اليمن ومساعي الخـونة للتطبيع
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -
بالنظر إلى طلبات اللجوء التي قدمها مسؤولون في "شرعية الفنادق"، وتحديداً الذين من المحافظات الشمالية، وترتيباتهم واستثماراتهم في الخارج، يتضح أنهم قرروا عدم العودة حتى إلى المناطق المحتلة.
وأعتقد أن الخطوات القادمة هي:
1 - إعادة تشكيل رئاسة وحكومة ما تسمى "الشرعية" بالتقاسم بين المحافظات المحتلة، مع استبعاد كلي لكل مَن هم مِن المحافظات الشمالية.
2 - الاعتراف الدولي بدولة اليمن الجنوبي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر (كما حدث في انفصال أرض الصومال).
3 - التطبيع مع "إسرائيل" بحسب ما صرح به عيدروس الزبيدي علناً بأنهم إذا ساعدوهم في استقلال الجنوب فسيطبعون مع الكيان الصهيوني، وذلك تم التوافق عليه في زيارة وفد الكيان إلى عدن وزيارتهم للجبهات وخطوط التماس والتركيز على جبال قرية "قدس" التي يعتقد بنو صهيون أنها القدس الموعودة التي هاجروا منها قديماً ويعملون للعودة إليها.
وبهذا يكون العدو قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وحقق عدة أهداف، أهمها:
أولاً: نجح العدو في تقسم اليمن وتفتيته وبث فيه سموم الفتنة والشرذمة والعنصرية والاقتتال الداخلي.
ثانياً: تمكن العدو من عزل أقوى وأهم المقاومين له (أنصار الله) في بقعة لا ثروات فيها (نفطية وغازية ومعدنية؛ لكنها لم تستخرج وتستثمر بعد)، ولا منافذ، وكثف برنامجه في سياسة التجويع وحربه الاقتصادية وحصاره وكل ما يؤدي إلى التآكل الداخلي والتدمير الذاتي (يعني معزولين ومحصورين ومحاصرين ومخنوقين ونفتقر للموارد والمنافذ)، وسيزداد ويتفاقم التأثير لعدة أسباب، أهمها:
- عدم حسم المفاوضات وانتزاع حقوقنا من العدو وحلّ القضايا الإنسانية والاقتصادية واستئناف تصدير النفط، وما إلى ذلك من خطوات التعافي الاقتصادي.
- بعد مضي عشرة أعوام من تعرضنا لأبشع عدوان وحصار وخنق شهدته البشرية، استنفد الأغلبية مدخراتهم وباعوا ما يملكونه خلال الفترة الماضية وغرقوا في الديون، وبات الوضع لا يُحتمل (طبعاً هذا غير المدخرات المحتجزة في البنوك والتي تحولت إلى أرصدة دفترية مجمدة غير قابلة للسحب في مرحلتين: الأولى: عند نقل البنك المركزي، والثانية: بعد إصدار قانون منع التعامل الربوي وتعمد تجميد العمل في البنوك وفق التعامل الاستثماري المسموح واستمرار الحجز للأموال بدون حلول ناجعة وليست ترقيعية).
- فشل الحكومة في الانتقال من اقتصاد الجبايات، الذي جُلّ موارده من ظهر المواطن، إلى اقتصاد التنمية، الذي أغلب موارده من مشاريع الاستثمار والتصنيع المحلي ومشاريع المساهمة وتنمية الصادرات وبرامج التمكين الاقتصادي... إلخ، وبالتالي استمرار الاعتماد الكلي على ما يخنق المواطن ويثقل كاهله، وهذا إلى جانب قرارات وخطوات تتم باسم التصحيح، وهي في الحقيقة تقطع أرزاق ومصادر دخل كثير من فئات المجتمع، بالإضافة إلى خطوات وقرارات تأتي في غير وقتها من شأنها استنزاف المواطنين مالياً... كل هذا يجعل الكارثة أكبر ويسرّع الانهيار.
- تأخر التصحيح، وعدم استئناف التغييرات الجذرية، وغياب المحاسبة والرقابة، وعدم تفعيل التقييم. فالفاسد يستمر في فساده، بل وبوتيرة أعلى، والفاشل يستمر في فشله ولا يبالي، والتنكيل الذي يتم هو للشرفاء والكفاءات والمخلصين والمجاهدين، بل وإعادة تدوير المزريين بعد إقالتهم ضمن موجة التغييرات الجذرية، واستغلال استشهاد الحكومة في إعادتهم (دوران العجلة بشكل عكسي).
- تفاقم المظالم وغياب الإنصاف والتغرير على القيادة بأن كل شيء "سابر"، وأن الأمور "فاهنة" وطيبة، وذلك ليزداد ويتضاعف الخلل ويستمر القصور إلى أن يقع الفاس في الراس، والفئة المستفيدة من حالة اللا سلم واللا حرب أو حالة الحرب تصور الأمور بغير الواقع، ويحاولون تصوير الحشود الجماهيرية في الساحات بأنها مؤشر رضا عن السلطة، بينما كل الحشود هي استجابة لدعوة السيد القائد، ولا تعكس رضا المجتمع عن السلطة.
هذه النقاط وحدها كفيلة بإسقاط أعتى وأقوى الدول، مهما كانت قوتها العسكرية. لا تقول لي "فرط صوتي انشطاري"، ولا "صواريخ بالستية موجهة" ضد السفن، ولا دفاعات جوية متقدمة، بينما حاضنتك الشعبية تتآكل يوماً بعد يوم، وهناك من يعمل جاهداً ويمعن في إثارة السخط الشعبي وضرب الحاضنة، بتجويع وظلم وقهر الناس، وتجفيف الموارد المالية للدولة، إلى جانب الفشل المؤسسي... فكل هذا يودي إلى تردي الوضع المعيشي والخدمي وإثارة السخط وصولاً إلى الانفجار المجتمعي، وهذا يخدم العدو أكثر مما تخدمه صواريخه الحديثة وقنابله الذكية وترسانته العسكرية الضخمة. السلاح مهم، وهو من ضمن العدة التي أمرنا الله عزَّ وجلّ بتجهيزها وإعدادها. لكن ترميم البيت الداخلي أيضاً مهم جداً، بل إنه أساس في مواجهة الأعداء، علماً بأن كل ما سبق ذكره من اختلالات وقصور قد وجّه السيد القائد مراراً وتكراراً بمعالجتها وتصحيحها، والآن الوقت يداهمنا والعدو يعمل بوتيرة عالية، ووجب تنفيذ التوجيهات بحذافيرها. أما استمرار عدم تنفيذ توجيهات السيد القائد، بل وتنفيذ عكسها، فسيقودنا إلى ما لا تُحمد عقباه.
ثالثاً: أوصل العدو الخونة المستعدين للتطبيع إلى حكم المناطق الجنوبية كاملة، وهذا ضمن أهم مكاسب العدو. ولكم أن تتخيلوا أن يطبع اليمن العظيم مع الكيان الصهيوني؛ اليمن الذي انفرد في مناصرة غزة يطبع مع الكيان، بل وينبطح له؛ بسبب عيدروس الزبيدي وغيره من الخونة!!
قد ترى القوى الدولية، وفق ردود الفعل على أحداث حضرموت والمناطق المحتلة، أن الوقت غير مناسب لتنفيذ برنامج الانفصال حالياً؛ لكن يجب علينا عمل حساب لكل التوقعات، ونسعى في اتجاهين، هما:
- تحريك الملف السياسي في إطار المفاوضات والعلاقات الدولية بحنكة وكفاءة وتميز.
- التصحيح الداخلي واستئناف التغييرات الجذرية.
هاتان الخطوتان لا بد أن تتما بأسرع وقت، كضرورة حتمية لم تعد قابلة للتأجيل.

أترك تعليقاً

التعليقات