تقرير/ لا ميديا -
في مشهد يختصر المأساة والعزة معاً، عاد أكثر من نصف مليون نازح فلسطيني إلى بيوتهم المهدّمة ومناطق سكناهم في مدينة غزة وشمال القطاع، مع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين العدو الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية، بعد إبادة هي الأطول والأبشع في تاريخ الإبادة الحديثة.
عادوا حفاة، يحملون على أكتافهم ذاكرة عامين من الجحيم، إذ لم يترك الاحتلال حجراً على حجر، ولم يرحم شيخاً ولا طفلاً. عادوا رغم الركام؛ لأنهم ببساطة، لا يعرفون الاستسلام.

أرقام الشهداء تصرخ: إبادة متواصلة
كشفت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أمس، مشهداً يفوق الوصف: 67,682 شهيداً منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، و170,033 جريحاً، في إبادة إجرامية لم تترك بيتاً في القطاع إلا وألبسته ثوب الحداد.
وفي الساعات الأربع والعشرين الأخيرة فقط، جرى انتشال 116 جثماناً من تحت الأنقاض، وتسجيل عدد من الشهداء و72 إصابة جديدة جراء العدوان الصهيوني المستمر على القطاع، وسط عجز فرق الإسعاف والدفاع المدني عن الوصول إلى بقية الضحايا، بسبب الدمار الشامل الذي خلّفته آلة القتل الصهيونية.
ووفق الدفاع المدني، فإن ما لا يقل عن 10 آلاف شهيد ما زالوا تحت الركام، فيما تعمل فرق الإنقاذ بإمكانات شبه معدومة. وكشف مسؤول ميداني أن الاحتلال ترك وراءه ألعاب أطفال وعلب طعام مفخخة، في جريمة أخرى تؤكد نزعته الإجرامية تجاه المدنيين.

المقاومة: السلاح خط أحمر والكرامة لا تُساوَم
وفي خضم ما سُمّي بـ»خطة ترامب»، التي نصّت على نزع سلاح المقاومة وإقامة «مجلس سلام» دولي برئاسة ترامب وتوني بلير، جاء الردّ الفلسطيني قاطعاً.
مسؤول في حركة حماس صرّح لوكالة «فرانس برس» قائلاً: «موضوع تسليم السلاح خارج النقاش وغير وارد إطلاقاً».
رسالة المقاومة كانت واضحة: سلاحها ليس موضوع تفاوض، بل هو ضمانة الوجود.
وأكدت الفصائل الفلسطينية، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، رفضها لأي وصاية أجنبية على قطاع غزة، مشددةً على أن إدارة القطاع شأنٌ وطنيٌ خالص.
وفي بيان مشترك، دعت الفصائل إلى اجتماع وطني شامل برعاية مصرية لتوحيد الصف الفلسطيني وإعادة بناء المؤسسات الوطنية، معتبرةً أن المرحلة المقبلة فرصة لتعزيز التكافل الداخلي، والانطلاق نحو مسار سياسي وطني موحد يعيد الاعتبار للقضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني لا تسوية مذلة.
كما وجهت الفصائل «تحية فخر واعتزاز لجبهات الإسناد في اليمن ولبنان والجمهورية الإسلامية في إيران والعراق، الذين وقفوا إلى جانب الشعب الفلسطينية ومقاومته وقدموا الشهداء على طريق القدس والأقصى».

اتفاق هشّ.. ومقاومة يقظة
رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ، تؤكد الفصائل أن الاحتلال يماطل في تنفيذ بنوده، وأنّ بعض البنود الجوهرية، خصوصاً المتعلقة بالأسرى، ما زالت معلقة.
وقال بيان المقاومة إن ما تحقق حتى الآن «هو فشل سياسي وأمني للاحتلال، الذي حاول فرض التهجير والاقتلاع، لكن صمود شعبنا أفشل كل مخططاته».
وبحسب وسائل إعلام، بدأت التحضيرات الفعلية لعملية تبادل الأسرى؛ إذ وصل ممثلون عن الصليب الأحمر إلى سجني «عوفر» و»شيكما»، في حين شرعت سلطات الاحتلال بنقل الأسرى الفلسطينيين إلى المعتقلات التي سيُفرج عنهم منها.
ورغم التعقيدات، ترى المقاومة في هذا الاتفاق انتصاراً جزئياً يفتح الباب لمراحل نضال جديدة.

نار أخرى تشتعل في الضفة الغربية
في الضفة الغربية المحتلة، لم يتوقف الإجرام الصهيوني رغم وقف النار في غزة.
وهاجم غاصبون مدججون بالسلاح مزارعين فلسطينيين أثناء موسم قطف الزيتون في نابلس ورام الله، تحت حماية جنود الاحتلال.
المشهد كان مكرراً لسنوات القهر: رصاص، ضرب، ومصادرة أراضٍ... كسياسة صهيونية متجذرة.
وفي الخليل، أصيب شاب في فخذه برصاص الاحتلال وترك ينزف أكثر من ساعة، بينما اعتُقل ستة مواطنين بينهم امرأتان، وتعرضت منازلهم للتفتيش والتخريب.
كما واصلت قوات الاحتلال إغلاق الطرق ونصب الحواجز الأسمنتية، لتحويل حياة الفلسطينيين إلى سجنٍ مفتوحٍ آخر.
وقال عبد الرحمن شديد، القيادي في حركة حماس، إنّ ما يجري في الضفة هو «سياسة تهجير ممنهجة»، مضيفاً: «صمود أهلنا على أرضهم هو الدرع الحقيقية أمام مشاريع التهويد والتهجير، وسنواصل دعم اللجان الشعبية لحماية المزارعين والممتلكات من إرهاب المستوطنين».

العالم فلسطيني... و«إسرائيل» في عزلة
رغم كل الخراب، خرجت من بين الركام صرخة الحياة الفلسطينية من جديد.
صور العائدين إلى بيوتهم المهدّمة أعادت إلى الذاكرة مشاهد العودة الكبرى عام 1948؛ لكن هذه المرة، من رمادٍ صنعته القنابل الصهيونية والأمريكية.
ورغم الصمت المريب لكثير من العواصم الغربية، شهد العالم حراكاً تضامنياً غير مسبوق، إذ خرت الملايين في عواصم أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا تهتف لغزة وتندد بالاحتلال.
وفي مستجدات التضامن مع غزة، خرج الآلاف في لندن، بالمملكة المتحدة، بمسيرة «من أجل السلام الدائم» في غزة، نظّمتها حركة التضامن مع فلسطين.
المسيرة انتقدت بشدة الموقف البريطاني الداعم للعدو الصهيوني، وطالبت بوقف الاحتلال وسياسات الإبادة أو التمييز ضد الفلسطينيين.
كما شهدت العاصمة النرويجية أوسلو احتجاجات قبيل مباراة تصفيات كأس العالم بين النرويج و«إسرائيل»، إذ تظاهر نحو ألف شخص ضد المشاركة «الإسرائيلية»، حاملين أعلام فلسطين، ولافتات تطالب بإنهاء الحرب ووقف الدعم السياسي والعسكري لـ«إسرائيل».
كذلك تجمع آلاف الأشخاص في العاصمة الألمانية برلين تحت شعار «متحدون لأجل  غزة» أمام بوابة براندنبورغ، احتجاجاً على الإبادة على غزة، ومطالبة بضغوط دولية لوقف أعمال القتل والحصار.
وفي باكستان أيضاً، شهدت لاهور وغيرها مظاهرات ضخمة ضد العدو الصهيوني، بعضها أدى إلى مواجهات مع الشرطة، وإطلاق نار، وإصابات.