«لا» 21 السياسي -
أثار الإعلان غير المعتاد عن أن شركة «ستارلينك» ستقدم خدمات الاتصال عبر الأقمار الصناعية في غرب آسيا لأول مرة في اليمن، من بين الدول العربية جميعها، ضجة في صنعاء، التي تعتقد أن المشروع يسعى للتسلل إلى أجهزة الأمن الوطني اليمنية لعكس الخسائر الأمريكية و»الإسرائيلية» على الممرات المائية في المنطقة.
أعلنت «ستارلينك» بدء خدماتها في اليمن كأول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بإمكانية الوصول الكامل إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية. فهل توفر شركة «ستارلينك» لخدمة الإنترنت الفضائي غطاءً استخباراتياً للولايات المتحدة بعد فشل تحالفها «حارس الازدهار» في البحر الأحمر لوقف جبهة اليمن المساندة لفلسطين؟ وهل تخرق أمن اليمنيين لتقدّمه على طبق من فضة للكيان الصهيوني؟
أسئلة لا تزال قيد البحث منذ إعلان الشركة في 18 أيلول/ سبتمبر 2024 بدء خدماتها في اليمن بعد أشهر قليلة من عقود غير رسمية كانت تجريها مع حكومة عدن. لكن توقيت الإعلان كان مفاجئاً، خاصة وأنه تزامن مع الهجمات التي طالت أجهزة البيجر واللاسلكي في لبنان.

مواقف متضاربة
«ستارلينك» هي خدمة إنترنت قائمة على الأقمار الصناعية أنشأتها شركة «سبيس إكس» التابعة للملياردير إيلون ماسك، الصديق المقرب من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، صُممت لتوفير الوصول إلى الإنترنت في البيئات الصعبة ومناطق الحروب من خلال إنشاء شبكة متداخلة تتكون من آلاف الأقمار الصناعية الموضوعة في مدار أرضي منخفض، لتوفّر وصول إنترنت عالي السرعة.
أعلنت «ستارلينك» بدء خدماتها في اليمن كأول دولة في الشرق الأوسط تتمتع بإمكانية الوصول الكامل إلى الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية، ونشر ماسك خريطة تُظهر اليمن باعتباره البلد الوحيد في المنطقة الذي يستفيد من خدمات شركته. وما أثار الحفيظة هو مسارعة السفارة الأمريكية في اليمن إلى التهنئة بالخطوة التي وصفتها بـ»الإنجاز» الذي يوضح كيف يمكن للتقنية أن تفتح فرصاً جديدة، وتدفع عجلة التقدم. وصرحت وزارة الاتصالات في حكومة المرتزقة بعدن أن «تدشين خدمة ستارلينك جاء في إطار جهود مواجهة التحديات الناجمة عن الصراع». بدوره رأى عضو مجلس القيادة الرئاسي الموالي للإمارات، عبدالرحمن المحرمي، أن الخدمة ستوفر اتصالاً أكثر أماناً. وهنا إشارة إلى الإمارات، التي أمنت هذه الخدمة إلى مشفاها الميداني في غزة، رغم رفض إيلون ماسك تزويد القطاع المحاصر بخدمات شركته.
هذه التطورات دفعت حكومة صنعاء إلى التحرك سريعاً للتحذير من مخطط يرسم لليمن ولأمنه القومي؛ إذ انتقد محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لحركة «أنصار الله»، موقف السفارة الأمريكية الذي «يؤكد علاقة إطلاق ستارلينك بالحرب التي تشنها أمريكا على اليمن، ما يهدد بتوسيع رقعة الصراع لتطال مدارات الفضاء الخارجي لأول مرة في التاريخ». وفي أول موقف رسمي، اعتبرت وزارة الاتصالات في حكومة صنعاء أن تقديم خدمات الإنترنت من قبل شركة أجنبية في أي منطقة من أراضي الجمهورية اليمنية، يمثّل انتهاكاً صارخاً لسيادة البلاد، وتهديداً كبيراً لأمنها القومي وضرراً على نسيجها الاجتماعي، محذرة كافة المواطنين من التعامل مع الشركة وخدماتها؛ كونها «غير قانونية»، وأعلنت أنها ستتخذ التدابير اللازمة حيال هذا التهديد.

مخاطر أمنية
في آذار/ مارس الماضي، قالت صحيفة «فايننشال تايمز»، في تقرير، إن الأمريكيين والبريطانيين يفتقرون إلى المعلومات الاستخبارية في حملتهم في البحر الأحمر، وتعرقلها قلة المعلومات الاستخباراتية عن ترسانة «الحوثيين» وكامل قدراتهم العسكرية. يوضح هذا المأزق حاجة واشنطن إلى تأمين قاعدة بيانات تجسسية ضد أنصار الله. فما هو الرابط مع «ستارلينك»؟!
تقرير لوكالة «رويترز» كشف عن انخراط «سبيس إكس» في المشروعات الاستخباراتية والعسكرية الأمريكية لوزارة الدفاع الأمريكية بموجب عقد سري وقعته مع وكالة تدير أقمار التجسس الصناعية، وتتبع وكالة الاستخبارات الأمريكية «سي آي إيه». ومن خلال شبكة من مئات أقمار التجسس الصناعية، تسعى «سبيس إكس» إلى بناء نظام تجسس جديد يضم مئات الأقمار الصناعية، ويعزز قدرة الحكومة الأمريكية على رصد الأهداف المحتملة بسرعة في أي مكان في العالم.
يقول الخبير اليمني في الشؤون العسكرية اللواء خالد غراب، إن «توقيت الخطوة مرتبط بخسائر المعركة البحرية في البحر الأحمر، وما يؤكد صحة هذه الفرضية هو إقدام العدو على نشر خدمات الاتصالات والإنترنت الفضائية من خلال نشر عدة أقمار اصطناعية تجسسية بلا قيود لليمن دون غيره، رغم التكلفة المادية الباهظة. هذه الخطوة توحي بأن العدو يحضر لأعمال عسكرية بنمط جديد من المواجهة ضمن الجيل الخامس من الحروب، والذي تمظهر في العدوان الأمريكي الإسرائيلي البريطاني على لبنان بتفجير أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي. ومن ثم فإن الخطوة انتهاك صارخ لسيادة اليمن وتهديد لأمنه القومي، إذ قد يحضر العدو من خلالها لأعمال عسكرية تتزامن مع أعمال قتالية برية عبر الخونة والمرتزقة المحليين وجوية من خلال توفير غطاء جوي لتلك القوات لمحاولة استعادة الهيمنة على التجارة الدولية».

لكن ماذا عن انخراط الكيان «الإسرائيلي» في هذا المشروع؟
تمتلك هذه الشبكة من الأقمار الصناعية كافة التقنيات لتوفير خدمات الذكاء الاصطناعي، وهي خدمات لا تزال مجهولة القدرات والأبعاد والخطورة، وبالأخص تلك التي تمتلكها «إسرائيل». يمتلك الكيان قمري «أوفيك-13» و»أوفيك-14» التجسسيين، ويجري ربطهما بشبكة الأقمار الصناعية في مدار الشرق الأوسط. وهذا ما يعني أن شركة «سبيس إكس» ستكون طرفاً ثالثاً مهمتها تقديم كافة الإرشادات والمعلومات لهذين القمرين.
تتوفر خدمات الشركة حالياً في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف السعودي فقط، لكن الاستخدام المؤقت لها متاح في المناطق كافة عبر باقات التجوال دون الحاجة إلى وجود بنية تحتية رسمية، وهو ما يثير مخاوف أمنية تتمثل بما يلي:
• مخاطر تسرب بيانات استراتيجية وأمنية حساسة مع إتاحة إمكانية التخابر مع جهات خارجية من دون رقابة.
• خطر على الخصوصية الفردية وإمكانية اختراق البيانات الشخصية من خلال التنصت على الاتصالات.
• مخاطر التعرض لهجمات سيبرانية مع تداعياتها الأمنية الخطرة بعد استخدامها في تفجيرات إرهابية.
• تهديد الأمن السلمي من خلال تجاوز الرقابة المحلية على المحتوى وانتشار المعلومات المضللة.
• مخاطر على الأمن الاجتماعي مع إتاحة الوصول غير المقيد للمحتويات غير الملائمة.
• عرقلة تطوير البنية التحتية المحلية وخلق منافسة غير مشروعة مع المؤسسات الرسمية.
ويقول الكاتب والباحث اليمني في الشؤون السياسية الدكتور يوسف الحاضري إنه «عندما نأتي إلى الأحداث الأخيرة التي حصلت في لبنان، والحرب الإلكترونية التي تحركت بها أمريكا والكيان ومن خلفهما، وفي ظل العجز الاستخباراتي في المناطق الخاضعة لسيطرة لحكومة صنعاء عن تحديد أماكن الصواريخ والطيران المسير وأماكن التصنيع العسكري، وخاصة بعد العملية الأمنية الاستخباراتية الأخيرة التي أمسكت بأكبر خلية تجسسية في اليمن يعود نشاطها إلى سنوات وتقدم خدمات في المجالات جميعها، كان لزاماً في إطار الحرب المفتوحة استحداث طريقة جديدة للوصول إلى المعلومات. أما خطورتها فتكمن في أن شركة الملياردير الصهيوني إيلون ماسك المعروف بعلاقاته مع رئيس وزراء كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، يمكن لها أن تتيح الحصول على بيانات تهدد الأمن الخاص للمواطنين، وإحداث بلبة واختراقات أمنية في نوع جديد من الحروب الناعمة، وإتاحة إرسال هذه المعلومات خارج إطار الرقابة الرسمية».
أما عن طرق مواجهة هذا المخطط، فيجمع الخبراء أن أولى الخطوات تكمن في إطلاق حملة إعلامية ورسمية تحذر من مخاطر هذه الشركة، وتجريم التعامل معها باعتبار ذلك يوازي القيام بأعمال جاسوسية، توازياً مع العمل مع شركة «اليمن نت» المحلية على تحسين جودة خدماتها وتخفيض أسعارها لتجنيب المواطنين من اللجوء إلى غيرها.

مودّة إسكندر (The Cradle)