حاوره:مارش الحسام / لا ميديا -
انطلق في رحلته الفنية في الثمانينيات قدم عددا من الأعمال المسرحية والدرامية التي خاضت في أعماق النفوس، كما أخرج عددا من المسرحيات التي سجلت حضورا قويا في ذاكرة الجمهور.
تطحنه الحسرة وهو يتحدث عن وضع المسرح في بلادنا والذي مثل إغلاقه حدا فاصلا لدعائم استمراره على خشبته، فيما ساهمت جملة من العوامل في غيابه شبه التام عن الشاشة الصغيرة.
رغم انخراطه في أعمال ووظائف قبلية واجتماعية تأكل وقته وتحول دون انخراطه في أعمال درامية جديدة إلا أنه يعتبر نفسه يمارس ذات الدور وأن شخصيته القبلية مكملة لشخصيتة الفنية.. «لا» التقت الفنان المخضرم حميد السلطان الذي مازال يحمل في قلبه شغفا لا يوصف للمسرح وكل حلمه العوده إلى خشبته.

في البدء، حبذا لو تعرف القراء من هو حميد السلطان؟
مواطن يمني بسيط، شارك في عدد من الأعمال الدرامية والمسرحية، وصاحب تجربة في الإخراج المسرحي.

شيخ أم فنان؟!
لكن وأنا في طريقي لإجراء الحوار معكم كل من قابلتهم وسألتهم عن عنوانك كانوا يرشدونني ولم ينعتك أحد منهم بلقب الفنان وإنما كانوا يعرفونك بلقب الشيخ أو عاقل الحارة؟
صحيح، فإلى جانب عملي كفنان أعمل كشيخ قبلي وعاقل حارة في حي شملان، وفي محل إقامتي وبحكم عملي في أوساطهم اعتاد أبناء الحارة على تسميتي بهذه الألقاب.

انطلاقتي بدأت الثمانينيات
باعتبار أننا هنا لإجراء حوار مع حميد السلطان الفنان وليس الشيخ القبلي، ما يهمنا هو شخصيتك الفنية.. حبذا لو تعرفنا على بداية مشوارك الفني؟
البداية كانت في الثمانينيات وشاركت في مسلسل «نجوم الحرية»، ومسلسل «المهر»، وفي العام 1987 التحقت بالمسرح العسكري، وخلال نفس الفترة التحقت أيضاً بالمسرح الوطني، وفي التسعينيات شاركت في مسلسل «الثلاثيان» من الذاكرة اليمنية، وفي التسعينيات أيضا ترأست فرقة مسرحية وقدمت عددا من الأعمال المسرحية.

أبو الفنون
باعتبارك قدمت أعمالا دارمية ومسرحية، أين تجد نفسك؟
أجد نفسي بالمسرح وكل شغفي به، لأنه أبو الفنون وفن التعبير الإنساني الذي يجمع بين الكلمات والحركة والصوت والضوء ليعكس الحقيقة الإنسانية في أبعادها المتعددة، ومن خلاله تخاطب الجمهور وجها لوجه، ورسالته أقوى، حيث تنقل المشكلة إلى المسؤول وجها لوجه، أي تنقل هموم المواطن وتطرحها على المسؤول أو الجهة المعنية بشكل مباشر من خلال الإسقاط أو القضية التي تناقشها المسرحية.

هواية وشغف
ما الذي ألهمك لدخول عالم المسرح؟
الهواية والشغف والعشق هي مصد إلهامي لهذا النوع من الفن الذي يجمع بين الترفيه والتثقيف، أحب المسرح لذاته وليس حبا للشهرة ولا بحثا عن النجومية أو المادة، أهوى المسرح منذ نعومة أظافري ولكن الفرص لم تكن مواتية أيام الطفولة، وهذه الهواية ظلت كامنة في داخلي وهي سبب التحاقي بالمسرح العسكري في الثمانينيات، ومن ثم التحاقي بالمسرح الوطني، وفي التسعينيات ترأست فرقة «النجوم» المسرحية ولازلت رئيسها، ولكن النشاط المسرحي متوقف بفعل تداعيات العدوان والظروف التي تمر بها البلاد.

نقطة تحول
أدوار أو عروض معينة تعتبرها نقطة تحول في مسيرتك الفنية؟
بالنسبة للأعمال المسرحية فهي كثيرة ولا يوجد عمل بعينه يمكن اعتباره نقطة تحول. أما بالنسبة للدراما فيمكن اعتبار مسلسلي «المهر» و«نجوم الحرية»، نقطة تحول باعتبارهما باكورة أعمالي الدرامية أعتبرها البداية وليست أهم الأدوار التي قدمتها، لأني قدمت أدوارا مهمة لاحقا، منها عدة أدوار في مسلسل «كيني ميني»، كما تقمصت دور ياسين في مسلسل «سد الغريب».

آخر ظهور
قبل الانتقال إلى أعمالك المسرحية، السؤال هو: ما هي آخر أعمالك الدرامية؟
آخر مشاركة لي كانت في مسلسل «ماء الذهب» ومسلسل «مسلك العاقبة»، وقبله «القريب بعيد».

«قرية العكابر»
ماذا عن تجربتك في الإخراج المسرحي؟ وكذا أبرز أعمالك الإخراجية في هذا المجال؟
أخرجت عددا من المسرحيات أبرزها مسرحية «قرية العكابر» التي كانت من أنجح المسرحيات وعرضت أكثر من 300 مرة على مدى سنتين.
وكذلك أخرجت مسرحية «ناس في الباي باي»، وأخرجت مسرحية «كلنا فداء الوطن» من تأليف المبدع شرف الويسي، وحاليا لدي مسرحية بعنوان «قتلة في الشام وغبارها في اليمن» من تأليفي، غير أن الظروف في الوقت الراهن لا تسمح بإنتاجها.

وضع مزر
كيف تصف وضع المسرح في اليمن حاليا؟
وضع المسرح في الوقت الراهن مزر، مغلق تماما، للأسباب التي ذكرناها سابقا جراء تداعيات العدوان على اليمن، ولكن بإذن الله سيتنصر اليمن بقيادته الحكيمة وسيعود اليمن بخير، وسينتعش المسرح والفنون الشعبية.

جمهور متعطش
مصطلح العدوان حاليا أصبح مبررا مقنعا لأي جمود أو توقف خدمة أو نشاط ما هنا أو هناك.. إلا أن هناك من يرى أن انتكاسة المسرح تكمن أساسا في جمهوره شبه الغائب، وبالتالي لا يشجع على إعادة افتتاح المسرح؟
لا، الجمهور متعطش للمسرح، بدليل أننا حين نقوم في بعض المناسبات الدينية أو الوطنية بالترويج وبشكل محدود في بعض الفعاليات عن عمل مسرحي يخص المناسبة كالمولد النبوي مثلا نجد تفاعلا كبيرا من الجمهور الذي نجده يتقاطر إلى مكان العرض.

خصوصيات المسرح غير الدراما
ولكن كيف تفسر أن العدوان وتداعياته أثرا على المسرح دون الدراما التي انتعشت رغم العدوان بدليل أن عشرات الأعمال الدرامية تنتج سنوياً وربما بمعدل الضعف عما كانت عليه قبل العدوان؟
خصوصية المسرح غير خصوصية الدراما، صحيح أن هناك غزارة في الإنتاج الدرامي وهذا سببه زيادة عدد القنوات الفضائية اليمنية، وكل قناة تعرض مسلسلا أو مسلسلين في رمضان، من جهة أخرى جمهور الدراما يقبع خلف شاشات التلفزة بعكس جمهور المسرح الذي يكون حاضرا في مسرح العرض مباشرة. هذا يعني أن خصوصية المسرح غير، لكي ينجح المسرح هو بحاجة إلى الاستمرارية بحيث يتعود عليه الجمهور، والديمومة شرط أساسي في نجاح المسرح، وبالتالي فإن المسرح سينجح وجمهور المسرح سيعود إذا كان هناك أعمال مسرحية متواصلة، ولن ينجح بمسرحية في السنة أو كمال يقال «بالسنة حسنة».

شللية على حساب المضمون
بماذا تعلق على غزارة الإنتاج الدرامي..؟
غزارة الإنتاج الدرامي تأتي على حساب المضمون، لأن المجاملات والشللية تسيطران على الدراما اليمنية، صحيح أن هناك نجوما وعمالقة يتهافت عليهم المخرجون، ولكن هذا لا ينفي وجود المجاملات التي تقضي على الدراما اليمنية.

الدراما والرياضة وجهان لمشكلة واحدة
كيف تلخص مشكلة الدراما اليمنية أو تصف واقعها؟
يمكن القول إن واقع الدراما اليمنية أشبه بواقع الرياضة اليمنية، فمثلما هناك لاعبون يتم اختيارهم بالوساطة، نفس الشيء بالدراما، وعن طريق المجاملات والمحسوبية يتم توزيع الأدوار.

عناصر ثلاثة
برأيك ما هي العناصر الأساسية أو المعايير التي يعتمد عليها نجاح أي عمل درامي أو مسرحي؟
برأيي هي ثلاثة عناصر، الأول: جودة النص والحبكة، الثاني: توزيع الشخصيات، الثالث: قراءة النص لرسم الشخصيات، أي تخيل شخصية تحاكي هذا النص وتجسيد هذا الدور.

ملك الجميع
ذكرت أن زيادة أعداد القنوات الفضائية تقف وراء غزارة الإنتاج الدرامي، ولكن من المعروف أن القنوات الفضائية اليمنية منقسمة، بل متضادة في سياساتها وتوجهاتها.. فهل يمكن أن يرفض الفنان حميد السلطان عملا بسبب سياسة القناة التي ستعرض ذلك العمل؟
الفنان هو ملك المجتمع كله، يهمه الدور وليس الوسيلة، بالنسبه لي إذا كانت فكرة العمل الدرامي تخدم العدوان ولا تخدم وطني سأرفضها، لأن وطني أغلى وسياسة القناة محسوبة عليها.

غياب
ربما غيابك عن المسرح صار معروفا، ولكن ما مبرر غيابك عن الدراما؟
هناك أسباب كثيرة لهذا الغياب، منها انشغالي بعملي كشيخ وعاقل حارة، والشللية تلعب دورها، وكذلك من الأسباب وهي الأهم غياب المحتوى الهادف، ولكن إذا ما وجد نص جيد يخدم الوطن وأهداف المرحلة فأنا مستعد.

علاقة تكاملية
خلال إجراء هذا الحوار معك كفنان كان عليّ إيقاف التسجيل أكثر من مرة والاستماع لشكوى ومظلومية أشخاص يحاورونك كشيخ قبلي، فيما أنا الوحيد الذي أحاورك كفنان.. كيف العلاقة بين شخصيتك الفنية والقبلية أو بين دورك كفنان وكشيخ قبلي؟
العلاقة تكاملية وشخصيتي القبلية مكملة لشخيصتي الفنية والعكس.. الفرق هو أنك كشيخ ستحل مشكلة بين شخصين ولكن كفنان بين مجتمع كامل، وكلها رسائل سامية.
حين أقوم بدور شيخ أو عاقل حارة أعتبره مكملا لدوري كفنان، بل يمكن القول إنه نفس الدور أن تحاول حل مشكلة من خلال النص أو المسرح وكاميرا التلفاز أو من خلال الأحكام العرفية والقضائية.. إلا أن وسائل التعبير وقوة الرسالة تكون أقوى كفنان وليست محدودة كشيخ.

كلمة أخيرة..؟
أشكر صحيفة «لا» على هذه اللفتة الكريمة، ومن خلالها أوجه رسالة للحكومة ووزارة الثقافة بإعادة النظر في وضع المسرح وأخذه بعين الاعتبار دون إغفال دور المسرح وأهميته في بناء المجتمعات الإنسانية المتحضرة وترسيخ المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة تم إثباته على مر التاريخ، وهناك مثل عالمي يقول: «اعطنى مسرحا اعطك شعبا عظيما».