من «تل أبيب» إلى صنعاء..مبيـدات سامـة بتوجيهـات «عليا».. بالوثـائق مـافيـا الاتجـار بالأرض والبشر
- تم النشر بواسطة خاص / لا ميديا

خاص / لا ميديا -
كمن باعوا دينهم مقابل الحصول على الدنيا، فوقفوا في صف العدوان على بلدهم، وقاتلوا ضد شعبهم المظلوم وارتكبوا الجرائم والموبقات والآثام من أجل الحصول على المال.. هناك أيضاً من يُتاجر في المضار التي تفتك بصحة الناس وتقتلهم، كالمبيدات الضارة التي تسبب الأمراض القاتلة.
هكذا شبه السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، من يتاجرون بالمبيدات المُسرطنة للبشر والمدمرة للأرض والإنسان، واصفاً في محاضرته الرمضانية (28 رمضان 1444هـ- 19 أبريل 2023م) المستوردين للمبيدات (الفتاكة) التي تسبب أمراضاً قاتلة للناس، بأنهم "قتلة" و"مجرمون"، و"ينبغي للجهات الرسمية أن تواجه نشاطهم الإجرامي؛ لأنه نشاط إجرامي بكل ما تعنيه الكلمة". مؤكداً أنها "قضية خطيرة جداً".
ولا يخلو خطاب أو محاضرة لقائد الثورة حول النهوض بالقطاع الزراعي حتى تحقيق الاكتفاء الذاتي والتحرر من هيمنة دول الاستكبار العالمي، من إشارة إلى المبيدات المستوردة ومعظمها سامة وذات تأثيرات تدميرية للأرض والإنسان، موجهاً الجهات المختصة بمنع دخول تلك المبيدات إلى اليمن، والعمل على إنتاج البديل الصحي والآمن، غير أنه بخلاف ذلك، شهدت بلادنا خلال الفترة الأخيرة دخول كميات كبيرة من المبيدات الزراعية بعضها محظور دخولها البلاد والأخرى منتهية الصلاحية، حيث تشير البيانات الرسمية إلى دخول نحو 14 مليون لتر مبيدات خلال العام 2023م، أي ما يقارب خمسة أضعاف الاحتياج المحلي في جميع محافظات الجمهورية والمقدر بثلاثة ملايين لتر فقط.
وفي تجاوز خطير، كشفت مذكرة صادرة من "مكتب جمارك ورقابة صنعاء" بتاريخ 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023م، تعرض مكتب الجمارك لاقتحام قوات أمنية، أجبرتهم على الإفراج عن شاحنة محملة بمبيدات صهيونية سامة محظور تداولها، تابعة لأحد كبار تجار المبيدات في اليمن، وكان المكتب تحفظ عليها سابقاً.
وطبقاً للمذكرة المعنونة بـ"محضر إثبات حالة" ومذيلة بتوقيعات كل من مدير عام جمارك ورقابة صنعاء، ونائبه ومندوب الأمن والمخابرات ومدير إدارة الضابطة في الجمارك، فإن قوات من النجدة أبلغتهم بإخراج القاطرة المحملة على متنها مبيدات سامة نوع "بروميدا الميثيل المحظور والممنوع" وإخراجها بصورة سرية دون علم الجمارك، وحين أفاد ضابط أمن الجمرك بعدم استطاعته إخراج القاطرة إلا بتوجيه من مدير عام الجمرك، قال له قائد كتيبة النجدة: "سنأتي ونخرجها بالقوة" مبرراً ذلك بقوله: "هذه توجيهات عليا من رئيس الجمهورية ومن مدير عام القيادة والسيطرة ولا يقدر أحد أن يقف أمامنا"، وفعلاً تم إخراج الشحنة بقوة السلاح، رغم إفادة مدير عام الجمرك أن الشحنة تحمل مواد سامة وعالية السمية ولا بد من موافقة الجهة المختصة ممثلة بوزارة الزراعة.
أدى تسريب هذه المذكرة إلى حالة من السخط بين أوساط المدونين والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين نفذوا حملة واسعة خلال الأيام الماضية لتتحول قضية إدخال المبيدات السامة إلى قضية رأي عام.
وتوالت الوثائق المسربة لتكشف عن عمليات ممنهجة لتجارة واسعة لعشرات الأصناف من المبيدات المحظورة والمحرمة والمقيدة يتم إدخالها إلى اليمن وبكميات كبيرة، تقف خلفها مافيا إجرامية متغلغلة في مفاصل الجهات المختصة.
من تلك الوثائق مذكرة مرفوعة من وزير الزراعة والري إلى مدير مكتب رئاسة الجمهورية بتاريخ 6/1/1443ه بخصوص طلبات مزارعين في صعدة لمبيدات بروميد الميثيل.
وجاء في المذكرة أن الإدارة العامة لوقاية النبات في وزارة الزراعة "لا تستطيع التصرف في هذا المبيد ولا تستطيع إصدار تصريح باستيراده لأنه ضمن قائمة المبيدات الممنوعة والتي لا يسمح بدخولها إلى البلاد، كما أن بلادنا موقعة على منعه ضمن اتفاقية مونتريال" الدولية.
ومذكرة أخرى صادرة عن الهيئة العامة لحماية البيئة بوزارة المياه والبيئة، وموجهة إلى رئيس مصلحة الجمارك، بتاريخ 24 كانون الثاني/ يناير 2021م، تنص على "لا يسمح بتداول مبيد بروميد الميثيل كونه ممنوعا قانوناً ولا يسمح لأي جهة تخالف ذلك وفقاً للقرارات الجمهورية بالقوانين المبينة في الوثيقة".
ووثيقة صادرة من قطاع الخدمات الزراعية بوزارة الزراعة وموجهة إلى مدير عام جمرك رقابة جبل رأس ومندوب الحجر النباتي بجمرك جبل رأس، بالإفراج عن شحنة مبيد بروميد الميثيل تحت التحريز، بمبرر أنه سيتم استخدامها تحت إشراف وزارة الزراعة، بالإضافة إلى وثيقة صادرة من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، موجهة إلى رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة بتاريخ 13 فبراير 2022م، تعقيباً على خطاب رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة بتاريخ 20/6/1443ه، بشأن الإفراج عن شحنة مبيد بروميد الميثيل المتواجد في مركز ذمار وعفار بإجمالي 1075 كرتونا.
وأكدت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد عدم السماح بالإفراج وقالت إن "الهيئة لن تكون طرفاً لتمرير اختلالات أو تحليل أو تسويغ لأي عمليات إدخال لمبيدات محظورة وممنوعة مضرة بالبيئة والإنسان وتؤثر بشكل مباشر وغير مباشر بالأمن الغذائي للبلاد وتتحملون مع وزارة الزراعة والري مسؤولية أي قرارات تحت مسمى معالجات تؤثر على الصحة والسلامة العامة والأمن الغذائي، وسوف نباشر التحقيق في كيفية إدخالها وتهريبها إلى أراضي الجمهورية وأسباب السماح بإدخالها من منفذ عفار إلى جمرك رقابة صنعاء ومحاولة الإفراج عنها".
وحصلت صحيفة "لا" على عدد من الوثائق حول إفراجات مماثلة لشحنات من المبيدات السامة والمسرطنة والمحظورة عالمياً، تمت خلال فترات مختلفة من الأعوام الماضية.
مبيد بروميد الميثيل
يعتبر مبيد بروميلد الميثيل، محظورا عالمياً وبدأ العالم في التخلص منه مطلع القرن الحادي والعشرين، وتم حظره في اليمن عام 2013م نتيجة آثاره الخطرة على صحة البشر والتربة والمحاصيل الزراعية.
وكشف تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "البوابة نيوز" المصرية، نُشر في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2017 أن شركة “حيفا كيميكال” الإسرائيلية، هي المصنع الأول في العالم الذي يسيطر على إنتاج غاز “بروميد الميثيل”، المحرم دوليا بموجب اتفاقية “مونتريال”.
وطبقا للتحقيق فإن نحو 2500 شاحنة تقريبا تنقل منتجات غاز “بروميد الميثيل”، إلى “ميناء حيفا” من مقر إنتاجه في البحر الميت (المنطقة التي تسيطر عليها “حيفا كيميكال” إلى جانب ميناء أسدود).
وتعمل شركة “تكنوجرين” كوكيل لبيع المنتجات التي تصنعها معامل شركة “حيفا كيميكال”، التي جرى تأسيسها عام 1998م في منطقة “النقب”، في الأراضي المحتلة، وبلغت قيمة مبيعاتها عام 2010م، 700 مليون دولار أمريكي.
وشركة “حيفا كيميكال” كانت مملوكة للحكومة الإسرائيلية قبل أن تبيعها حكومة إسرائيل لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق “دونالد ترامب” الذي اشترى الشركة من الحكومة الإسرائيلية في عملية خصخصة تهدف لتنمية أنشطة المصنع بافتتاح فرع آخر في إسرائيل وثالث في فرنسا.
وطبقا لتحقيق البوابة المصرية فإن فحوصات أجريت على أمهات مرضعات أظهرت احتواء حليبهن على سموم نتيجة “بروميد الميثيل” مميتة لأطفالهن وفقا لما أثبتته ناريمان العطاونة في دراستها “المبيدات الزراعية وأثرها على الصحة”، من خلال المسح الميداني الذي تضمن سحب 46 مستخلصا لعينات من حليب الأمهات تم تحليلها في معمل متبقيات المبيدات بوزارة الزراعة.
وتضمن المسح الميداني، وفق التحقيق، سحب 51 عينة من دم المزارعين بواسطة أطباء متخصصين، وأظهرت النتائج وجود مركبات هيدروكربونية محظورة في دم المزارعين.
ومن بقايا المبيدات المحظورة التي عثر عليها في الدم وحليب الأمهات: “المركبات الهيدروكربونية، مثل مبيد ديلدرين، مبيد دي دي إي، ويحتوي على مادة الميثيل، توباز، توفز، نماكور وميتاسيستوكس وروجر، وغاز بروميد الميثيل” الذي يؤدي تكرار استخدامه إلى الترسب في التربة وتلويث مصادر المياه، وزادت مع استخدامه حالات الإصابة بالفشل الكلوي وأمراض الكبد”.
وكانت مصر وقعت على البروتوكول في عام 1997م مقابل منحة مليار دولار أمريكي لإيجاد حلول بديلة وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن معدلات استخدامه “صفر” عام 2015م، عقب أن كانت 307 أطنان سنويا.
وبحسب التحقيق فإن إسرائيل التي تعتبر هي المصدر الأول لـ”بروميد الميثيل” تمنع استخدامه داخل الأراضي المحتلة طبقا لموقع حماية البيئة.
وتؤكد “جميع الأبحاث أن بروميد الميثيل يصيب بسرطان الجلد، ويصيب النباتات بالتقزم والتشوه ويجهض الحيوانات، ويترك البروميد متبقيات في الثمار” وفق تصريح الدكتور محسن عثمان رئيس قسم الزراعة الحيوية بالأزهر، ومستشار سابق بالأمم المتحدة لمشروع بدائل الميثيل «UNP».
طبقة الأوزون بخير
من جهتهما أكدت وزارتا الزراعة والري، والمياه والبيئة في صنعاء أنه لم يتم إدخال أي شحنات مبيدات مستوردة من الكيان الصهيوني، وأنهما لن تسمحا بذلك على الإطلاق.
وقالت الوزارتان في بيان مشترك أمس إن مبيد "بروميد الميثيل" الذي هو عبارة عن مبيد غازي، يستخدم لمكافحة آفة الديدان الثعبانية "النيماتودا" في الزراعة المحمية والتربة مازالت خالية من الزراعة، وكذا مكافحة الآفات الحجرية، ولا يتم استخدامه على المزروعات بتاتاً، مع العلم أن أسباب المنع هي دخوله ضمن قائمة المواد المستنفدة لطبقة الأوزون.
وأكدتا وزارتا الزراعة والري والمياه والبيئة أن مبيد "المانكوزيب" يعد من المبيدات المقيدة وليس الممنوعة، وأن المبيدات المقيدة هي التي يسمح باستيرادها بكميات محددة في حالات الاحتياج ويتم استخدامها تحت إشراف الجهات المختصة.
المصدر خاص / لا ميديا