكن معلومات ترددت عن أنهم تعرضوا للاختطاف بهدف بيعهم لعائلات من أصول أوروبية وأمريكية ثرية تبحث عن أطفال للتبني، وأن كثيراً من المواليد اختُطفوا في عملية رسمية سرية منظمة من أجل تسليمهم لناجين من المحرقة النازية لليهود لا ينجبون، وفي رواية ثالثة أن الغرض من اختطافهم كان إجراء تجارب طبية عليهم.
وبدأت قصة «قضية أطفال اليمن» عندما تم إدخال آلاف الأطفال المهاجرين من يهود اليمن الذين كانوا في حالة صحية سيئة إلى المستشفيات، وذلك بعد أن تعمدت سلطات الاحتلال تجميع اليهود اليمنيين في «المعبروت»، وهي خيامٌ وأكواخٌ مؤقتة أُقيمت لإيواء المهاجرين ودون رعاية صحية، الأمر الذي أدى إلى إصابة أطفال اليمن بالأمراض، وكانت نسبة كبيرة منهم وصلوا إلى حالة صحية سيئة بعضهم كان يعاني سوء التغذية.
استغل مسؤولون في وزارة الصحة الصهيونية والوكالة اليهودية للهجرة تلك الأوضاع من أجل تنفيذ أبشع مخطط لفصل الأطفال اليمنيين عن عائلاتهم، وذلك بالادعاء أنّ كل الأطفال الذي نُقلوا من «المعبروت» للعلاج في العيادات والمستشفيات قد ماتوا.
وعند حضور عائلات الأطفال لزيارتهم قيل لهم إنهم ماتوا ودُفنوا، وفي معظم الحالات لم يحصل الآباء على شهادات وفاة لأطفالهم، كما لم يُسمح لهم برؤية الجثث، حتى أن العائلات التي تمكنت من فتح قبور أطفالها وجدتها فارغة. ورغم كثرة القصص والروايات الصهيونية لكنها لم تجب حتى الآن على السؤال الجوهري: ما الذي حدث للأطفال؟ وأين ذهبوا؟
الإجابة هي: إن من أبناء أولئك وأحفادهم هؤلاء الذين يرقصون على المزمار والجثث، ومنهم أيضاً من صاروا حكاماً لممالك ودول عربية، وفيهم بيننا جواسيس وخونة.
ما سبق ليست إجابة عاطفية عشوائية، فقد كان مصير أطفال يهود اليمن مرتكزاً على 3 روايات: الأولى: أنها كانت عملية خطف منظمة على أعلى مستوى لتوفير الأطفال لبعض الأزواج لليهود الأشكيناز ذوي الأصول الأوروبية والمقيمين الأجانب
أما الرواية الثانية فزعمت أن معظم الأطفال ماتوا بسبب الأمراض، باستثناء حالات قليلة نتيجة خطأ بشري. وفي رواية ثالثة -وهي المرجحة، لوجود بعض الدلائل عليها- أن الغرض من اختطافهم كان إجراء تجارب طبية عليهم. وبالفعل فقد كشفت وثائق صهيونية رسمية أن مئات الأطفال اليهود اليمنيين قد خضعوا لتجارب طبية، ونشرت لجنة متابعة القضية صوراً لبعضهم وهم عراة في غرف تشبه المختبرات العلمية.
هؤلاء الذين ظهروا في مقطع الفيديو هم من سلالة إبليس المصنوعة في معامل الصهيونية. أخيراً كان في اليمن يهود بالآلاف يتمتعون بكل حقوقهم وشعائرهم وكان لهم حاخامات وشيوخ ومشائخ. أحد هؤلاء الشيوخ كان يتمتع بعلاقات اجتماعية واسعة وباحترام كبير في أوساط طائفته وبين أبناء القبائل اليمنية. حين ذهب إلى فلسطين المحتلة ظن أنه سيبقى وضعه كما كان في اليمن، فوجد الأشكيناز يسكنون في الفلل والبيوت الفاخرة ويحتلون المناصب العليا المدنية والعسكرية، فيما يهود السفارديم (الشرقيين) بمن فيهم اليمنيون يوضعون في بيوت «العبروت» القذرة ويؤدون الأعمال الحقيرة، فكان أن تنهد طويلاً وقال قولته الشهيرة: «والله ما إسلام إلا في اليمن، ولا يهودة إلا في اليمن»!