ملحق «لا» 21 السياسي - العدد (1473)
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

إشراف وتحرير: علي عطروس -
أعاصير القيامة
اليوم يقتص اليمانيون للإنسان والتاريخ، والأوزانُ تفرز في مهب البأس.
لا عقبى على ظهر الوجود لمشيخات التابعية والإقامةْ
هذا سِماكُ جباهنا الأزليّ، يا غُتَرَ الرؤوس الطافرات من القزامةْ
هذا مدار جلالنا الثوري
ترفعه الخوافق والبنادق فوق أنقاض الجلالة والفخامةْ
نفخ اليمانيون صُوْرَ الخسف واحتدمت أعاصير القيامةْ!
صلاح الدكاك
ما أشبهه بـ«أبيه».. ما أشبهكم بـ«زياد ابن أبيه»!
علي عطروس
«صرنا في زمن، لو عطس نتنياهو لقال مشايخ السلفية المعاصرة: يرحمكم الله!!»
(مهنا حمد المهنا).
قبل أكثر من عقدٍ من السنين كان لي زميل في العمل (سروري، سلفي) زارني ذات مقيل وأنا أستمع وأشاهد كلمة متلفزة مباشرة لسيد شهداء القدس السيد الشهيد حسن نصر الله، وكان الصوت مرتفعاً للغاية كعادتي مع خطابات السيد الشهيد، وكان تنظيم القاعدة يحكم رداع حينها.
انتظر الزميل مني تخفيض الصوت إن لم يكن «إحراجاً» منه وله فخوفاً من مكحلي «المناسح»؛ لكني لم أفعل حتى أنهى السيد الشهيد خطابه، ودار بعدها بيني وبين ذلك الزميل نقاشاً ساخناً أتذكر خلاصته بقوله: «كم نتمنى أن يكون لنا قائد ذو كاريزما ومصداقية وفصاحة وشجاعة حسن نصر الله، ولولا عقيدته الباطلة لجعلت منه قائداً لي»!
ضحكتُ ساعتها على تعليقه لتمر الأيام والليالي، ويصبح ذلك الزميل بعدها إعلامياً مرتزقاً مع العدوان على اليمن وفي العدوان على سورية ثم عميلاً ناطقاً بلسان الصهاينة من بعد «طوفان الأقصى».
تذكرت ما سبق وأنا أقرأ وأستمع وأشاهد ذلك الزميل وأشباهه وهم يتشفون اليوم في استشهاد السيد نصر الله، ويوزع أطفالهم الحلوى في مناطق سورية المحتلة ويعلقون لافتات كتب عليها «شكراً نتنياهو»!
ظل السيد حسن لسنوات معرضاً لتهم التدخل في سورية، وهي التهم التي أراد منها الدواعش وأسيادهم الصهاينة زرع المزيد من الشقاق والانشقاق الطائفي بين السنة والشيعة، لينصف الله السيد بأيدي هؤلاء أنفسهم، الذين تكشف عنهم غطاء الجهاد وافتضحت دعاواهم وظهرت صهيونيتهم فيما يقولون ويفعلون، وذلك بعد أن كان الله سبحانه قد أنصف الرجل باستشهاده على أيدي أشد أعداء الله وأكثرهم عداوة: اليهود، دافعاً ثمن مواقفه العظيمة مع فلسطين والقدس وغزة وجميعها كان يحسبها ذلك الزميل من السنة، وإني لأكاد أراهُ (ذلك الزميل) يعض أصابع الندم والحسرة والحسد من عظمة ممات السيد نصر الله كما كان يفعل من عظمته في حياته.
***
يكتب الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي عن أمثال هؤلاء:
«كان على صواب، وكنتم مخطئين، وما نقمتم عليه إلا ما اضطررتموه إليه حتى لم يجد منه بداً، ولم أجد في سير العرب والعجم رجلاً أشبه آباءه مثله، وإن من يشتمونه أو يشمتون به اليوم مثل من شمتوا بآبائه وشتموهم على المنابر من قبل. هم غبار على شعاع الشمس لا يزيده الا تجلياً، ولا يُلتَفَت إليهم في هزيمة ولا نصر. هو القصة كلها، هو القدس في عمامة، وآيات من القرآن تمشي على قدمين وتبتسم للناس...».
ويخاطب جنود نصر الله: «وعدكم بالنصر، وهو لم يكذب عليكم، فإن صدّقتموه... فبأيديكم أنتم سيصدق وعده لكم».
سيــــدي حســــن
اليوم، يرفع ملايين الأحرار قبضاتهم إلى الأعلى باتجاه السماء بكل عنفوان وعزة وأنفة، اقتداءً بسيد شهداء القدس، الشهيد حسن نصر الله، الذي أعاد الاعتبار للسيادة والشهادة والقيادة، هاتفين وراءه ومن بعده: «لبيك يا سبط النبي. لبيك يا حسن. لبيك يا حسين...»، «سيُقلع باب خيبر مرّتين، ويُقتل مرحب مرّتين».
محور «الجزيرة» من ضاحية البكاري إلى ساحل النمري
يقف على حافة الضاحية الجنوبية لبيروت مراسل «الجزيرة» الإخوانجي «البديل» حمدي البكاري، ويقف على ساحل الحديدة مراسل «الجزيرة» الإخوانجي الأشد سمير النمري، لينقلا بالصوت والصورة مباشرة ما جرى ويجري وسيجري. وبين الاثنين طابور طويل من المحللين والتقنيين والأجهزة والتكنولوجيا والشيكات المفتوحة وشريط العاجل نقلاً عن هيئة الإذاعة العبرية وباقي أذرع الموساد الإعلامية.
أستغرب من تركيز بعض الزملاء على التحذير من قنوات «العربية» و«الحدث» و«سكاي نيوز عربية»، وهي ناطقة بالكفر البواح ولا تحتاج إلى كل ذلك النقد وكل تلك المتابعة، فيما يتعامى البعض عن قنوات «الجزيرة» ودورها الاستخباري المتقدم، ودسها لسم فايز الدويري وإلياس حنا في عسل سعيد زياد وأحمد الحيلة، إذ تستقبل مجموعة من المحللين الإعلاميين والسياسيين الذين يدعمون المقاومة، بينما تعرض عشرات الأخبار نقلاً عن العدو.
تستعمل «قتلى» بدلاً من «شهداء»، وتروج لسرديات العدو «الإسرائيلي» وتستبدل العبرية بالعربية لا غير.
وبلاها، بل وبالناقص، نقل «الجزيرة» لبيان واحد للعميد سريع مع عشرات البيانات لناطق الجيش الصهيوني. اللهم فاشهد.
الزواحف قادمة
(النودلية) توكل كرمان، وتزامناً مع إعلان الاحتلال «الإسرائيلي» تنفيذ عملية برية في لبنان (الممول واحد)، وبعد إلقائها كلمة في مؤتمر عن العدل والسلام في لاهاي بهولندا، كتبت منشوراً يقول:
«والزحف آتٍ يا صنعاء فارتقبِ»!
تتلقى على إثره مئات التعليقات واللعنات والشتائم. والتساؤل الذي ظل معلقاً منذ العام 2011 أجاب عليه الشاعر العربي القديم:
عجوز لو رُميت في قعر بحر
أتت للبر «قائدة» لحوتِ
«تقود» من السياسة ألف بغلٍ
إذا «جرّوا» بخيط العنكبوتِ!
لكلّ حَسَن حَسَنان
لا بديل واحداً لسماحة السيّد حسن عبد الكريم نصر الله، تشي غيفارنا السرمدي. لكنّ البدائل متى اتّحدت تخلق حالةً ليس بإمكان شخصٍ واحدٍ إشغالها. كان يحبّ السيّد الإطالة في الكلام قبل إيصال الفكرة الأساس. الإطالة في الشرح كلّ مرّة هي أساسٌ في بناء الوعي لدى الجيل الذي يمهّد طريق القدس. كم كنّا نتمنّى أن يؤمّ الصلاة بنا، نحن من لم يصلّوا يوماً، حفيد النبيّ الأسطوريّ، في الجامع الأقصى. لكن سنصلّي في القدس، آمنّا أو لم نؤمن بأيٍّ من أديان القدس. فالإيمان بالقدس وتحريرها دينٌ بحدّ ذاته.
اليوم، وبعدما سلّم السيّد حسن الأمانة، هناك كثيرون «عم يشيلوا كتف». كثرٌ متعدّدو اللغات والمذاهب والأديان. هذه حالة تركة الثوّار الأمميّين. لكلّ حسنٍ حسنان وثلاثة وأربعة ومائة. هناك من ينظّر بأنّ القادة لا يُستبدلون بسهولة، ولا يمكن استبدال قامة جبّارة مثل القامة الجبّارة التي رحلت. سألت الوالد عن أجواء النكسة عام 1967، وقال لي: النكسة هي من سمّتك «جمال»، وسمّت الملايين باسم الخالد الأوّل. الخالد الثاني في جيلنا سوف يلهم ملايين أُخر؛ لكن لنركّز على حسنين منهما.
الحسن الأول هو يحيى أبو إبراهيم السنوار في غزة فلسطين. لا هزيمة لمقاومة يقودها يحيى السنوار، كما أنه لا هزيمة لمقاومة قادها السيد حسن نصر الله. النصر حتمي رغم النكسات. رمزية القائد مهمة جدّاً في المواجهة؛ لكنّها في الأخير رمزيّة. لم يحمل السيد حسن نصر الله صاروخاً منذ عقود عدّة، ربما في عشرينيّاته تعاون مع بعض رفاقه لرفع صاروخ كاتيوشا عن الأرض؛ لكن حتماً البأس الآتي من المقاومة لا جهد جسدياً فيه من القائد الجهاديّ الكبير الكبير جدّاً. رحل السيد حسن كما كان متوقعاً. هل كان يتوقّع أحدٌ مصيراً مغايراً لمن كرّس عمره لإزالة الكيان السرطانيّ من الوجود؟! أربعة عقود ونيّف من تقصير عمر الكيان الاستعماريّ ليست فقط إنجازاً، بل أسطورة. من شبه المستحيل أن تبرز أسطورة أخرى في جيلنا بحجم الثائر الأممي حسن نصر الله؛ لكن الأكيد أنّ القليل من نصر الله نثر على جيلٍ، بل أجيالٍ، من الثوار في سبيل فلسطين.
الحسن الثاني هو عبد الملك بدر الدين الحوثي. هو أحسن الحسنين. إن كان تحرير فلسطين سيكون على يدَي السنوار الجبّار، فتحرير الجزيرة العربية، وربما مصر العرب أيضاً، من استعمار الأمريكان، سيكون على يد ذاك الشاب اليمنيّ وخنجره. اليمن الذي طالما أرعب وكلاء الاستعمار أبناء سلالات العملاء، من جنوبه أيّام عبد الناصر، وشماله اليوم، سوف يكون رأس الحربة في الصراع التحرّري بلا منازع. الحوثي طليق اللسان، السنوار طليق الرصاص، الاثنان حسنان من آلاف.
يقف هذان القائدان الحسنان على أرضية لم يكن ليحلم بها الأسطورة الثورية الأممية سماحة السيّد حسن نصر الله يوم انطلق ورفاقه بثورته. انطلق من الكرنتينا ناجياً من مذبحةٍ. «الإسرائيلي» كان محتلّاً لبيروت ومحاصراً لكلّ من كان يحمل السلاح يومها. «الإسرائيلي» اليوم بعيدٌ عن بيروت إلّا بقنابل الأمريكيين المرميّة من الجوّ. «الإسرائيلي» والأمريكي لن يصلا إلى بيروت، بل لن يصلا إلى بنت جبيل. هذا من فضل رجالٍ ونساءٍ سمعوا بشغفٍ إطالة الشرح من السيد حسن. الفكرة وصلت، ولن ينتزعها أحدٌ من آلاف الأدمغة التي رسخت فيها. إنّها الثورة التي أطلقها الثائر الأممي، إنّها الثورة التي انطلقت بألسنة عدّة. لكلّ حسن حسنان هو أقلّ تقدير. هم آلافٌ وليسوا اثنين.
جمال غص
«الأخبار» اللبنانية
الحــــرب الشاملـــــة بالمعكـــــوس.. يا لثـــــارات الحســــــن!
لأول مرة منذ نشأته يتعرض كيان الاحتلال «الإسرائيلي» المجرم لهذا الوابل المنهمر من الصواريخ. فعلتها إيران إذن وفاجأت الجميع، حتى أولئك المحسوبين على محور المقاومة، ومنهم من كان يائساً من أي تحرك إيراني عسكري مباشر تجاه الكيان، خاصةً بعد اغتيال الشهيد القائد العظيم السيد حسن نصر الله. مئات الصواريخ انهالت على مناطق الاحتلال. وبرغم حديث الصهاينة وأبواقهم عن فشل الضربة الصاروخية، التي أكدت طهران نجاحها؛ فإن من الواضح أن كيان الاحتلال تضرر بشدة، والأدلة المؤكدة حتى الآن والتي يحتاج المزيد منها إلى وقت أطول هي كما يلي:
• انخفاض ملحوظ في الغارات والطلعات الجوية الصهيونية، وهذا يشير لتضرر سلاح الجو. قبل الضربة العسكرية الإيرانية كان الطيران الصهيوني يسرح ويمرح طوال أيام وعلى مدار الساعة، وهذا اختلف الآن بشكل جزئي.
• صور الأقمار الصناعية للقواعد الجوية المستهدفة مشوشة منذ الصباح، ويقول الخبراء إنها سحابة إلكترونية صناعية وضعتها الشركات فوق هذه القواعد خصيصا لعدم كشف الدمار الذي حدث، وهذه السحابة لم تكن موجودة قبل أيام. غير أن صور الدمار الذي لحق بقواعد الكيان الجوية، والتي نشرتها وكالة «أسشوتيد برس» وإن كانت «خجولة» فإنها تشير إلى رأس جبل الجليد.
• انخفاض معنويات الجنود «الإسرائيليين»، نتيجة لانخفاض معنويات القادة والمستوطنين هناك، والنتيجة المباشرة وقوع جنود الجيش «الإسرائيلي» في كمائن كثيرة على أيدي مجاهدي حزب الله جنوب لبنان. قبل الضربة العسكرية الإيرانية كانت معنويات الجيش «الإسرائيلي» عالية، ولديه مخزون كبير من الثقة والغطرسة وضعته في موضع المهاجم الواثق والقوي الذي يختار أهدافه بعناية.
الأهم مما ورد أعلاه -على أهميته طبعاً- يمكننا إجمال مكاسب العملية في بعدها الاستراتيجي وكما يلي:
• أثبتت إيران قدرة كبيرة على تحييد الدفاعات الغربية إذا لم تكن هناك معرفة مسبقة بالعملية. وقد تجلى هذا كنتيجة طبيعية لعملية «الوعد الصادق 1» في نيسان/ أبريل الماضي، حين تمكنت إيران من كشف مواقع الدفاع الجوي للكيان وحلفائه، وبالتالي تمكنت الصواريخ المرسلة هذه المرة من الوصول لأهدافها رغم اعتراض بعضها.
• أعادت إيران نظرية الردع مرة أخرى، فقد بات من الواضح باغتيال الشهيدين إسماعيل هنية ثم سماحة السيد حسن نصر الله أن الكيان لم يعد يعير أي أهمية للقوة العسكرية الإيرانية، بل بات يستخف بها؛ هذه العملية أوضحت أن إيران ليست ضعيفة بالصورة المتخيلة.
• أرسلت إيران أيضا رسالة مؤلمة للكيان بأن مدنه ليست بعيدة عن متناول الصواريخ الإيرانية. بالفعل تم تحطيم عدد من الأهداف العسكرية للكيان وتم استهداف عدد من المدن.
• مسألة «الاختراق» المعضلة الكبرى التي حاول الكيان إبرازها عبر الأسابيع الماضية. كان من الواضح بعد عملية البيجر ثم تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ثم اغتيال السيد حسن، أن حزب الله وإيران كلاهما مخترق مخابراتيا بصورة مخيفة، ما يجعل أي عمل يقوم به أي منهما مكشوفا تماما للجانب الصهيوني. أتت عملية «الوعد الصادق 2» كمفاجأة، وهو ما يعرض فكرة الاختراق للسؤال مرة أخرى: هل إيران بالفعل مخترقة للعمق كما تصور كثيرون؟ وهل حزب الله مخترق للعمق أيضا؟ كفاءة عملية الأربعين يوم 25 آب/ أغسطس ومقتل القائد الكبير يوسي ساريل، قالت بوضوح إن حزب الله بإمكانه تسديد ضربات قوية رغم وجود اختراق. رد الكيان بهجوم البيجر وما تلاه كي يقول إنه يخترق حزب الله بالفعل؛ لكن ما أتى بعده وعملية «الوعد الصادق» أثبتا أنه رغم وجود اختراقات خطيرة إلا أنها ليست كما تصور كثيرون، وأن إيران والحزب كلاهما قادر على تسديد ضربات مؤلمة للكيان.
• رسالة أخرى واضحة ومهمة: المرة الماضية حذرناكم قبل الهجوم؛ هذه المرة هناك تحذير سريع وهاجمنا المدن بدون إيذاء كبير؛ المرة القادمة سيكون هناك مدنيون كثيرون بين الضحايا. هجومنا غطى الكيان بكامله ولستم بمأمن أينما كنتم.
• إثبات الكفاءة: إصابة القوات الصهيونية المتمركزة في محور صلاح الدين بغزة بهذه الدقة أوضح دقة الصواريخ الإيرانية وقدرتها على إصابة أهدافها بكفاءة كبيرة، حتى لو في قلب غزة أصيب الجنود الصهاينة ومركباتهم بينما حولهم لم يصب بأذى.
• أحسب أن أهم ما حققته الضربة هو أنها أعلمت الكيان بصورة واضحة أنه ليس بمفرده في الساحة، وأن استقواءه على فلسطين ولبنان ليس في صالحه، وأن جرائمه في حق المدنيين سيكون عليه أن يتحمل تبعاتها. الكيان كما نرى جميعا لا يتمتع بأي مسؤولية أخلاقية عن أفعاله؛ لكن المسألة ليست أخلاقا فقط، فهناك الآن قوة أخرى كبيرة وقادرة على تسديد ضربات، مما يضع نظرية التفوق الصهيوني الكبير برمتها في مهب الريح.
لا يستبعد لجوء الصهاينة لخيار شمشون والتهور؛ إما باغتيال قائد إيراني كبير أو قصف المحطات النووية؛ فنحن أمام زعماء صهاينة أكثر تهورا وغطرسة ربما في تاريخ الاحتلال؛ غير أن من المؤكد أيضاً وفي حال اعتدت «إسرائيل» على إيران مرة أخرى سيكون الرد الإيراني سريعا ومدمرا، ليس كما سبق تأخير شهر أو شهرين؛ والسبب أن إيران قبل تنفيذ ضربتها الأخيرة وضعت خطة (رد الرد)، وصور الأقمار الصناعية كشفت عن استعداد الحرس بنصب الصواريخ، مما جعل البعض يتوهم أن هناك موجة ثانية من القصف.
تدمير المشروع النووي الإيراني يقابله تدمير مفاعل ديمونة النووي «الإسرائيلي». ضرب مؤسسات الدولة الإيرانية سيقابله ضرب مؤسسات الكيان «الإسرائيلي». اغتيال قيادات إيرانية سيقابله اغتيال قيادات «إسرائيلية». تدمير مدن إيرانية سيقابله تدمير مدن «إسرائيلية»... الفكرة أن ما دامت صواريخ إيران قد وصلت إلى الكيان الصهيوني دون القدرة على اعتراضها فقد تحقق مبدأ الردع، لم تعد «إسرائيل» بحاجة لميزان أخلاقي للتفكير؛ ولكن ميزان البراجماتية والمصالح، أخلاقهم الخاصة تدفعهم للجنون والتهديد والتدمير؛ لكن مصالحهم تستدعي التروي والتأمل في الثمن المدفوع.
«تل أبيب» لم تعد مدينة صالحة للعيش، صارت تحت التهديد اليومي والقصف الدائم لصواريخ لبنان واليمن والعراق، واليوم صارت تحت تهديد أوسع في حال تصعيد «إسرائيل» ضد الإيرانيين.
كان نتنياهو يريد عودة مستوطني الشمال، والآن مستوطني «تل أبيب» أنفسهم سيتم تهجيرهم إلى مناطق آمنة بعيدا عن الأهداف العسكرية والمدنية.
الآن -كما يقول سامح عسكر- زال حاجز الخوف، وفي المعارك ينصح القادة دائما بعدم منازلة الشجاع المنتقم، وهذه طبيعة المقاتل والمقاوم هذه الأوقات، فهو يريد الانتقام وردة شرفه لخسائره الفترة الماضية، وفي الوقت ذاته لم يعد يخاف من خسائر أكبر من خسارة أهم زعيم للمقاومة ضد «إسرائيل».
طوال عامٍ مارس الصهاينة الأمريكان ديدنهم في الخداع ودينهم في الكذب، من خلال الحديث المكرور والممجوج عن المفاوضات والتحذير من الحرب الشاملة في المنطقة، وفي الوقت نفسه دفعوا وما يزالون بحاملة طائراتهم المسماة «إسرائيل» إلى شن تلك الحرب بداية من غزة وليس نهاية بطهران مروراً ببيروت وصنعاء ودمشق وبغداد...
اليوم، ومع الذكرى الأولى لـ»طوفان الأقصى» العظيم، تحتم على محور المقاومة المبادرة بشن تلك الحرب ضد الكيان المجرم، وحتى المصالح الأمريكية في المنطقة إن تدخلت واشنطن علانية في الحرب، وذلك قبل أن يستمر ذلك الكيان بقضم كل ما يستطيع من أذرع المحور، وقبل أن تنتقل نيرانه المجرمة من غرفة في بيت المقاومة إلى أخرى.
نعلم أن التكتيك الصهيوني في هذه اللحظة يعتمد على جر المنطقة إلى حرب شاملة ومفتوحة، وأن البديل التكتيكي الآخر هو القضم والهضم قطعةً قطعة، وفي كلتا الحالتين يلزم المحور المبادرة. وكان لافتاً إشارة العميد سريع في أحد بيانات القوات المسلحة اليمنية نهاية الأسبوع الماضي إلى استعداد اليمن للمشاركة في أي عملية جماعية لمحور المقاومة ضد كيان الاحتلال. ورحم الله الشاعر الكبير عبدالله البردوني وهو يقول:
إذا لم تغضبوا مثلي لهذا سيتلو أول المكروه ثانِ!
بايدن يخسر في لبنان مرتين «سيُقلع باب خيبر مرّتين، ويُقتل مرحب مرّتين».
في صيف 1982 اجتاح الصهاينة لبنان وصولاً إلى بيروت، بعملية سمّوها «سلامة الجليل»، بمبرر حماية مستوطنات شمال فلسطين المحتلة من عمليات المقاومة الفلسطينية واليسارية اللبنانية حينها. كان المجرم الصهيوني جو بايدن حينها رئيساً للجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس الأمريكي، والتقى بالمجرم مناحيم بيغن، رئيس حكومة الاحتلال في ذلك الوقت. يروى عن بيغن تفاجؤه وهو المجرم الكبير بكلام بايدن له عن ضرورة ارتكاب مجازر شنيعة وبشعة بحق العرب، تأديباً لهم، وهو ما تجاوز حتى فظاعة بيغن نفسه. في الإعلام كان الأمريكيون يدّعون الدعوة للتهدئة وضبط النفس وضرورة وقف إطلاق النار، مع «تفهُّم» العملية «الإسرائيلية»، وهذا ما يتحدث به اليوم بايدن عبر إدارته علناً، بالخداع والكذب والنفاق ذاته، فيما العالم أجمع يعلم أنه عدوان أمريكي في المقام الأول كما كان في 1982.
في ذلك الوقت أُخرجت المقاومة الفلسطينية من بيروت إلى تونس، بتواطؤ عربي وغربي، تزامناً مع ظهور حزب الله في أعقاب الاجتياح، كمقاومة إسلامية، وتحوله لاحقاً إلى قوة رئيسة في الساحة اللبنانية والإقليمية، وتهديد أكبر لم يشهده الكيان من منظمة التحرير.
وانسحب جيش الاحتلال في العام 2000 بعد أن أرهقه حزب الله، الذي قاد حرب استنزاف طويلة وقاسية، حتى أنه تشكلت حركة في الأوساط «الإسرائيلية» تُعرف بـ«حركة أمهات الجنود»، ضغطت لانسحاب الجنود «الإسرائيليين» بعد تكبدهم الخسائر البشرية، وفشل حلفائها المحليين من المرتزقة والخونة مما كان يُعرف بـ»الجيش اللبناني الجنوبي» الذي تشكل بدعم «إسرائيلي»، ويحاول اليوم الصهاينة معاودة الكرة بتسليم لبنان لعملائهم المحليين، إنما دون فائدة وبلا أفق استراتيجي.
وهُزم الصهاينة في 2006، وعاشوا وما يزالون أربعة عقود من كابوس المقاومة الإسلامية في لبنان. وما أشبه اليوم بالأمس! فلبنان هو كابوس الصهاينة في الأمس، واليوم، وغداً، والمقاومة بكلّ أشكالها ستظل تولد كلّ مرة من جديد، فكيف وقد صنع سيد شهداء القدس رجالاً لا تموت، وزرع أفكاراً لا تبلى؟! والمقاومة باقية ما بقي الكيان، الذي سيُهزم بنتنياهو وبايدن وغالانت والأعراب كما هُزم ببيغن وريغن وشارون والأعراب أيضاً.
وكما غنى آباؤهم بالأمس:
«اشهد يا عالم علينا وعا بيروت
اشهد عا الحرب الشعبية
واللي ما شاف من الغربال يا بيروت
أعمى بعيون أمريكية»!
يشهد اليوم أبناء السيد العالم:
«نحن رجالك يا نصر الله»، ويعاهدونه: «سيُقلع باب خيبر مرّتين، ويُقتل مرحب مرّتين».
سيحمدون الله مستغفرين مع بدر شاكر السياب:
«لك الحمدُ مهما استطال البلاء
ومهما استبدَّ الألمْ...
لك الحمدُ، إن الرزايا عطاااااااااء
وإنَّ المصيباتِ بعضُ الكرمْ...»
ويرددون مع أمل دنقل:
«إنه ليس ثأرك وحدك
لكنه ثأر جيل فجيل
وغداً سوف يولد مَن
يلبس الدرع كاملةً
يوقد النار شاملةً
يطلب الثأر
يستولد الحق مِن
أضلع المستحيل»!
المصدر «لا» 21 السياسي